المقال رقم 5 من 5 في سلسلة تاريخية إعادة المعمودية
المعمودية كامتداد للإيمان

يشدد الكثيرون على المعمودية كونها امتداد للإيمان وبالتالي يستنتجون أنه لا يمكن قبول المعمودية طالما هناك اختلافات في الإيمان بل وفي قانون الإيمان نفسه. ويأتي الشخص بعدد من أقوال الآباء التي تؤكد على علاقة المعمودية بالإيمان وهنا سنحاول أن ننظر لبعض من هذه الأقوال بهدف محاولة فهم هذه الأقوال في سياقها.

أولًا، نرى في التقليد الرسولي أن قانون المعمودية كان يقال أثناء التغطيس فيقول المُعمِد:

“أتؤمن بالله الآب ضابط الكل؟”

وفي الدفعة الثانية يقول المُعمِد:

“أتؤمن بيسوع المسيح ابن الله، الذي ولد من الروح القدس ومن مريم العذراء، الذي صلب في عهد ، ومات وقام من بين الأموات في اليوم الثالث، وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين الآب، ويأتي ليدين الأحياء والأموات؟”

وفي الدفعة الثالثة يقول المُعمِد

“أتؤمن بالروح القدس في الكنيسة المقدسة وقيامة الجسد؟”

وفي كل مرة يجيب المُعتمِد

“إني أؤمن”.

ولا نجد في هذا القانون البدائي أي شيء يخص الانبثاق من الآب أو الآب والابن أو غيره ولا تزال تستخدم هذه الصيغة في غالبية الكنائس الرسولية بما فيها وهي صيغة بدائية سابقة لوضع قانون الإيمان في مجمعي نيقية والقسطنطينية.

أما بخصوص أقوال الاباء، نرى نفس الفكر في كلمات ق. الشهيد (100-165) حيث يقول:

“نحن ندعو اسم الآب ورب الكون وإلهه عندما نعمِّد الذي اُختير ليولد من جديد والذي تاب عن خطاياه. والذي يُعمّد – عندما يقود الذي اُختير للمعمودية إلى الحياة – يصف الله هكذا بأنه خالق الكون وربه وإلهه ولا يزيد شيئاً، كما أنه يُعمّد باسم يسوع المسيح الذي صُلب على عهد بيلاطس البنطي، وبالروح القدس الذي أخبر سابقاً عن طريق الأنبياء بكل الأشياء الخاصة بيسوع، وعند ذلك يغسل المستنير”.

كذلك نجد ق. أسقف ليون (~130 – ~200) من أول من قالوا بالعلاقة بين المعمودية والإيمان فيقول:

“ما الذي يخبرنا عنه الإيمان كما سُلم لنا من الشيوخ تلاميذ الرسل. فإن الإيمان أول كل شئ يحثنا أن نتذكر أننا قبلنا المعمودية باسم الله الآب ويسوع المسيح ابن الله، الذي تجسد وصلب وقام، وروح الله القدوس، لغفران خطايانا، وأن هذه المعمودية هي ختم الحياة الأبدية وميلادنا الثانى من الله، حتى لا نكون بعد أولاد البشر المائتين، بل أولاد الله الأبدى. وعلينا دائمًا باستمرار أن نعمل لأجل أن نتسامى فوق كل الأشياء المخلوقة، فالكل موجود تحت سلطان الله، وكل ما هو موجود تحت سلطانه عليه أن يعمل لأجله، لأن الله هو رب الكل والكل ينتمى إليه”.

“إن البند الأول من قانون إيماننا وقاعدة البناء وأساس الخلاص هي أن الله الآب غير المولود، غير المحوي، غير المرئي، إله واحد خالق الجميع. والبند الثاني هو أن كلمة الله يسوع المسيح ربنا، الذي تنبأ عنه الأنبياء، الذي كل شيء به كان وبتدبير الآب في الأيام الأخيرة صار إنسانًا بين البشر وتراءى للكل لكي يبطل الموت ولكي يجتمع كل شيء ويُظهر الحياة ويصنع شركة بين الله والإنسان. والبند الثالث هو أن الروح القدس هو الذي بواسطته تنبأ الأنبياء وتعلم الآباء بأمور الله، والذي بواسطته دخل الأبرار إلى طريق البر، كما أنه انسكب في الأيام الأخيرة بطريقة جديدة على جنس البشر مجددًا الإنسان لله. لأجل هذا فإن المعمودية التي هي ميلادنا الثاني تُجرى على اسم الثالوث، وهي التي تضمن لنا الميلاد الثاني من الله الآب بابنه في الروح القدس…”.

“قانون الحق المسلم في المعمودية الذي له ثلاثة بنود رئيسية وهي: الإيمان المُسلّم من الرسل بإله واحد الله الآب والرب الواحد المصلوب والمقام يسوع المسيح والروح القدس”.

وفي أقوال ق. إيرينيئوس نرى أن ما يعنيه ببنود الإيمان هو الإيمان ب ولا يتدرج في حديثة لعلاقات الأقانيم ببعضها البعض بل يركز اهتمامه على دور كل أقنوم في حياة الإنسان وخلاصه، الأمر الذي لا يختلف عليه أي مؤمن من أي كنيسة رسولية. ولا يوجد في صيغ الإيمان التي تُقال قبل المعمودية والمذكورة في التقليد الرسولي أو عند ق. يوستينوس أو ق. إيرينيئوس أي شيء عن علاقات الأقانيم الإلهية من ولادة أو انبثاق لأن هذه القوانين التي اعتمدتها الكنيسة كانت صيغ بدائية للاعتراف بالإيمان ولا تزال هي المستخدمة في التعميد في الكثير من الكنائس الرسولية ووجدتها الكنيسة كافية كمعيار لصحة الإيمان بالثالوث. فالإيمان بالثالوث اللازم لصحة المعمودية هو إيمان بألوهية الثلاثة أقانيم وعملهم الخلاصي لأجل الشخص المهيأ لقبول العماد. وبالتالي فكلمات المعمودية التي يستخدمها الكاثوليك هي كلمات وصيغ قانونية رسولية لا تتطرق للتطورات التي حدثت فيما بعد في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.

المعمودية بين التغطيس والرش

أما بخصوص طريقة المعمودية والاعتراض على معمودية الكاثوليك بالرش، فيجب وضع الآتي في الاعتبار:

أولًا: لا تُعمد الكنيسة الكاثوليكية ككل بالرش ولكن تُعمد الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بالرش بينما تعمد الكنائس الشرقية الكاثوليكية بالتغطيس (بما فيها القبطية الكاثوليكية).

ثانيًا: التغطيس والرش هما طريقتين بديلتين للمعمودية بالطريقة التي عمد بها الرسل في الأساس وهي المعمودية في ماء جار، فيشهد الديداخي بالأتي: “إن لم يكن لك ماء جار، فعمد بماء أخر، وإن لم يمكنك بماء بارد فبماء ساخن، وإن لم يكن لديك كلاهما فاسكب ماءً على الرأس ثلاث مرات باسم الآب والابن والروح القدس”. وأشك أنه يوجد كاهن في أيامنا هذه يعمد في ماء جار وإن عمد في جرن كما هي العادة الآن فأشك أن الكاهن حين يملأ الجرن يتأكد من كون الماء بارد أم ساخن ويستفضل البارد على الساخن!

ثالثًا: إن كانت المعمودية بالرش هي في طبيعتها أقل من المعمودية بالتغطيس ولا يحل الروح القدس فيها، فما هو موقفنا من الكنيسة الأرمينية الأرثوذكسية (وهي كنيسة لا تشاركنا ذات الإيمان) والتي تُعمد أبنائها بالرش؟ فإن جاءنا أحدهم ليشترك في الأسرار، هل نعيد معموديتهم بمعمودية التغطيس الكاملة على الرغم من شركتنا معهم؟ أم نعترف بأن طقوس الكنائس تطورت بطرق مختلفة وليس من الضروري أن تعكس هذه التطورات اختلاف في مفهوم وفعالية المعمودية؟

 

ملخص البحث:
  • كان المستقر ألا تعاد معمودية الهراطقة حسب رأي ستيفن الروماني واعتبر أي طريقة أخرى هي استحداث ليس إلا.
  • كان المستقر في أفريقيا أن تعاد المعمودية واعتمد هذا الرأي برئاسة ق. ولكن الأخير لم يعتبر الأخرين في حالة هرطقة إن لم يتبعوا طريقته في إعادة المعمودية.
  • حاول ق. الصلح بين روما وقرطاجنة حيث قطعت روما الشركة مع قرطاجنة فاتخذ ق. ديونيسيوس صف ق. كبريانوس في إعادة المعمودية وحث روما على التذكر أن لكل كنيسة طريقتها الخاصة في قبول المعمودية وأن هذا الأمر ليس بداع لقطع الشركة.
  • انعقد فيما بعد مجمع أرلِس وقرر قبول معمودية الهراطقة.
  • قبل ق. معمودية الهراطقة بناءً على مجمع أرلِس الذي اعتبره أكثر مسكونيةً من مجمع قرطاجنة.
  • رفض ق. كيرلس الأورشليمي معمودية الهراطقة كما رفض ق. الرسولي معمودية الأريوسيين.
  • جاء مجمعي نيقية ولاودكية قابلين معمودية النوفاتيين ورافضين أتباع بولس الساموساطي معتبرين النوفاتيين منشقين بينما أتباع بولس مهرطقين.
  • على الرغم من رفض ق. أثناسيوس معمودية الأريوسيين إلا أن روما بعده بأقل من 80 سنة كانت تقبل معمودية الأريوسيين وكذلك اسكندرية في عهد ق. تيموثاوس السكندري الأول.
  • ميز ق. بين الهراطقة والمنشقين والغير القانونيين قائلًا بعدم إعادة معمودية الفئتين الثانية والثالثة، أما الفئة الأولى فقال بأن من الأفضل تعميدهم إلا لو كان في عدم إعادة معموديتهم احتمال لدخول عدد أكبر في الشركة وأنه في هذه الحالة لابد أن يكونوا معمدين في اسم الثالوث بالطريقة الصحيحة ويتم دهنهم بالميرون فيما بعد ليقبلوا في الشركة، وهذا انطبق في أضيق الحدود على من لم يؤمنوا أن الله خالق الشر أو كانوا من اليين أو من كان لهم إيمان خاطئ بالثالوث.
  • القانون السابع من مجمع القسطنطينية اعتمد رأي ق. باسيليوس إلى مدى بعيد إلا أن هناك شكوك حول صحته. على الرغم من ذلك، توجد رسالة لماريتيريوس الأنطاكي يقر فيها بنفس رأي ق. باسيليوس ويبدو أن النصوص المتأخرة لمجمع القسطنطينية أضافت هذا القانون معتمدة على هذه الرسالة وساد العمل بها في الشرق لدرجة اعتبار هذا القانون جزء من مجمع ترلو الخلقيدوني في القرن السابع مما أضاف على القانون صفة المسكونية بين الخلقيدونيين.
  • قبل ق. كيرلس الأنطاك العائدين للشركة بدون إعادة أي سر في عام 433 م على الرغم من كونهم خارج الشركة على مدى حوالي 3 سنوات كان لهم فيها أطفال اعتمدوا ودهنوا بالميرون في ظل الانشقاق بين الكنيستين.
  • لم يبدي ق. ديسقوروس رأي في الموضوع ولم يأمر بإعادة معمودية الخلقيدونيين أو إعادة دهنهم بالميرون.
  • حرم ق. تيموثاوس ثيؤدوتس الذي أمر بإعادة دهن الخلقيدونيين بالميرون وطالب بقبولهم بناء على اعتراف الإيمان فقط وحرم و إضافةً لكتابة اعتراف ايمان وعام من التوبة في حالة ال فقط.
  • اعتمد ق. فلكسينوس وق. في خطاباته على اختلاف الرأي في القرون الأولى مقرًا بأن لا مانع من هذا الاختلاف ورأى ان الطريقة الأسهل هي طريقة أكثر قانونيةً وهي طريقة عدم إعادة المعمودية إضافةً لما تسلمه من كيرلس الذي قبل معمودية الأنطاك وتيموثواس الذي قبل معمودية الخلقيدونيين وما تسلمه من السكندري الذي أثنى على جهود في تسهيل عملية انضمام الهراطقة للكنيسة دون إعادة للمعمودية.
  • المجمع المنعقد في عهد ق. يعقوب البرادعي أقر بشرعية كهنوت الخلقيدونيين على الرغم من الانشقاق.
  • تقر مخطوطات القبطية بعدم وجوب إعادة المعمودية أو الدهن بالميرون مع الخلقيدونيين والنساطرة منذ عهد البابا في القرن الحادي عشر.
  • تقر وثيقة عام 1854 بالرشم بقارورة الميرون وهي مغلقة كطريقة قبول البيزنطيين في الشركة.
  • لا تتكلم أي من هذه المخطوطات عن الكاثوليك بشكل خاص إلا أنهم قد يندرجوا تحت مسمى الملكانيين قبل في عهد البابا خريستوذلس.
  • ربط المعمودية بالإيمان أمر صحيح ولكن له حدوده التي وضعها الاباء الرسل وهي القول بألوهية الثلاثة أقانيم دون التطرق لتفاصيل الإيمان ولا يزال يستخدم قانون الإيمان الرسولي في طقس التعميد في الكنائس الرسولية بما فيها الكنيسة الكاثوليكية.
  • تقبل والكنيسة الأرمينية معمودية الكاثوليك وهم شركاء لنا في الإيمان.
  • تعترف الكنائس اللاخلقيدونية بشرعية كهنوت الخلقيدونيين عمومًا منذ عهد ق. يعقوب البرادعي و الكاثوليك خصوصًا بموجب الاتفاقيات المسكونية أو الاتفاقات الرعائية التي قامت بها الكنيستين السريانية الأرثوذكسية والسريانية المالانكارا الأرثوذكسية بخصوص قبول الأسرار في حالات الضرورة.
  • يعمد اللاتين من الكاثوليك بالرش بينما يُعمد الكاثوليك الشرقيين بالتغطيس وكذلك على الصعيد اللاخلقيدوني فيعمد الأرمن بالرش في الوقت الذي تُعمد فيه باقي الكنائس بالتغطيس. سواء التغطيس أو الرش، فلهما أساس رسولي في الديداخي.
خاتمة البحث

أتمنى أن يكون هذا البحث سببًا في إعادة فتح ملف إعادة معمودية الكاثوليك، فعدم إعادة معمودية الكاثوليك هو الوضع الطبيعي والقانوني إزاء إيماننا بشرعية وشرطونية كهنوت الخلقيدونيين عمومًا منذ عهد ق. يعقوب البرادعي، واعترافنا منذ عام 1979 برسوليتهم وسرائريتهم وكهنوتهم، واعتراف شركاؤنا في الإيمان من السريان والأرمن بمعموديتهم وسماحهم لرعاياهم بالزيجة المختلطة في أي من الكنيستين بل والشركة في الأسرار في حالات الضرورة في العصر الحديث. في تاريخنا، نجد أباء قبلوا معمودية الأريوسيين والنساطرة والخلقيدونيين، إذن فهل من المنطقي ألا نقبل معمودية الكاثوليك ذوي الجذور الرسولية؟ هل أصبح الكاثوليك أبعد في إيمانهم بالنسبة لكنيستنا عن الأريوسيين والنساطرة اللذين قبلنا معمودياتهم في القديم؟ نحث الكنيسة ممثلة في مجمعها المقدس برئاسة أبينا قداسة البابا المعظم الأنبا ، بروح الاتضاع وخضوع الأبناء، على العودة للطريقة القانونية التي وضعها اباؤنا قابلين معمودية من يريدوا الانضمام لكنيستنا طالما تمت معموديتهم في كنيسة لها جذور رسولية.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: تاريخية إعادة المعمودية[الجزء السابق] 🠼 [4] من العصر الوسيط للعصر الحديث
Avatar of أندرو يوسف
معيد بكلية الثالوث، تورونتو في الأكاديمية البطريركية، تورونتو  [ + مقالات ]

كاتب وباحث دكتوراه اللاهوت اﻷرثوذكسي بكلية الثالوث، تورونتو - بكالوريوس الدراسات الدينية، ماكماستر