يكشف التاريخ أن تأخر رسامة ال الخامس كان بسبب تدخل وهبة بك الجيزاوي، رئيس المالية، الذي دعم الأنبا مرقس، مطران البحيرة، القائمقام الذي كان يطمح في الكرسي البطريركي. نجح وهبة بك في إقناع الخديوي إسماعيل بمدى ملاءمة الأنبا مرقس وصلاحيته دون غيره للكرسي البطريركي، بينما فضل الشعب اختيار ورسم القمص يوحنا البراموسي، المعروف باسم يوحنا الناسخ.

خلال هذه المنازعات، تنيح كثير من الأساقفة مما قلل بشكل كبير من عدد أعضاء . فذهب وفد من الأساقفة بقيادة ، أسقف الفيوم، إلى وهبة بك الجيزاوي وأعربوا عن قلقهم من تأخير رسامة البطريرك الجديد. قالوا له: “نخشى أن تتأخر الرسامة فلا نجد العدد القانوني لتنصيب البطريرك”. وأعطوه مهلة ثلاث أيام. لكن بعد الكثير من الجدل، تدهورت صحة وهبة بك الجيزاوي بشدة، ومات قبل نهاية اليوم الثالث لأنه اعتمد على السلطة المدنية متجاهلًا مصلحة الكنيسة.

وعند سيامة البابا عام 1874، كان عدد الأساقفة في المجمع المقدس الذي قام بسيامته سبعة أساقفة فقط. وحينما تنيح القديس البابا كيرلس السادس، كان عدد أعضاء المجمع المقدس أقل من ثلاثين، وكان من بينهم آباء قديسون وآباء علماء لاهوت رفيعو المستوى وآباء في الرعاية أحدثوا تغييرات أشبه بالمعجزات في إيبارشياتهم.

لماذا هذه المقدمة الطويلة؟

لأنه بعد تنصيب ال الثالث، أطلق حملة بعنوان “تركيز الرعاية”، والتي تمثلت في تقسيم الإيبارشيات إلى وحدات أصغر. ونتيجة لذلك، ارتفع عدد آباء المجمع المقدس بشكل كبير، حيث تجاوز عدد آباء المجمع مائه وعشرون مطرانًا وأسقفًا.

يمكننا القول أنّه كان موفقًا في البداية في رسامة ، مطران البحيرة الحالي، و، أسقف الغربية المتنيح، وبعض الآباء الآخرين مثل؛ ال، وال، والأنبا تادرس، مطران بورسعيد، والأنبا مينا أفا مينا، الرجل التقي.

ولكن بعد ذلك، وحتى يستطيع أن يزيد أبناؤه في المجمع المقدس، اضطر لاختيار شباب صغار لم يتجاوزوا الثلاثين، ممن كانت كل أمانيهم أن يروا البابا البطريرك مشاهده العين فقط، فإذا بهم يصيرون شركاءه وإخوته في الخدمة الرسولية. واستُبدل أي أسقف يتنيح بخمسة أساقفة، وكان الأساقفة الجدد يخشون غضب البابا جدًا حيث أنه نقلهم من ال مرورًا بالرهبنة والكهنوت إلى الأسقفية في مدة لا تتجاوز سنتين أو ثلاث سنوات، حتى أصبح المجمع المقدس أكثر من مئة وعشرين عضوًا.

وماذا كانت النتيجة؟

١. لإرضاء البابا، تسابق الآباء في التعمير والبناء العمراني دون التركيز علي الرعاية الروحية الحقيقية، فكان البابا يفرح بالأسقف الذي يبني كنائس ويشجّعه أكثر من الأسقف الذي يهتم بالرعاية الروحية وبناء النفوس.

٢. أصبح المجمع المقدس فكر واحد ورأي واحد لفارق السن، والخبرة الرهبانية أو الكنسية بينهم وبين وليّ نعمتهم الذي نقلهم هذه النقلة الفجائية.

٣. اصبح الامتداد الكنسي في العالم امتداد عمراني فقط، توسع افقي، واهمل التوسع الرأسي الذي يربط الإنسان المسيحي ب له كل المجد.

٤. انتهج الأساقفة الجدد نفس المنهج في رسامة الكهنة. عدد كبير في كل كنيسة، ويغلب علي غالبية الآباء الخمول والكسل والذعر من ارتكاب أخطاء وإلا أقيمت المشانق.

٥. توسع الآباء في مجاملات الوحدة الوطنية بشكل يضر بالتمايز في الهويّة المسيحية، حتي أن بعض الكهنة يعلقون فوانيس رمضان ويستشهدون بآيات قرآنية وأننا نعبد إله واحد، ونفس هؤلاء الآباء إذا رأوا شخصا مسيحيًا حقيقيًا ولكن من طائفة أخرى، يكيلون له الويلات ويحذرون الشعب منه وكأننا الفرقة الناجية من النار.

٦. تباري الأساقفة في السفر للخارج، وركوب احدث السيارات، وبعضهم يثق بنفسه حتى أصيب بعقدة التسلط وأصبح لا يقبل أي رأي آخر.

٧. وُضعت جميع السلطات والمشاريع الكنسية تحت قيادة الكهنة فقط، فلم يعد هناك دور للجان الكنائس، حتي المستشفيات التابعة للكنيسة يديرها كاهن؛ قد يكون طبيبًا لم يمارس الطب وليس لديه خبرة، وقد يكون تعليمًا متوسطًا معدوم المعرفة ويفرض رأيه علي الأطباء العاملين بالسلطة الروحية.

٨. حتي يأخذ الأساقفة الجدد وضعهم، تم تهميش كل الآباء الكبار وعلماء اللاهوت مثل الأنبا غريغوريوس، ، والدكتور بباوي، والأب متي المسكين، ولم يتم سداد هذا الفراغ لان غالبية الأساقفة الجدد غلب عليهم المظهر دون الجوهر، ومعظمهم لا تزيد معلوماتهم الدينية عن خادم للأطفال.

٩. في اختيار الكهنة، كل كاهن يريد أن يكون الكاهن الذي سيرسم معه أضعف منه حتى يظهر هو، فاختار الأضعف والأقل في الخدمة والإمكانيات والمعلومات، والأضعف سيختار من هو اضعف منه، حتي اصبح بعض الكهنة مثل موظفي الأرشيف.

١٠. خلاصة ما سبق، لم يعد أحد يعمل لحساب الرب يسوع المسيح له المجد، بل لحساب أنفسهم ومجدهم الشخصي، وكما قال الرب بفمه المبارك ومن لا يجمع معي فهو يفرق. ومن ليس معي فهو عليّ.

هذه رؤية شخصية، اجتهدت قدر إمكاني أن تكون موضوعية، لبعض الأوجاع التي نعاني منها،
لعلها تفيق الشعب والآباء لنبحث جميعًا عن وسائل الإصلاح.
وهذا موضوع مقالات أخرى، إن أحب الرب وعشنا.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

سامي سيدهم
[ + مقالات ]