رأيته للمرة الأولى في الاحتفال الضخم الذي أقيم في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بمناسبة العيد الخمسون لرهبنة الأنبا شنودة عام 2004، وبدا ملفتاً للنظر بقامته القصيرة وابتسامته الصفراء ومحاولاته البائسة لجذب الأضواء والانتباه، وأخيراً "كرفاتاته" العريضة اللافتة للنظر، والتي أظن أنها إحدى الوسائل المقصودة للفت الانتباه، وانتابني شعور أني أعرفه معرفة مسبقة، لكن أين؟ بعد يومان، وبالصدفة البحتة، كان يُعرض على شاشة القناة الثانية المصرية فيلم "بخيت وعديلة - الجزء الأول"، وفجأة، وجدته أمامي على الشاشة الصغيرة. هل تتذكر مشهد الشاب اللزج موظف الاستقبال في الفندق الذي كان يرتدي "كرافتة مضحكة"؟ نعم، أنه هو.
في الحفلات التي كانت تقام للأنبا شنودة بمناسبة وبدون مناسبة، وجدته أمامي مجددا، وسمعتهم للمرة الأولى ينادونه بلقب “دكتور”، قائد فريق الكورال، وذو مكانة وحظوة داخل دهاليز الكاتدرائية، وبسؤال المقربين أكدوا أنه الابن المدلل للأنبا موسى أسقف الشباب. وبحسب موقع السينما.كوم فهو طبيب بيطري يهوى التمثيل والإخراج، وهو مخرج فريق كورال المسرح الكنسي بأسقفية الشباب بالكاتدرائية المرقسية، وشارك في 3 أفلام سينمائية وثلاثة أفلام دينية مسيحية، لكنه لا يذكر أبداً تخصصه كطبيب بيطري، وإنما يعرف نفسه كدكتور في علم الموارد البشرية.
بعد ظهور الفيسبوك وبدافع الفضول وجدتني متابعاً عن كثب لصفحة الدكتور البروفيسور العالمي أ.ع، الذي يظهر شغفًا وولعًا غير طبيعيًا بالألقاب، كعادة الكثيرين في مصر ممن يعانون من عقد النقص المركبة. وهنا وجدت نفسي أبحث خلف الدكاترة أ.ع، وهالني ما وجدت:
صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي هي ألبوم مفتوح لصوره مع الفنانين والممثلين بطبيعة الحال، أما الصورة الأساسية فهي صورة تجمعه مع صفوة من ضباط الداخلية تزين النسور أكتافهم، مع أخبار دورية متكررة عن حصوله عن شهادة ما في تخصص الموارد البشرية، وفي “خانة البيوجرافي” (التعريف الشخصي) كتب يصف نفسه بأنه:
Professor of HR & International Human Resources Training Consultant. - Dr. U has experience in HR management and training for more than 30 years. - Dr. U is an expert of HR & &Training skills
والترجمة تقول: الأستاذ الدكتور البروفيسور أ.ع أستاذ الموارد البشرية والخبير العالمي في الإدارة والتدريب بخبرة تزيد عن ثلاثين عامًا، دون أي توضيح عن مصدر شهاداته، خاصة شهادة الأستاذية التي تؤهله للحصول على لقب بروفيسور
قانون تنظيم الجامعات المصري رقم 49 لسنة 1972 وتعديلاته، يخبرنا أن لقب “بروفيسور” يطلق على الأستاذ الجامعي المختص في علم ما، وهو أعلى مرتبة علمية في الجامعة، حيث إن الدرجات العلمية لأعضاء هيئة التدريس تبدأ من لقب “مدرس” ويتم الحصول عليه بالحصول على درجة الدكتوراه، تليها درجة “أستاذ مساعد” بتقديم بحث علمي مقبول من لجنة الترقيات، تليها درجة “أستاذ” بتقديم بحث علمي متخصص دقيق مقبول من اللجنة العليا لترقية درجة أستاذ، ولا يتم الحصول على درجة الأستاذية بغير الحصول على الترقيات السابق ذكرها.
وهنا يأتي السؤال المنطقي : من أي الجامعات حصل البروفيسور أ.ع على درجة الأستاذية “بروفيسور”؟
لا إجابة
تزامن ذلك مع خبر حصول الراهب “مقار الأنبا بولا” على شهادة الدكتوراه الفخرية من المركز الثقافي الألماني، والذي يمنح تلك الدرجة مقابل 15 ألف جنيه مصري لا غير، في شهادة لا تساوي ثمن الحبر التي كتبت به، فقررت البحث بمساعدة بعض المتطوعين خلف “البروفيسور” أ.ع. فحصنا حسابه الشخصي وصفحته الشخصية لعدة أيام بحثًا عن أي مصدر لشهادة الأستاذية التي يدعي الحصول عليها فلم نجد،
حتى يوم 16 يونيو 2021 حينما كتب “البروفيسور” على صفحته الشخصية مهنئا نفسه بحصوله على شهادة Human Resources Instructor من المعهد الأمريكي للدراسات المتخصصة في أورلاندو بالولايات المتحدة الأمريكية Orlando U.S.A A.I.P.S America Institute Of Professional Studies مع صور لتلك الشهادة المزعومة، وكانت أول الخيط..
بحث بسيط على الإنترنت عن المركز المزعوم المدعو America Institute Of Professional Studies
وجدنا أنه معهد فرعي تابع لمنظمة تحمل أسم American Group for managing educational project
وبحسب موقع المنظمة فأن مقرها الرئيسي يقع في الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة أورلاندو، ولاية فلوريدا :
Address: 1308 S. Semoran Blvd
Orlando, Florida. 32807, USA.
إلى جانب عدة فروع أخرى في فرنسا وتركيا وكندا والجزائر (دون عنوان، مجرد رقم هاتف مع عنوان بريد إلكتروني) بحسب ما يفيد موقعهم الرسمي، مما يشكك في وجود مقرات حقيقية لتلك المنظمة في تلك الدول، وبالبحث عن ذلك العنوان على خرائط جوجل وجدنا أن المنظمة الأم للمعهد المزعوم الذي حصل منه الأستاذ البروفيسور على شهادته مجرد “كشك” في منطقة مدقعة الفقر في أورلاندو، ويمكن مشاهدة مقر المنظمة الأم للمعهد المزعوم بال.
بفحص موقع المنظمة الأم agmep وجدنا أن المنظمة يتفرع منها أربعة عشر معهد فرعي، أولهم المعهد الذي حصل منه البروفيسور على شهادته، فتواصل أحد أفراد فريق البحث مع المعهد عبر البريد الإلكتروني المعتمد على موقعهم الرسمي، مدعياً رغبته في الحصول على شهادة مماثلة (قمنا بمحو بيانات فرد فريق البحث الشخصية بحسب طلبه)
وكما هو متوقع، فإن الحصول على الشهادة المزعومة لا يتطلب أي دراسة على الإطلاق، مجرد رسوم مادية زهيدة تبلغ 250 دولارًا أمريكيًا مقابل أن يقوم المركز بوضع أسمك على نموذج سيء التصميم، قبيح الشكل والألوان، معد مسبقًا، يحوي خبر حصولك على شهادة مدرب في علم الموارد البشرية، شهادة لم تكلفهم سوى الثواني التي استغرقها نسخ اسمك الثلاثي، وإعادة إرسال الشهادة لك.
الأمر المثير للاهتمام، أن السيدة / نورا علاء (والتي يبدو أسمها عربيًا) والتي تفضلت بالرد على رسائلنا الإلكترونية مقيمة في تركيا وليس فلوريدا، بحسب رسائل البريد الإلكتروني المرسلة منها، مما يوحي أن الأمر برمته يتم إدارته من تركيا، وفي الأغلب (ولا نملك يقينًا) فأن السيدة علاء مجرد موظفة إدارية عربية تعمل في تركيا، وفي الأغلب أيضًا (ولا نملك يقينًا) أن الفروع المنتشرة في أربعة دول حول العالم مجرد واجهة لهيئة ما تقوم بإصدار شهادات لا قيمة لها في مقابل مادي، أما سبب وجود أربعة عشر منظمة فرعية للمنظمة الأم فهو منطقي للغاية، وهو رغبة المنظمة الأم في مضاعفة عدد الشهادات التي يمكن لهم إصدارها، وبالتالي مضاعفة الربح أربعة عشر مرة.
السؤال هنا: هل الدكتور البروفيسور أ.ع يعلم بتلك المعلومات؟ وهل يعلم أن المركز المزعوم مجرد غطاء وهمي لمنظمة تركية غير علمية وغير أكاديمية بالمرة ولا تملك حق منح تلك الشهادات التي حصل البروفيسور على ثلاثة منها كما يؤكد على صفحته على فيسبوك؟
في الواقع لا أحد يملك حق الإجابة ولا التأكيد ولا النفي، لكنه قطعًا يعلم جيدًا أنه لم يدرس يومًا واحدًا ولا حتى ساعة واحدة في هذا المعهد المزعوم في مقابل الحصول على تلك الشهادة الوهمية.
وهذه الحقيقة تجعلنا نسأل عن مصدر شهادات البروفيسور وحقيقة حصوله على شهادة الأستاذية التي تؤهله لحمل لقب بروفيسور؟؟؟؟؟؟
ونؤكد أننا سنعتذر مقدمًا للبروفيسور وعلنًا أن أفحمنا بشهاداته (التي نؤكد أننا سنتتبع مصادرها مقدمًا للوقوف على حقيقة الهيئات العلمية والأكاديمية التي حصل على شهاداته منها)
مرفقات :
- خبر حصول البروفيسور أ.ع على شهادته الأخيرة من America Institute Of Professional Studies
- صور مختلفة من موقع المنظمة الأم تحتوي على عنوان المقر الرئيسي في أمريكا، وعدد المعاهد المتفرعة من المنظمة الأم
- صورة حقيقية لمقر المركز الرئيسي للمنظمة من خرائط جوجل بحسب العنوان المذكور في الموقع السابق ذكره، ويمكن للقاري تفحص العنوان بنفسه على الرابط التالي ومقارنته بالعنوان المذكور على موقعهم للتأكد من مطابقته
- صور للمراسلات الإلكترونية التي قام بها أحد أعضاء فريق البحث مع المعهد المزعوم
أخيراً : تحية وشكر واجب لفريق البحث المساعد الذي قام بكل المجهود تطوعًا
اقرأ أيضا:
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤