يناقش هذا المقال الفارق بين حلول الروح القدس على بشرية المسيح في الأردن، وحلول الروح القدس على التلاميذ في العليَّة يوم الخمسين، أو للتوضيح أكثر فنقول: لماذا المسيح بعد أن أعطي الروح القدس لإنسانيته على ضفاف نهر الأردن لم يعطيه لبقية البشر، بل حدث هذا في يوم الخمسين بعد قيامة الرب وصعوده؟
يقول القديس كيرلس السكندري في كتاب قصد الدهور ما قاله القديس أثناسيوس الرسولي عن المسيح إنه ”يأخذ الذي لنا، ويرفعه عنا ذبيحة فيبطله عنا، لكي يعطينا الذي له“.
إن كل ما أنجزه المسيح لأجلنا في جسده، قد تأصَّل فينا بالنعمة (أي صار غير قابل لأن تفقده الإنسانية بعد، كما فقدته عندما سقط آدم ”فقال الرب لا تدوم روحي في الإنسان إلى الآبد فهو بشر“)، وصار ممنوحًا لإنسانيتنا في إنسانية المسيح.
فإن الجسد الذي مات على الصليب ودفنوه في القبر هو جسد آدم الأول العتيق. والجسد الذي قام من القبر هو جسد آدم الثاني. لأن المسيح كلمة الله كان حيًا، مع أن جسده كان يذوق الموت. فجسد المسيح هو جسد الحياة، وقد خضع للموت لكي يبيد الموت.
جسد المسيح على الصليب هو باكورة الأجساد التي ماتت فيها الخليقة العتيقة لآدم الأول. وجسد المسيح بعد القيامة هو باكورة الأجساد التي خلعت عنها هذا الجسد العتيق الذي لآدم الأول، وصارت فقط الخليقة الجديدة للإنسان الجديد الذي على صورة الله التي قصدها الله خليقةً للإنسان عندما خلقه أولًا.
هذا يفسر لنا سر الحية النحاسية التي رفعها موسى في البرية بأمر الرب لكي ينظر إليها كل مَن عبد العجل الذهبي في برية سيناء فلدغته الحية فلا يموت. فالحية كانت من نحاس أحمر بشكل الدم ومعلقة على خشبة بلا حياة. وكانت إشارة إلى الجسد العتيق الذي لخليقة آدم ومات بالخطية. لهذا يقول الكتاب لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيَحَيَا الجميع
[1].
ففي جسد المسيح (التجسد الإلهي)، صار لإنسانيتنا كل ما أنجزه المسيح لنا من موت للعتيق وحياة للجديد. وبذلك صار جسد المسيح هو الطريق الوحيد الذي وصل بنا نحن البشر إلي الآب : فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلي الأقداس بدم يسوع. طريقًا كرسه لنا حديثًا حيًا، بالحجاب أي جسده“ (عب ١٩:١٠).
إن الروح القدس الذي فارق آدم عندما سقط، قد أعاده الرب إلى إنسانيته في الأردن عندما صار كلمة الله إنسانًا وقَبِلَ الروح القدس كواحدٍ منا (وليس أن المسيح يأخذ الروح القدس لنفسه لأنه ابن الله مُعطي الحياة).
إن أتحاد اللاهوت بالناسوت في جسد المسيح الخاص كان دخولًا للحياة إلى جسد آدم العتيق (الذي أخذه المسيح من العذراء)، فطهره المسيح بلاهوته وأبطل الموت والفساد الذي فيه، بالتالي لم يبق ليتم لنا في المسيح المتجسد إلا أن يميت على الصليب هذا الجسد العتيق، فيصير الكل جديدًا. إذ ”لا يرث الفاسد عدم فساد“. ومن ثمَّة يكون صعود المسيح بالخليقة الجديدة بعد القيامة في حين الخليقة العتيقة قد ماتت على الصليب. فلم يكن الصعود ليتم لو لم يمت العتيق على الصليب ويقوم الجديد.
هنا نفهم عمق معنى قول ق. كيرلس وأثناسيوس إن المسيح ”يأخذ الذي لنا (أي الخليقة العتيقة) ويرفعه عنا ذبيحة فيبطله عنا، ثم يعطينا الذي له“، وهذا تم على الصليب عندما صلب المسيح الخليقة العتيقة وماتت فأبطلها عنا وصار لنا الطريق (في جسده) مفتوحًا لحلول الروح القدس على البشر بعد القيامة سواء كان في نفخة الروح القدس من المسيح للتلاميذ أو في يوم الخمسين عندما حل الروح القدس على الكنيسة كلها.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- انتهاك المواطنة وهيبة الدولة شهدت الأيام الماضية مجموعة من الأحداث والوقائع وثيقة الصلة بالمواطنة، أخرها اعتداءات طائفية من متطرفين على الأقباط في قريتي الفواخر والكوم الأحمر بمحافظة المنيا -270 كم جَنُوب القاهرة- بسبب حصولهم على تصاريح بناء كنيسة أرثوذكسية في الأولى وإنجيلية في الثانية، مما أغضب متطرفين في محاولة لمنع بناء تلك الكنائس. وقبل تلك الحادثتين، استخدم مجلس الوزراء......