اعتاد بعض المسيحيون على الذهاب إلى مقبرة القمص يسى ميخائيل، بمدينة طما، للتبرك من التراب المحيط بجسده، ويُقال إن لهذه الرمال مفعول السحر؛ فهي تشفي من الأمراض، وتحل جميع المشاكل. لذلك، اعتاد الكثيرون على شرب هذه الرمال مع المياه (مثلما نفعل مع الفوار، والعصائر المجففة).
وقل ما شئت عما يُقال عن هذه الرمال السحرية؛ لكن على الرغم من ذلك، لا يستخدم هذه الرمال سوى عامة الشعب من البسطاء، فالأساقفة يذهبون باستمرار لتلقي العلاج بالخارج حيث التقنيات الحديثة ذات التكاليف باهظة الثمن، حتى وإن كان الأمر يتعلق بأتعاب بسيطة مثل أتعاب الأسنان.
فإن كان لهذه الرمال مفعول السحر حقًا، لماذا لا يستخدمها رجال الدين؟ هذا بالإضافة إلى الزيوت، والحنوط، وما إلى ذلك.
وهل يليق بإنسان مخلوق على صورة الله أن يصب في جسده رمال المقابر! هل نحن بلا قيمة عند الله إلى هذه الدرجة لنشرب جسد إنسان متحلل ليزيل عنا الأمراض؟
معًا نحو فشل كلوي أسرع
ذكر أحدهم على موقع أرثوذكس تحذيرًا من الرمال، قائلًا إن هذه الرمال متعفنة، وتصيب من يشربونها بالتسمم، مشيرًا إلى من يسقونها إلى أطفالهم. وجاءت الردود كالآتي: إذا أصابت الرمال أحدهم بالتسمم، لا يعني هذا أن الرمال بها مشكلة؛ فالسبب في نقص إيمان المتسمم!
لقد خلق الله الإنسان مسئولًا عن أفعاله؛ فنحن آلهة أرضية، آلهة محدودة، نعم لكنها مسئولة وعاقلة. نحن “شركاء الطبيعة الإلهية،” وعلى هذا، لا يليق بنا أن نتعامل مع الله بهذه الطفولة والسذاجة، منقادين خلف الخرافات، ونحن في القرن الحادي والعشرين. نحن نحظى بتقدم طبي هائل، والعلم هو معجزة المعجزات، شاء من شاء، وأبى من أبى.
وقف المسيح عند قبر لعازر، داعيًا الجموع لمساعدته على تحريك الحجر؛ لأنه سيقيم الميت ليعرف كل فرد أنه مسئول، وشريك في المعجزة.
الزيت وشفاء الأمراض
أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ وَالرّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيّةً تُغْفَرُ لَهْ
(يعقوب 5: 14و15)
يستخدم البعض هذا النص لتبرير استخدام الزيوت، والرمال، والحنوط، وشعر الأموات، وملابسهم للتبرك والشفاء. لكن، يجهل هؤلاء أن الزيوت كانت تستخدم قديمًا كوسيلة علاج طبية. ويمكنك البحث في تاريخ العقاقير والعلاج، وحتى يومنا هذا، يستخدم الكثيرون، بل وينصح الأطباء أيضًا باستخدام بعض الزيوت لأنها تلطف من حدة الألم، وتجدد خلايا الجسد. فالنص هنا لا يشير إلى الزيت كوسيلة دينية سحرية، فباقي النص يقول إن صلاة الإيمان تشفي المريض. لكن، الزيت يستخدم لأنه وسيلة تلطيفية كمسكنات الألم اليوم. ولا أعتقد أن شيوخ الكنيسة في القرون الأولى كانوا يجلبون الزيوت الرديئة ويصلون عليها لتتقدس، وتأخذ طبيعة معجزية.
فالإنسان المسئول العاقل يعرف أن تناول الرمال المسممة الناتجة عن تعفن الأجساد لن يضيف له شيء سوى الفشل الكلوي، والتسمم، وغيرها من الأمراض.
المستير والكورونا
حتى حين نتحدث عن سر التناول، لا يليق بنا أن نقول: ‘حسنًا نعلم أن هناك جائحة، وأن فيروس كورونا منتشر انتشار النار في الهشيم، لكن المستير لا ينقل المرض بتاتًا. فكيف يسمح الله أن يُصاب شخص بالمرض وهو يتقدم للتناول؟'
ببساطة، الله سمح ويسمح لأنه سبق وأعطى الإنسان عقلا، وليس إلزامًا على الله أن يحمي المغفلين من جراء التصرفات الناتجة عن عدم إعمال العقل. أنت تعلم أن المستير عبارة عن معلقة معدنية، والمعادن تنقل الفيروسات والبكتيريا بطبيعتها، وتعلم أن هناك وباء. وتعلم وسائل الوقاية منه، كما تعلم الكنيسة أن هناك طرق أخرى للتناول دون المستير كانت تستخدم قديمًا، وما زالت تطبق اليوم في الكنيسة الكاثوليكية، وكنائس أخرى. إذن فأنت بلا عذر إن أصابك الوباء.
على سبيل المثال، نجد في كتاب الخولاجي، طبعة 1902 للقمص عبد المسيح المسعودي نصًا عن غمس الجسد في الدم في صفحة ٤١٦، مما يشير إلى إن الكنيسة الأرثوذكسية كانت تطبق سر التناول دون مستير حتى القرن التاسع عشر- في عصر البابا كيرلس الخامس! لذلك، فمن العبث أن يقول أحدهم إن المسيح سلم الكنيسة السر وأدوات المذبح معًا!
وضع الله أمامنا هذه الحقيقة منذ قديم الأزل: أنت إنسان عاقل، لا آلة تقاد دون وعي، فالله لم ولن يحقق لك كل شيء دون اجتهاد منك، ولن يضعك في بلورة تحميك من نتائج أفعالك.
أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ الْبَرَكَةَ وَاللّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ
(سفر التثنية 30: 19)
ثم، لماذا لا يسمح الله بأن يصيبك الفيروس خلال ممارستك لسر الإفخارستيا، ويسمح بذلك وأنت تصلي في قاعة الكنيسة، أو في أثناء عملك، أو حين تلعب كرة القدم مع أصدقائك؟ ما الفرق أو أين الأزمة؟ والأهم، لماذا يصاب البعض بأمراض جنسية مُعدية خلال العلاقة الحميمة، بعد المثول أمام سر الزيجة المقدس؟ لماذا لا يحمي سر الزيجة الزوج والزوجة من هذه الأمراض؟ ولماذا يسمح أن تصاب بالتسمم إذا تناولت أطعمة متعفنة، لكن لا يسمح بذلك وأنت تشرب رمال أبونا يسى؟!
وإن كان يجب على الله أن يطعمنا كل شيء بالمعلقة، لماذا لم يزودنا بكل الاكتشافات، والعلاجات الطبية التي حارب البشر سنوات عديدة للوصول لها لشفاء الأمراض؟ الله يريدك أنت أن تفعل هذا، فهذا هو دورنا كبشر.
اِنْتَفِضِي مِنَ التّرَابِ. قُومِي اجْلِسِي يَا أُورُشَلِيمُ. انْحَلّي مِنْ رُبُطِ عُنُقِكِ أَيّتُهَا الْمَسْبِيّةُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ
(إشعياء 52: 2)
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟