وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ(إنجيل يوحنا 12: 35)
الذي لا يعلم إلى أين يذهب هو أعمى لأنه فقَد حرية الحركة إلى حيث يريد بالرغم من أنه يبصر. هكذا كان تشخيص المسيح لحال الإنسان وعبوديته
حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا(إنجيل يوحنا 8: 21)
فالحرية مقترنة بالنور حين يملك الإنسان قراره في الذَّهاب إلى حيث يريد. وحرية الإنسان هذه قد أُظهِرَت في الإنسان ولأول مرة منذ سقوط آدم في شخص المسيح ابن الإنسان
لأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ(إنجيل يوحنا 8: 14)
فالمسيح جاء لكي يؤسسها في ناسوته ميراثًا للبشرية الجديدة. وها هو المسيح يدعو كل بشر إلى تلك الحرية لأنه النور المطلق الذي ينير لكل إنسان يتبعه.
أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ(إنجيل يوحنا 8: 12)
ومن ثمَّة قالها المسيح صراحةً:
فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا(إنجيل يوحنا 8: 36)
حرية الإنسان هي أثمن عطية من الله للإنسان التي تميزه عن أي خليقة أخرى. ولكن الإنسان -للأسف- استخدمها فرصة لمعصية الله. فالله لم يمنع الإنسان من الأكل من شجرة المعرفة عكس وصية الله. بالتالي ابتعد عن الله بالخطية حيث لا حرية بل عبودية، فالإنسان بعد السقوط لا حرية له في تقرير مصيره والرجوع إلى الله، بسبب عبودية الأهواء التي صارت تتحكم فيه بالرغم من إرادته.
لأَنَّهُ لَمَّا كُنَّا فِي الْجَسَدِ كَانَتْ أَهْوَاءُ الْخَطَايَا الَّتِي بِالنَّامُوسِ تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا، لِكَيْ نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ(رسالة بولس إلى رومية 7: 5)
وقد أوضح الرب أنهم ليسوا أحرارًا بل مستعبدين لإبليس:
أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا(إنجيل يوحنا 8: 44)
إن الخطية تفصل الإنسان عن حياة الله، بالتالي يموت الإنسان. وفي الموت لا حرية ولا إرادة لإنسان أن يجدد أو يغير حياته بتوبة أو أي جهاد مهما كان. بالتالي إن فقدان الحرية بالخطية سببه الموت وليس الخطية. وبالرغم من استعلان المسيح لهم إلا أنهم لم يستطيعوا أن يؤمنوا بسبب استعبادهم كأموات لا يملكون حرية الحياة:
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلًا بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ.
مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ آمِنُوا بِالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ». تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا ثُمَّ مَضَى وَاخْتَفَى عَنْهُمْ.
وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هذَا عَدَدُهَا، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ،
لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الَذي قَالَهُ: «يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟ وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟»
لِهذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضًا:
«قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ، لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ».(إنجيل يوحنا 12: 35- 40)
وهكذا ”ملكت الخطية بالموت“ (رسالة بولس إلى رومية 5: 21). فالخطية تسود بسبب الموت.. موت الانفصال عن حياة الله. ومن هنا كان تعبير الكتاب ”موت الخطية“. فلولا الموت ما كان للخطية سلطان على الإنسان.
وخلاص الإنسان ليس بأن يتوقف الإنسان عن أن يخطئ لأنه ميت لا حرية له ولا قدرة أن يتوب ”ليس علي الميت حرج أن يخطئ“. ولهذا جاء المسيح الحياة لكي يبث الحياة في الإنسان الذي اتحد به بالتجسد لكي يتحد به كل بشر بالإيمان فيحيون، وإن أخطئوا يتوبون، فحياة المسيح صارت فيهم لا تفصلها الخطية بَعد بل تغسلها التوبة.
هذا قاله المسيح “قال له يسوع: «الذي قد اغتسل (اتحد بحياة المسيح بالأإمان والمعمودية والإفخارستيا) ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه (التوبة)، بل هو طاهر كله (لأنه متحد بالمسيح الحياة). (إنجيل يوحنا 13: 10)، فلا مجال لأحد أن يقول لماذا استلزم خلاص الإنسان أن يتجسد المسيح بينما كان ممكنًا أن يغفر الله للإنسان خطيته؟ والإجابة أن الإنسان مات وأحتاج الحياة تدب في كيانه من جديد لا المغفرة.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟