كتب أهل بلاد ما وراء البحار في يومياتهم، ما آلمهم كثيرًا، وترك نَدَبَة في نفوسهم، قد لا تستطيع الأيام محوها تمامًا، لتظل تذكرهم بمعاناتهم تحت نير الأنبا ديميدوس:
في يوم من أيام الشتاء المظلمة في بلادنا، زارنا الأنبا ديميدوس في كنيستنا، وكان بعد انتهاء صلاة القداس أن جلس الجميع لتناول الطعام (وليس الأغابي)، وعلى إحدى الطاولات جلس نيافته ومعه اثنان الكهنة، الذين يعتبرونه ولي نعمتهم، ويحرصون دائمًا على طاعته، ولا يهم أن كانت طاعة في الرب أم لا، المهم ألا ينقلب عليهم.
على نفس الطاولة انضمت لهم إحدى سيدات الكنيسة، التي ظلمت على يد أعضاء آخرين بالكنيسة، للأسف الشديد. وتم تجاهلها من الأسقف.
سمعنا السيدة توجه حديثها للأنبا ديميدوس وتقول له: “هما عاوزين يكسروني، دا أنا أقع في يد الله، ولا أقع في أيديهم أبدًا”.
ارتعبنا جميعًا حين سمعنا كلماتها، ومن لا يرتعب لهذه الكلمات التي تثير الرعب في القلوب، إذا كانت تعرف مخافة الله، القلوب التي اختبرت وتلامست مع يد الله طيلة حياتها، فمن يعرف الله، يعرف جيدًا، أنه ما من إنسان رمى نفسه عليه، ووقع في يده، وخُزي أبدًا.
هذا كان وقع الكلمات علينا، أما وقعها على الأسقف فكان انفعال لحظي، حيث رد على السيدة: ما تقوليش كدة، دا أنتم أحسن ناس.
وأما الكهنة فلم ينبسوا ببنت شِفَة!
كان لدينا جميعًا أمل، أن الأسقف وكهنته، سوف يثورون للحق والعدل، وسوف تأخذهم الحمية والرعدة في نفس الوقت لينصفوا تلك المظلومة، التي وضعت الله بينها وبينهم، فإن لم يفعلوا ذلك حبًا في العدل وإنصاف المظلوم، فليفعلوه خوفًا من المخوف العادل.
لكن وكالعادة كما هو دائمًا محبطًا لشعبه ومتلذذ بآلامهم، كان فقط التجاهل، بل والتآمر والتواطؤ مع الظالمين ضد من رمت نفسها في يد الله.
نعم لقد نكل الأسقف وكهنته بالسيدة وأسرتها، حتى ابنها الصغير لم يسلم من ظلمهم وافترائهم، بل كانوا يتمتعون بشعور الطفل بالظلم والقهر.
لقد أراد ذبحهم جميعًا، محاباة لمن له معهم مصالح أوأسرارا، أثارت دائمًا شكوك وتساؤلات الجميع، فهل هناك فضيحة يبتزونه بها حتى أنه لا يقدر أن يصدر أي حكم أو قرار ضدهم، بل حتى لا يجرؤ على ذكر أسماءهم على شفتيه أو في خطاباته؟!
ولكن ليس من مجيب!
نعم لقد تآمروا، ولم يجعلوا الله أمامهم، فأسلمهم الله لذهن مرفوض، وغباء، فأساءوا التقدير، ماذا تستطع هذه المقهورة أن تفعل؟
فحين طلبت المحبة والسلام، ظنوا أنها تستجدي عن ضعف واحتياج، وليس عن قوة وشجاعة، وحين طلبت المساعدة ظنوا أنها عاجزة.
لقد ظنوها وحيدة، ولم يعرفوا، أن من ينتظر خارج المحلة، لا ينتظر وحده أبدا، ولكن فقط العيون المفتوحة ترى من الذي ينتظر معها.
انطلقت السيدة وبدأت تستخدم أدواتها، التي مَنّ الله بها عليها، وانبرت تقاومهم بكل ثقة، ولم تخش أو تخاف سلطانهم المزيف، الذي يستخدمونه كسوط ضد أبناء الله، فالسلطان الذي أعطاه المسيح، هو سلطان غسل الأرجل.
وها هم يتفاجأون يوم تلو الآخر بردود أفعالها، التي تتركهم في حالة من الحيرة والتفكير متسائلين:” ماذا نفعل؟ وكيف نتصرف؟ ومتى سننتصر عليها؟
وقد انغلق عقلهم عن الإجابة الواضحة جدا…
“لن يحدث أبدًا، فقد وقعت في يد القدير”
وللحديث بقية..
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟