” اللاهوت لا يؤكل “

الهراء، الدوافع الشخصية والنتائج

تكررت هذه الجملة مرتين على الأقل في تاريخ المسيحية، والجملة بذاتها محض هراء، فلم يسبق لأحد أن ظنّ أن اللاهوت -كطبيعة- يؤكل، فلمن النفي إذن من قائليها؟

“الحرارة” هي طاقة يكتسبها جسم ما، فهل يمكن شرب “الحرارة”؟
بالقطع لا، ولكننا لم نر مأفونا يخبرنا أن الطاقة لا تُشرب، لأنها بداهة ألا تشرب فعلا في صورتها المجردة إن وجدت.
ولكن علي الجانب العملي، من يحتسي حساءًا ساخنا، يشرب هذه الطاقة (محمولة) وتنتقل إلي جسده.

“البرودة” هي طاقة مفقودة من جسم ما، فهل يمكن أكلها؟
لن نكرر ما سبق، ولكن أكل “المثلجات” سيأكل هذه الطاقة “السالبة” (محمولة)، وسيعادلها فور دخولها جوفه.

هل ظن أحدهم أن “النار” يمكن تشكيلها أو تطويعها؟
ثم خرج علينا متفاخرًا بالإعجاز العلمي الذي اكتشفه قائلًا: النار لا يمكن تطويعها ولا تشكيلها!!
عمليًا، تستطيع تطويع وتشكيل النار المتحدة بقضيب حديد إلي الشكل الذي تريد وترغب.

فإن كان الأمر هو هراء كثيف هكذا، فلماذا يتجشم أحدهم عناء أن يعلنه على الملأ، ليصبح مثارا للتندر والسخرية!
الدوافع الشخصية مختلفة لكلا قائليها، وما جمعهما هو الإفراط في الإعجاب بالذات، والاعتداد العارم بما يقولون ويظنون,

أولهما [يوس]: كان يدافع عن تعليمه الأثير، المسيح الثنائي، الإنسان للهوان والإهانة والعذاب والموت، والإله للمجد والكرامة والقيامة.
الإنسان: الهيكل القابل للهدم، والإله: مقيم هذا الهيكل.
هو يؤمن بالاتحاد، ولكنه اتحاد شكلي، إنسان مغلف بالإله، فظن أنه وجد ضالته في: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي»، وأنها برهان كافي للثنائية يدحض به تعليم من ينادون بأقنومية الاتحاد.

ثانيهما: كان يؤمن أنه الوحيد صاحب سلطان التعليم، الوحيد الذي يجب أن يحتفي به الجميع، يتلقفون تعليمه فاغري الأفواه من فرط الانبهار.
فعندما صدم من ضحالة وقزمية ما يكتبه بجانب الدراسات الموسوعية التي ظهرت، كان الحل هو استغلال الشعبوية والسلطان في الهجوم و التسفيه، حتى أودت به إلى موارد الشطط.
الرجل كان ينفي إمكانية اتحادنا بالرب عن طريق ال، فجرد التناول من مفاعيله و اصبح ما نتناوله جسدا لا يفيد شيئا، و كأنه لم يصل أبدا قسمة القديس كيرلس:

عند إستحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك وتتحد نفوسنا بألوهيتك

(قسمة القديس كيرلس)

والسؤال هنا: هل علم الرجل بما سبقه إليه نسطوريوس ثم قاله مع ذلك؟؟
وترجيحي أن: لا… أميل أنه لم يقرأ جيدا عن هرطقة نسطوريوس،

فبداية هو لم يورد عنها حرفا واحدًا في موسوعته: “علم اللاهوت المقارن”، وهو أمر مستغرب جدا، لأن الرجل كتب عن كلمًا عنَّ له، حتى “حكايتهم” مع “” أفرد لها فصلا. ثم حين تحدث عن الهرطقة في محاضرة، قال كلامًا مضحكًا لا يمتّ لنسطوريوس بصلة. وأخيرا لو أنه قرأ، لعلم يقينا أن القديس كان قد رد على هذه الجملة تحديدًا قائلًا:

نحن نأكل [نتناول] اللاهوت، لا نهضمه [لا نستهلكه] كما قد يفكر الاغبياء

(القديس كيرلس الكبير)

فالأرجح أن الجملة من عنديات الرجل واجتهاداته التي لم تكن دائمًا في الاتجاه الصحيح.

إن اختلفت الدوافع الشخصية، فسهم الشطط واحد، هدفه ثابت لا يلين، هو فصم عريّ شراكتنا واتحادنا في الرب يسوع المسيح.
الإفخارستيا هي حجر زاوية المسيحية، وجوهرة تاجها، عربون القيامة والخلود، فإن تحولت إلى ممارسة شكلية احتفالية، ما عادت أرثوذكسية، ولفرغت المسيحية من صُلْب جوهرها.

بينما حُرِم الأول كنسيًا من وأبعِد عن كرسيه، ساهم انقسام الكنيسة الجامعة في عدم محاسبة الثاني على شططه، أصبحت جزرا، كل إمبراطور يحكم جزيرته دون مساءلة ودون تصحيح.
لذا فالمعيار الأصدق للحكم على صدق نوايا أي بطريرك هو رغبته في إعادة اللحمة لجسد المسيح.
من يضع العراقيل هو فاسد، تستهويه الإمبراطورية، لا يرغب أن يُسأل عما يفعل،
أما من يسعى للتقريب وتذويب الخلافات، فهو راعٍ حسب قلب الرب.

 

اقرأ أيضا:

 

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

رجائي شنودة
[ + مقالات ]