المقال رقم 2 من 23 في سلسلة خواطر في تفسير إنجيل يوحنا

علي قدر حساسية المجتمعات الدينية في الحديث عن الإرتباط بين الرجل والمرأة ، إلا أننا نجد الله عندما بدأ تقديم نفسه للإنسان سواءً في العهد القديم أو العهد الجديد كانت علاقة الحب و الأرتباط بين الرجل والمرأة أولوياته. حدث هذا في أحداث خلق و في بداية سفر التكوين وكانت أول وصية لله إلي الرجل والمرأة ” أثمروا وأملؤا الأرض“ . ثم في إفتتاح العهد الجديد لله مع الإنسان عندما أظهر الرب يسوع المسيح مجده في حفل عرس بقرية قانا الجليل فآمنوا به.

إننا نري في هذا التدبير الإلهي رسالة واضحة يَستعلِن فيها الله لنا أن الرب خلق المرأة بعد خلقه لآدم حتي يعين الإنسان – المرأة والرجل – أن يمتد ويُجسِّد حبه لله من خلال حب شخصي وعلاقة حميمية بين الرجل والمرأة . والعكس صحيح أن الزواج المسيحي هو ، وسيبقي منارة للباحثين عن أيقونة الحب الحقيقي بين الرجل والمرأة.

إن الحديث يطول في شرح الزواج الطبيعي والزواج الطائفي والزواج المسيحي.
الزواج الطبيعي هو الذي أسسه الله في بدء الخليقة ” أثمروا وأملؤا الأرض“ والذي هو حق طبيعي قدسه الله للإنسان، وتحكمه حرية الإنسان في الإرادة والإختيار وإحتياج الحب للإرتباط بين الجنسين مع متطلبات صيانته.
والزواج الطائفي هو زواج طبيعي وَضعَت له طوائف المجتمع ( ومن ضمنها الدولة ) شروطاً تختلف بحسب إختلاف تراثها ومعتقداتها التي تطورت خلال تاريخها.
والزواج المسيحي هو زواج طبيعي يدعو إليه الزوجان شخص المسيح إلهنا ليكون فيه هو الجسد الواحد الإلهي الذي يرتبط به وفيه الزوجان.

ولكني سأقتصر حديثي علي جانب من رؤيتي للزواج المسيحي الذي تَمثَّل في دعوة أصحاب عرس قانا الجليل ليسوع وأمه وتلاميذه و ما قام به المسيح من معجزة خلق جديد خلال العرس عندما أنعم علي أصحاب العرس بالخمر الجيدة التي جلبت لهم الوعي بالفرح بعد أن فرغت الخمر الردئ التي تتسلط علي الإنسان بالنشوة الكاذبة التي لا تدوم بل تذهب بالوعي والفرح.

قلنا أن الإرتباط الحميم الذي نسميه الزواج بين المرأة والرجل قد أسسه الله عندما خلق آدم وحواء وقال لهم “اثمروا وأملئوا الارض“. هذا الإرتباط الطبيعي الذي تأسس عند خلق الإنسان قد تدنَّي بسبب تدنِّي البشرية بالسقوط ثم تغربها عن الله مصدر الحب وحياة الشركة في الإنسان. ثم تجسَّد الرب يسوع المسيح ” الله الذي ظهر في الجسد“ وبدأ عهده الجديد مع الإنسان بالخلاص و فتح باب النعمة علي مصراعيه أمام المؤمنين من خلال تجديد طبيعتهم الساقطة وذلك بإتحادهم بالطبيعة الجديدة للإنسان التي أسسها الرب لنا في جسده. لذلك فقد صار الزواج المسيحي الذي هو دعوة موجهة إلي الرب يسوع المسيح ليشترك ويتواجد كإساس في هذا الإرتباط، هو بمثابة عودة بعلاقة الرجل والمرأة إلي مجالها الإلهي الذي هو موطنها الأصلي حين خلق الله آدم وحواء.

فالزواج المسيحي يرتقي بالزواج الطبيعي بين المرأة والرجل. لأنه بدعوة العروسان للرب يسوع المسيح لحضور العرس والأشتراك فيه، والذي مثاله كان في عرس قانا الجليل فإن إرتباط العروسين بالرب الإله ودعوتهما له ليشترك في أرتباطهما هو معجزة الزواج المسيحي التي لا توجد في أي زواج آخر حتي لو تمت مراسيمه في الكنيسة لأنه سيكون فقط مجرد زواج طائفي للمسيحيين. وبحسب أحد قادة الكنائس: [ يقول الرب ”ماجمعه الله لايفرقه أنسان“ ، لكن ليس كل زيجة بالكنيسة جمعها الله. لأن المسيح يقول أيضاً ” أردت أن أجمع بنيك ولم تريدوا هوذا بيتكم يترك لكم خرابا“ ].

إن أساس الزواج المسيحي هو شركة وأتحاد كل طرف من الزوجين في المسيح يسوع أولاً. ثم الوعد بينهما بالأرتباط في شركة حب يكون المسيح مدعواً إليها كشريك. فبحسب الكتاب ”من ألتصق بالرب فهو روح واحد“ فإن المسيح يصير هو الجسد السري الواحد الذي يتحد فيه كل من الزوجين ”يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويصير الإثنان جسداً واحداً “ إذ قد سبق إتحاد كلٍ منهما في المسيح كعضو في جسد المسيح السري الذي يجمع المؤمنين فيه. فتأتي الكنيسة وتعلنه وتحتفل به من خلال مراسيم ة كطائفة في المجتمع. لهذا كانت الكنيسة تُعلن الزواج ”الإلتصاق“ المسيحي بين المرأة والرجل أثناء مراسيم الإحتفال الإفخارستي الذي هو ”الإلتصاق“ بالمسيح في القداس الإلهي، حيث الأول هو أمتداد وممارسة فعلية للثاني .

فالإتحاد بالمسيح وحضور وأشتراك شخص المسيح الإلهي هو ضمان دوام الفرح ، لأن الرب هو الخالق والواهب الفرح الحقيقي والذي تَمثَّل في الخمر الجيدة التي خلقها المسيح لأصحاب عرس قانا الجليل . فالمسيح الإله قد أستعلن لنا أنه هو ”الكرمة الحقيقية “ وجعلنا أغصانا فيه ( يوحنا ١٠) . فالزواج المسيحي هو إعلان المسيح عن إرتباط وإلتحام أثنين من أغصانه ، يكون فيه هو أصل الحب وخلوده ” أنا هو الكرمة الحقيقية وأنتم الأغصان“.

لذلك لو حدث إنفصال بين الزوج أو الزوجة وبين المسيح ( مثلما فعلت اسرائيل في العهد القديم تجاه الله ، فقال الله لليهود ” أين كتاب طلاق أمكم“) فإن هذا هو الزني في مفهومه المسيحي الذي من أسبابه تَغرُّب النفس عن الله وبالتالي سهولة إقترافها كل ما يحزن قلب الله مع عدم سماع النصح والأرشاد . مثل هذا الإنسان قال عنه الرب ” فليكن عندك مثل الوثني والعشار“ أي ليس مسيحياً . هنا ينحل الإرتباط والزواج المسيحي لأن أحد الزوجين قد خرج من الشركة في جسد المسيح الواحد الذي كان أساس وحدة الرجل والمرأة في أرتباطهما . فتصبح الزيجة المسيحية غير قائمة. هنا تُعلن الكنيسة الطلاق . لذلك فإن في المسيحية هو توبة ورجوع للإتحاد في جسد المسيح السري ، يمكن بعده الإرتباط الزيجي بالآخر في شخص المسيح.

والسبح لله.

بقلم د. رءوف أدوارد

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: خواطر في تفسير إنجيل يوحنا[الجزء السابق] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني (١)[الجزء التالي] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني (٣)
خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني (٢) 1
[ + مقالات ]