المقال رقم 2 من 5 في سلسلة يوميات الأنبا ديميدوس الضرير

كتب أهل بلاد ما وراء البحار في يومياتهم عن معاناتهم اليومية مع الأسقف ديميدوس:

كنا نأمل أن يكون أسقفنا المتعلم، والذي يتقن لغة بلادنا وأولادنا، مهتما بالتعليم اللاهوتي الأرثوذكسي، ومهتما بتجهيز جيل ثاني في إيبارشيته، من الناطقين بلغة البلد، حتي يستطيعون خدمة إخوتهم الذين ولدوا بلغة أجنبية، ولكن للأسف، خابت آمالنا حيث رأينا أن كل ما يشغل بال أسقفنا وما يسميه هو بالأعمال البناءة، هو فقط شراء العقارات والمشروعات التي أخذت كل وقته ومجهوده، وشغلت تفكيره، فما عاد عنده وقت للقراءة والتعلم والدراسة. فأصبحت كل عظاته تدور في مجال الأخلاقيات مثل: الاحترام والصوت المنخفض، وحُسن المظهر أمام أهل البلاد الراقيين والمتقدمين، وخاصة الاستحمام وحلق اللحية ووضع مزيل العرق. جزء آخر هام في عظاته وهو عدم التبذير وعدم ملء طبق الطعام حتي لا نرمي البواقي، وأهم شيئ طبعا هو العطاء والعشور، وكل هذه العظات تعاد و تكرر و لا نسمع غيرها. وأما كل ما هو مرتبط باللاهوت والعقيدة والإيمان والطقس، فلم يقترب يومًا له حتي يظل في الجانب الآمن ولا تتم مناقشته في أي شيئ.

(يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار)

ونظرا لتدني المستوي اللاهوتي، حرص الأنبا ديميدوس علي استبعاد كل من له اهتمام بعقيدة كنيستنا الأرثوذكسية أو إيمانها، فنجد أساتذة بالجامعة تم تهميشهم ولا توجد لهم أي خدمة بالكنيسة وأحاط أسقفنا نفسه بمجموعة من الموالين والمنتفعين، وكالعادة يتسم هؤلاء الأشخاص بضعف في المستوي العلمي والثقافي واللاهوتي، ولكن هذا لا يهم الأسقف علي الإطلاق، المهم أن يستمر في السيطرة علي الشعب من خلال هؤلاء الأشخاص، الذين يخيفون الناس بالكلمات الشعبوية مثل: ابن الطاعة تحل عليه البركة، ولكن أي طاعة و أي بركة، طبعا هذا لا يهم.

قد يسأل سائل، ألم يحدث مرة أن سأله شخص في شيئ مهم؟ أو ألم يختلف اثنان في موضوع أو رأي لاهوتي، واحتاجوا لتدخله؟
بالتأكيد حدث، ولكنه  كان دائم الهروب من أن يقحم نفسه في مثل هذه النقاشات، فالنتيجة قد تكون غير محمودة علي الإطلاق، و يتضح للجميع المستوي الغير لائق بأسقف، من المفترض انه هو المسئول عن التعليم!

أضاف أهل البلاد أيضا في يومياتهم:

انهم كثيرًا ما صرخوا، لعل من يسمع ويهتم بالأطفال، الذين يشبون في مجتمع غريب كثير التحديات، لعل من يضع برنامجًا و استراتيجية للحفاظ علي الأجيال الجديدة ضد الإلحاد وباقي المشكلات التي نواجهها، ولكن عاد صراخهم دائما كصدي الصوت الذي يرن في الفراغ. و لعل الهدف كان هو عدم وجود جيل ثاني في الكنيسة من الناطقين بلغة بلاد ما وراء البحار، فكيف سيتعامل معهم الأسقف الضرير وهم يتعلمون منذ نعومة أظافرهم في الحضانة والمدرسة، يتعلمون الحرية، والمناقشة، والاختلاف، والتفكير الحر، فكيف سيتعامل معهم الأسقف الضرير؟ لعل أفضل شيئ أن يتركوا الكنيسة، أو يأتوا إلى الكنيسة كزائرين، لا يفهمون شيئا مما يدور فيها، فتكون زيارتهم للكنيسة زيارة روتينية كل عدة أشهر، لمجرد التناول فقط ولكن ليس لهم أي شركة أو مشاركة فعلية في الكنيسة.

(يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار)

و بالرغم من المستوى الضحل في علوم الكنيسة، إلا أن الأنبا ديميدوس الضرير كان يعاني من نرجسية مفرطة و خطيرة. لدرجة انه يري نفسه احكم و أعلم خلق الله، و أن الجميع بالمقارنة له لا يعرفون شيئا. فنجد الأسقف قي يوم من الأيام ينصب فخا لأحد الكهنة المساكين، فيطلب منه أن يقول كلمة أو عظة في وجوده في قداس يوم الأحد، فلو رفض سيقول له : أنت غير مطيع، ولكن بعد الإلحاح والضغط، وافق الكاهن المسكين، هنا أدانه الأسقف قائلًا: في كاهن يتكلم في وجود أسقفه؟! هذا عدم احترام للأسقف! و كانت هذه رسالة غير معلنة لكل الكهنة بعدم التعليم في وجود الأسقف.

وفي يوم مشرق ببعض الأمل، أتى أحد أبناء الكنيسة من الوطن الأم، متتلمذًا على كتابات الكنيسة والآباء والطقس والعقيدة، هنا شعر حراس المعبد أنه يهدد مكانتهم الهشة وسلطتهم القائمة على جهل السامع وخوفه، فتأمروا على هذا الإنسان ليخرجوه خارج المجمع بل و خارج المحلة، لكي يستتب لهم السلطان و الأمان. و ذهبوا فاشتكوه إلى الأنبا ديميدوس، الذي شعر فعلا بخطورته الحقيقة، فقال له:

أنت تتفلسف كثيرًا، إننا لسنا بحاجة إلى كل هذا العلم، نحن نريد كلام بسيط وسهل عن العشور والطاعة، والتسامح، والخضوع والنظافة الشخصية في بلاد ما وراء البحار.

(يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار)

و للحديث بقية..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: يوميات الأنبا ديميدوس الضرير[الجزء السابق] 🠼 يوميات ديميدوس الضرير[الجزء التالي] 🠼 قد وقعت في يد القدير
ماري سرجة
[ + مقالات ]