- المشكلة الإزائية
- أسبقية مرقس
- ☑ التقليد Q
لاحظ الدارسين أن إنجيليّ متى ولوقا لا يتفقان إلا في المادة المشتركة مع مرقس، وفي مجموعة أقوال ليسوع لا توجد في مرقس. هذه الاتفاقات تُظهر تشابهًا شديدًا في النصّ بين متّى ولوقا، ولا يمكن تفسيرها إلّا بفرضيّة واحدة من ثلاث:
– اعتماد إنجيل متى على نصّ لوقا،
– اعتماد إنجيل لوقا على نصّ متى،
– أو أن كلاهما قد اعتمد على مصدر أقدم.
توجد إشكاليات حقيقية في فرضيّة استخدام متّى للوقا أو لوقا لمتّى، وهي عدم وجود مبرر لحذف لوقا للمواد التي يتفرّد بها متّى والعكس، وعدم تأثر لوقا بتعديلات متّى لمرقس أو العكس.
عادة ما تظهر في بشارة لوقا صورة أقرب لمرقس مقارنة بمتّى، ونصّ أبسط للأقوال مقارنة بمتّى. لذلك، فالافتراض المنطقي هو اعتماد متّى ولوقا، بجانب نص مرقس، على تقليد آخر غير مرقس كمصدر للأقوال، ومن دون أن يعرف أحدهما الأخر، وتم الاصطلاح على تسميه هذا التقليد؛ “المصدر Q”، من الألمانية Quelle، أيّ مصدر.
في تلك الحالة سيتفق متّى ولوقا في المادّة المأخوذة من مرقس ومن مصدر الأقوال Q، وسينفرد متّى ولوقا بمادتهم الخاصّة التي صاغوها، أو تِلك التي أخذوها من مصادر يتفرّد بها كلّا منهم.
قبل شرح نظرية وجود مصدرين للأقوال وأدلّتها، يجب أن نوضح أنّه لا توجَد حلول بسيطة للمشكلة الإزائية قادرة على شرح جميع النّصوص. لذلك فالشّكل السابق هو التصور الكلاسيكي لنظرية المصدرين، والذي نكتفي في هذه الورقة بتقديمه.
السبب وراء صعوبة المشكلة الإزائية هو أن العلاقة بين النصوص لا تعتمد فقط على من كتبوها، ولكن من نقلوها أيضًا. كما وضّحنا سابقًا مرقس هو البشارة الأقدم، ولكن بعد تدوين متّى ولوقا، ندر استخدام مرقس في القرن الثاني لوجوده متضمنًا في متّى، وبذلك صارت بشارة متّى هي البشارة الأكثر استخدامًا، ومع انتشار التقليد الذي يعتبر متّى البشارة الأقدم (راجع تعليق بابياس) من الوارد اتجاه بعض النسّاخ لتعديل نصوص مرقس ولوقا لتتوافق نصًا مع متّى. ومن ثمّ ما بين أيدينا الآن هو بشارة مرقس المحررة بصورتها النهائية، وليست الشكل البدائي الأولي. وهنا يصبح الشكل التالي هو الأكثر دقّة:
أحد العوامل الأخرى التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار هو ما سبق ذكره عن وجود تعديل لاحق على مرقس بعد استخدام متّى ولوقا له. من المُعضل للفرضية الكلاسيكية للمصدرين تفسير اتفاق متّى ولوقا على غياب كلمة “إنجيل” من متّى ولوقا بالرغم من ورودها عدّة مرات في مرقس، أو اسم بارتيماوس الوارد في مرقس١٠ : ٤٦، وهكذا.
لتلك الأسباب، قدّم العديد من الدارسين نظريات أكثر تعقيدًا بنوها على نظرية المصدرين، مثل نظرية التعديل اللاحق لمرقس، ونظرية إنجيل مرقس القديم وغيرهما.
في الجدول القادم مثال مبسط لأنواع المادة في الأناجيل بحسب فرضية أسبقية مرقس، وهي كالتالي:
– مادة خاصة بمتّى؛ [متى]،
– مادة خاصة بمرقس؛ [مرقس]،
– مادّة خاصة بلوقا؛ [لوقا]،
– مادة مشتركة بين متّى ولوقا؛ [Q].
في ضوء هذا المثال الإيضاحي نجد أن أسبقية مرقس ووجود مصدر منفصل للأقوال يفسران المعطيات المتاحة بأفضل ما يمكن:
بشارة متّى | بشارة مرقس | بشارة لوقا | ||
متى | … | لوقا | ||
مرقس | مرقس | مرقس | ||
مرقس | مرقس | مرقس | ||
[Q] | … | [Q] | ||
متى | … | لوقا | ||
مرقس | مرقس | مرقس | ||
[Q] | … | [Q] | ||
متى | … | لوقا | ||
مرقس | مرقس | مرقس | ||
مرقس | مرقس | مرقس | ||
[Q] | … | [Q] | ||
مرقس | مرقس | مرقس | ||
متى | … | لوقا |
١- إن فرضنا أنّ بشارة متّى هي الأقدم، فحينها علينا تفسير حذف مرقس لكل فقرات [متى]، [Q] التي تتضمن الميلاد العذراوي، وأقوال يسوع بما في ذلك الكثير من الأمثال، والموعظة على الجبل، والصلاة الربانية، وهو أمر يصعب تفسيره. لذلك فالأرجح هو أسبقية مرقس ومع كونه مصدرًا لمتّى ولوقا استخدمه كلاهما بمعزل عن الآخر.
٢- إن فرضنا معرفة لوقا بنصّ متّى على أساس أنّه الأقدم، فعلينا أن نفسر حذف لوقا لكل فقرات [متى] وإبقاؤه على بعض مادة الأقوال (مما أنتج فقرات [Q])، ويصبح هذا السؤال أكثر تعقيدًا حينما يُطبّق على إطار النصوص نفسها، حيث نجد لوقا معتمدًا على مرقس بشكل مباشر ولا يظهر في نصوصه أي تأثر مباشر بتعديلات متّى لنصّ مرقس، وأيضًا في فقرات الأقوال تبدو قراءة لوقا أبسط من قراءة متّى في مناسبات كثيرة.
لذلك، فالأرجح هو اعتماد متّى ولوقا على مصدرين بدون معرفة كلّ منهم بنصّ الآخَر.
فقرة إزائية مقارنة (٥)
مسلسل | إنجيل متى ١٢ : ٣١-٣٢ | إنجيل مرقس ٣ : ٢٨-٢٩ | إنجيل لوقا ١٢ : ١٠ | |||
١ | لذلك أقول لكم: كل خطية وتجديف يغفر للناس، | الحق أقول لكم: إن جميع الخطايا تغفر لبني البشر، | … | |||
٢ | … | والتجاديف التي يجدفونها. | … | |||
٣ | وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس. | ولكن من جدف على الروح القدس فليس له مغفرة … | … | |||
٤ | ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، | … | وكل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، | |||
٥ | وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له، | … | وأما من جدف على الروح القدس فلا يغفر له. | |||
٦ | لا في هذا العالم ولا في الآتي. | إلى الأبد، بل هو مستوجب دينونة أبدية. | … |
تُظهر هذه المقارنة أن متّى يكرر أنّه لا مغفرة لمن جدف على الروح [الأرقام؛ ٣، ٥]، ولا يبدو أن لوقا قد اعتمد على متّى،
فإن افترضنا اعتماده على متّى، علينا أن نفترض أن لوقا حذف ١، ٣، ٦ من متى ومرقس. فلماذا يخالف لوقا مصدريه بهذا الشكل؟
التحليل الأفضل للفقرة يأتي من نظرية المصدرين، مرقس كُتب أولًا، ولكن تظهر الفقرة في المصدر Q أيضًا.
– قام متّى بدمج قرائتي مرقس والمصدر Q، مما سبب التكرار في الأرقام؛ ٣، ٥.
– بينما فضّل لوقا قراءة المصدر Q على مرقس.
– أخيرًا، وبعدما استخدم متّى قراءة مرقس الأوّليّة، حدث التّحرير اللاحق لمرقس وتمت إضافة ٢ للنصّ.
مما سبق، يمكن أن نلخص استخدام متى ولوقا لمصدريهما بأن؛ متّى عادة ما يدمج مصادره إذا قدما نفس المعلومة، بينما يعتبر لوقا قراءة المصدر Q أسبق على قراءة مرقس، وفي حالة اتفاقهما يختار قراءة المصدر Q وحدها [1].
فقرة إزائية مقارنة (٦)
مسلسل | إنجيل متى ٤ : ١-١١ | إنجيل مرقس ١ : ١٢-١٣ | إنجيل لوقا ٤ : ١-١٣ | |||
١ | ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح … | وللوقت أخرجه الروح إلى البرية، | أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس، وكان يقتاد بالروح في البرية | |||
٢ | ليجرب من إبليس. | وكان هناك في البرية أربعين يومًا يجرب من الشيطان. | أربعين يومًا يجرب من إبليس. | |||
٣ | فبعد ما صام أربعين نهارًا وأربعين ليلة، جاع أخيرًا. | … | ولم يأكل شيئا في تلك الأيام. ولما تمت جاع أخيرًا. | |||
٤ | فتقدم إليه المجرب وقال له: «إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا» | … | وقال له إبليس: «إن كنت ابن الله، فقل لهذا الحجر أن يصير خبزا» | |||
٥ | فأجاب وقال: «مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله» | … | فأجابه يسوع قائلا: «مكتوب: أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله» | |||
٦ | ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل، | … | ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان. | |||
٧ | وقال له: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك» | … | وقال له إبليس: «لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن، لأنه إلي قد دفع، وأنا أعطيه لمن أريد. فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع» | |||
٨ | قال له يسوع: «مكتوب أيضا: لا تجرب الرب إلهك» | … | فأجابه يسوع وقال: «اذهب يا شيطان! إنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد» | |||
٩ | ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدا، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها، | … | ثم جاء به إلى أورشليم، وأقامه على جناح الهيكل | |||
١٠ | وقال له: «أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي» | … | وقال له: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل، لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك» | |||
١١ | حينئذ قال له يسوع: «اذهب يا شيطان! لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد» | … | فأجاب يسوع وقال له: «إنه قيل: لا تجرب الرب إلهك» | |||
١٢ | ثم تركه إبليس، | وكان مع الوحوش. | ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين. | |||
١٣ | وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه. | وصارت الملائكة تخدمه. | … |
– لاحِظ وجود “التجربة على الجبل” في مرقس، لكن بدون تفاصيل متّى ولوقا.
– التشابه بين متّى ولوقا يُشير إلى وجود نصّ مشترك استخدمه كلاهما؛ المصدر Q.
– الأرقام ٦، ٧، ٨ في متى، هي بعينها الأرقام ٩، ١٠، ١١ في لوقا، والعكس صحيح.
– اختتم متّى فقرته بعبارة مرقس (لاحظ ١٣) بينما فضّل لوقا الالتزام بمصدر الأقوال.
من الوارد أيضًا أن نسأل عن مدى توافق نظرية المصدرين مع ما نعرفه عن الأدب القديم، ويجيب ديرينباكر على هذا السؤال بمقارنة استخدام متّى ولوقا لمرقس والمصدر Q، بكُتّاب سيرة الإسكندر الأكبر المقدوني. يقتبس ديرينباكر ما كتبه المؤرخ أريانوس عن منهجيته في تدوين سيرة الإسكندر [2]:
أينما ذكر بطليموس بن لاجوس و أريستوبولوس بن أريستوبولوس نفس المعلومة عن الإسكندر بن فيليب، فطريقتي هي تسجيل ما يقولاه كحقيقة. لكن متى اختلفا، أختار النُسخة التي أراها أكثر أهلًا للثقة، وأكثر استحقاقًا للرواية.(R. A. Derrenbacker Jr, Ancient Compositional Practices and the Synoptic Problem, 2001, p.56)
بالرّغم من أن المصدر Q يحتوي على تقاليد معاد بناءها من متّى ولوقا، وبالتالي لا يضيف أقوالًا جديدة ليسوع، إلا أن أهمية التقليد Q تكمن في كونه يمثل نافذة على مجتمع مسيحي أقدم من مجتمع متّى ولوقا.
الجدير بالذكر أيضًا، أن التقليد Q يضم مجموعة أقوال حرة من السياق، ظهر بعضها موضوعًا في سياق مرقس [النصوص المُشتركة بين مرقس والتقليد Q تسمى overlaps] والبعض الآخر في سياق متّى و/ أو سياق لوقا.
قارن سياق متّى ١٥ : ١٤ هم عميان قادة عميان. وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة.
[3]،
مع لوقا ٦ : ٣٩ وضرب لهم مثلا: «هل يقدر أعمى أن يقود أعمى؟ أما يسقط الاثنان في حفرة؟
[4].
في متّى قالها يسوع عن الفرّيسيين، وفي لوقا جاءت في سياق مختلف تمامًا كوصيّة للكمال، اتبع الكامل تكن كاملًا واتبع الأعمى تسقط معه في حفرة.
ما حدث هنا هو أن متّى ولوقا وجدا قولًا، وتبناه كل منهما في سياق مختلف.
تعتبر تلك الأمثلة من المفاتيح المهمة في نقد نظرية اعتماد لوقا على متّى، فإن أخذ لوقا النصّ من متى، فلماذا يسقط سياق النص في متّى ويعيد وضع النص في سياق أخر؟
لتكون الصورة أكثر وضوحًا، أنظر المقارنة التالية بين النصوص السابق ذكرها مع متّى ٧ : ١-٥ ومتّى ١٠ : ٢١ -٢٨
فقرة إزائية مقارنة (٧)
– يبدو أن لوقا احتفظ بأقوال التقليد Q في نفس الترتيب،
– بينما نقل متّى الفقرة Q (٦ : ٣٩) [يُشار لنصوص التقليد Q بترتيب لوقا] إلى متّى (١٥ : ١٤)،
– ونقل الفقرة Q (٦ : ٤٠) إلى متّى (١٠ : ٢٤).
وعلى هذا، فدراسة أقوال يسوع في ضوء نظرية المصدرين قد يفتح بابًا لإعادة قراءة الأقوال في بشارتي متّى ولوقا لا كنصوص فسرها يسوع، بل كنصوص تناقلتها الجماعة الأولى كأقوال حكمة تم تقنينها لاحقًا بتضمينها في نصوص لتحديد معناها. تتيح تلك القراءة مجالًا أوسع للإلمام بطبيعة أقوال يسوع في المجتمعات الأولى وكيفيّة تناقلها ومحاولات تفسيرها في سياق مرقس ومتّى ولوقا، وإنجيل توما، وصولًا لكتابات الآباء الرسوليين وحتى استقرار نصّ العهد الجديد.
دعم إنجيل توما
مع بداية نظرية المصدرين، اعترض الكثير من الدارسين على فرضية التقليد Q لأن فرضية وجود نصوص بلا سياق في وثيقة وحدة لا تجد دعمًا في أنواع النصوص الأدبية القديمة، ولكن جاء الدعم ممثلًا في إنجيل توما ضمن مخطوطات نجع حمادي سنة ١٩٤٥. وإنجيل توما؛ هو عبارة عن ١١٤ قولًا بلا سياق قصصي، البعض منها في صورة حوار بين يسوع والتلاميذ، وبالرغم من ظهور بعض العلامات الغنوصية اللاحقة على نصّ إنجيل توما، إلا أن الكثير من الدارسين يرون أن بعض أقوال إنجيل توما تعكس مرحلة من التقليد Q، أو على الأقل بعض أقوال يسوع في صورة قديمة ربما تسبق البشائر الإزائية مرقس ومتّى ولوقا.
فقرة إزائية مقارنة (٨)
مسلسل | إنجيل متى ١٠ : ٢٦-٢٧ | إنجيل مرقس ٤ : ٢٢-٢٣ | إنجيل لوقا ١٢ : ٢-٣ | إنجيل توما ٥-٦ | ||||
١ | فلا تخافوهم. لأن ليس مكتوم لن يستعلن، ولا خفي لن يعرف. | لأنه ليس شيء خفي لا يظهر، ولا صار مكتومًا إلا ليعلن. | فليس مكتوم لن يستعلن، ولا خفي لن يعرف. | قال يسوع: اعرفوا ما هو أمام أنظاركم، وما هو مخفي عنكم سيُعلن لكم، فإنّه لا خفيّ إلا وسيُعلن. | ||||
٢ | الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السطوح، | إن كان لأحد أذنان للسمع، فليسمع. | لذلك كل ما قلتموه في الظلمة يُسمع في النور، وما كلمتم به الأذن في المخادع يُنادى به على السطوح. | قال يسوع: لا تكذبوا ولا تعملوا ما تكرهون، لأن كل الأشياء تحت نظر السماء. لأنه لا خفيّ لن يُعلن، ولا مستور لن يُكشف. |
نجد في تلك المقارنة أن سياق القول في الأربع أناجيل يختلف تمامًا،
– في إنجيل مرقس؛ يلعب القول دورًا ختاميًا لمثل الزّارع (مرقس ٤ : ٣-٢٠) [5]. حين يأتي ملكوت الله؛ يُستعلن مَن مِن السّامعين كان لكلمة الله كالطّريق، ومن كان لها كالحجر، ومن كان شوكاً، ومن كان أرضاً جيّدة تُثمر ثلاثين وستّين ومئة.
– أما في إنجيل متّى؛ فالقول عن الاضطهاد (متّى ١٠ : ١٦-٢٥) [6]. فعلى السّامعين أن يحتملوا الاضطهاد حتّى يأتي ملكوت الله ويستعلن كل مكتوم وخفي ويعترف إبن الإنسان بمن اعترفوا به.
– في لوقا وتوما ٦ القول هو تحذير ضد الرياء (لوقا ١٢ : ١) [7].
– أمّا في توما ٥، فهي عن يسوع نفسه، فهؤلاء التلاميذ متى عرفوا من هو أمام أعينهم صار لهم كل خفيّ مُعلن.
– على الرغم من تشابه توما ٦ مع لوقا ١٢ : ٢، إلا أن توما ٥ تحتفظ بقراءة تختلف عن متّى ومرقس ولوقا، كما يختلف المقصود بالعبارة في متّى ومرقس ولوقا أيضًا.
تتطلب دراسة إنجيل توما وقتًا أطول، ولكن في حدود غرض تلك الورقة البحثيّة يكفي أن نظهر بدائية استخدام إنجيل توما لبعض الأقوال بشكل لا يعكس اعتماد طبقاته الأولى على الأناجيل الإزائية.
الخُلاصات الأخيرة:
١- مصدر الأقوال Q هو نظرية تتبع استنتاج منطقي مبني على مقارنة نصوص متّى ولوقا.
٢- بالرغم من كون Q هو نصّ نظريّ، إلّا أنّه يشرح أغلب الفقرات المشتركة بين متّى ولوقا، وأيضًا بعض فقرات توما.
٣- نصّ Q هو مجموعة من الأقوال التي استخدمها متّى ولوقا كلٌّ على حدة.
٤- إن وُجد قول في مرقس والتقليد Q معًا، عادة ما يدمج متّى؛ مرقس وQ، بينما يُفضّل لوقا قراءة Q.
٥- يُشار إلى رقم فقرات Q بترقيم لوقا، مثلًا Q (٦ : ٤٠) تعني لوقا (٦ : ٤٠) وما يوازيه في متّى. استخدام ترقيم لوقا يرجع لاتفاق الدارسين على احتفاظ لوقا بترتيب أقرب لنصّ Q وكثيرًا ما يحتفظ بقراءة أقرب له أيضًا.
٦- من غير المرجح استخدام لوقا لمتّى، لعدم وجود مبرر لحذفه لمادة متّى التي يتفرد بها، ومن غير المنطقي أنّ نظنّ إنّ لوقا قد استخرج الأقوال من سياق متّى، وأعاد تخليق سياق مختلف لها (راجع فقرة إزائية مقارنة ٨، ٩).
٧- اكتشاف مخطوطات نجع حمادي، ومن قبلها بردية إنجيل توما اليونانية Oxyrhynchus 655 المكتشفة في البهنسا بمحافظة المنيا ما بين ١٨٩٧ – ١٩٠٤ تثبت وجود نوع أدبي من النصوص يحتوي على أقوال بلا سياق قصصي، مما جعل فرضية Q أكثر احتمالية.
٨- تتفق فرضية المصدرين مع ما نعرفه من المصادر القديمة عن طريقة تعامل المؤرخين مع مصادرهم، كما شرح أريانوس في كتابته لسيرة الإسكندر المقدوني.
٩- مقارنة نصوص متّى ولوقا تظهر أن الكاتبين قد عدّلا قراءات مرقس، ووضعا أقوال Q في سياقات مختلفة تمامًا.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟