دعني أخذك بعيدًا عن النصوص والتفسيرات والأقوال والقيل والقال لمضمار المنطق قليلًا. لا تخش لن أخذك إلى مدرجات تراها خطرة في النقاش؛ سأقف على نفس أرضيتك الإيمانية لنتحاجج.

لتأخذ أنت موقع الأغلبية -فهو يشعرك بالأمان أكثر- كمؤيد لمنع الطلاق؛ ودعني أسألك كيف ترى الله من موقعك هذا؟

ما جمعه الله لا يفرقه إنسان

ما معنى “جمعه الله”؟!

هل تعني تلاوة بعض الصلوات؟! هل هذا هو المعنى؟! وكأنها تعاويذ سحرية نتلوها لتقوم بالمهمة؟!

ولنفترض أن مجرد القيام بتلك الطقوس يعني أن الله جمعهم (على يد بشر قام بمراسم الطقس) ألا يمكن أن نقوم بطقوس أخرى للطلاق ونقول أن من فرقهم هو الله وليس إنسان. فيتسق المعنى ما جمعه الله لا يفرقه إنسان؛ ولكن يستطيع الله نفسه أن يفرقهم بنفس الطريقة وباستخدام الطقس والكهنوت.

أم أن المقصود ب “جمعه الله” – بإقرارنا أن الله محبة – هو أن المحبة جمعتهم. المحبة التي هي الحب الزيجي الذي هو خليط عميق من الحب الجسدي والتوازن النفسي بين الطرفين والتناغم الروحي؟! وأن أي خلل في هذا الرابط يعني حدوث خلل في العلاقة نفسها لاختفاء الله (الحب) منها. إن كان هذا هو المقصود فالطقس هنا مجرد رمز؟!

سيصرخ احدهم لا فهو سر يتحول فيه الطرفان إلى جسد واحد!!! – مع العلم أن كنيسة الرسل والى قرون حديثة لم تعتبره سرًا كنسيًا (راجع المقال هنا) – وهنا اسألك ما معنى جسد واحد؟ أنا وانت نراهم جسدين كل منهما يستيقظ ويذهب لأداء مهامه وأعماله المختلفة ليسوا جسدًا واحدًا؟! هل تعلم أن بولس الرسول استخدم لفظ جسد واحد لوصف الرجل والانثى الذين يمارسون الزنا سوياً! هل المقصود بعبارة جسد واحد التعبير عن العلاقة الجسدية الجنسية؟ إذن فكل الأزواج عبر العالم – سواء بزواج رسمي أو بغير زواج رسمي- من كل المعتقدات والملل هم جسد واحد بالفعل؛ دون الحاجة إلى أسرار علوية وطقوس دينية.

هل الله القدوس كلي المعرفة لا يعلم تركيبة الإنسان النفسية والروحية ككائن متكامل وأن الزواج هو رباط عميق على كل المستويات النفسية والجسدية والروحية وإن عدم تناغم أي منها يهدد عمق العلاقة. أم أنه يرى الزواج مجرد علاقة جسدية بين ذكر وأنثى؟!

سيصرخ أحدهم بأن المسيح أمرنا أن نحب أعداءنا وبما أنك تكلمتي عن المحبة فبالأولى لطرفي الزواج أن يحبوا بعضهم بعضاً حتى وهم أعداء؟ دعني اصرخ أنا في وجهك تباعاً ؛ المسيح أمرني أن أحب عدوي لا أن اتزوجه. هل تعتقد أن المسيح لا يفرق بين المحبة العامة المقدمة للجميع كصناع سلام وبين الحب الزيجي المفترض حسب شريعة المسيح أن يقدم لشخص واحد؟ هل تعتقد أن المسيح يساوي بين محبة الرجل لزوجته وبين محبته لحارس العمارة التي يسكن بها؟ إن لم يكن الحب الزيجي حبًا خاصًا جدًا وعميقًا جدًا ومختلفًا عن باقي أنواع الحب لما استخدمه الإنجيل تحديدًا لتشبيه علاقة المسيح نفسه بالكنيسة!

ونأتي لنقطة مهمة؛ من قال أن الطلاق يعني أن الطرفين يكرهون بعضهم!!! ربما هم فقط لا يصلحون كشركاء زيجة. وإن افترضنا أن أحد الطرفين لأسبابه الخاصة الإنسانية قد وصل إلى كراهية شريك حياته، من أوهمك أن إجباره على استمرار الشراكة الحياتية يعالج جراح كراهيته بالعكس هو يعززها ويعمقها.

الأنكى، تتباهون طوال الوقت أن المسيحية ليست ديانة فروض وأن الإنسان حر في حياته الروحية وقانونه الروحي لا يتسلط عليه احد كما قال ؛ فلا نرى أحد يجبرك على الصلاة أو الصوم أو القراءة -كما يفرض في أديان أخرى- بينما نراك تجبره على الاستمرار في زيجة ما بالفرض بحجة أن هذا مهم لحياتهم الروحية!!! وهل حياته الروحية كلها يتم تلخيصها في الرباط الاجتماعي المسمى الزواج؟!!!

ستحاول إخافتي بقولك (إن فتحنا باب الطلاق للمسيحيين كم أسرة ستتجه إليه؟ هذا خراب.) إذن أنت مدرك للحال البائس الذي وصلت إليه الكثير من الأسر. هذه الأسر تفككت بالفعل وليست في انتظار تشريع لتتفكك. والتعنت في عدم الطلاق لم يحميها من التفكك. تشريع الطلاق ليس إلا تقنينًا لوضعها الذي وصلت إليه بالفعل. (يجب أن نحافظ على سمعتنا وسمعة زيجاتنا) إلى هذه الدرجة معاناة وعذاب وإنسانية الأطراف المعلقة في مثل هذه الظروف لا ثمن لها لديك فقط لتحافظ على المظهر الخارجي للوضع الاجتماعي؟! هل يهتم القدوس -الذي نعت الفريسيين بالقبور المبيضة لأنهم مرائيين- بالشكل الاجتماعي ويتجاهل جوهر العلاقة بين الطرفين؟! هل يجهل الله تلك الحقيقة (أن الإجبار على الفضيلة لا يصنع أشخاص فاضلين بل منافقين) ويجبر طرفين غير متناسبين على الاستمرار في زيجة فاشلة بحجة أنه يرتقي بهم!!!

تساءلت صديقتي يومًا عن شخص سقط في حفرةٍ عميقة متألمًا فما كان من والده إلا أنه احكم إغلاق الحفرة عليه مانعًا إياه من الخروج. بالطبع استنكرنا فعلة الأب؛ فكيف لنا أن نتصالح مع مثل هذا الفعل السادي الذي لا يمت للأبوة أو الإنسانية بأي صلة. فاستطردت "إذن لماذا تريدني أن أصدق أن (أبانا الذي في السموات) يشرع مثل هذا التشريع في عدم الطلاق!".

هل يجهل الله أننا بشر محدودي القدرات والحكمة وأن الكثير من اختياراتنا ما هي إلا خطوات في مسيرة النضج وتحتاج دائمًا للتصحيح والتطوير؛ فيمنع أولاده من تصحيح اختيار كهذا ويحبسهم داخله للأبد!! هل يجهل ضعفاتنا وجرائمنا ويجبرنا في حالات كثر هذا عددها على الخضوع لشراكة مع طرف يستلذ تعذيب الآخر وقتله بلا هوادة؟! خاصة وأن الحل البشري متاح وهو يمنعه عني! من الممكن أن أتقبل الألم لو الدواء غير متاح؛ لكن أن يكون الدواء متاحًا وتمنعه عني وتخبرني أنك تحبني؟!

هل الله كلي العدل والغفران يقبل التوبة عن كل الخطايا ويدعو الإنسان لتصحيحها وتعديلها دائمًا؛ يتعامل مع قرار الزواج وكأنه خطية بلا مغفرة وبلا تصحيح؟!

ألا تدري أن الكثيرين بسبب التعنت في نظام الأحوال الشخصية يهربون من الكنيسة ويتحولون للإسلام حتى يمكنهم أن يحصلوا على حقهم الإنساني في الطلاق وإنهاء الشراكة الحياتية مع شخص غير مناسب أو مؤذي. سيرد علي احدهم بصوت لا مبالٍ ليذهب (واحد) ليذهب (ألف) لن نغير القوانين لأجل عيونكم. هل أصبحنا نرى النفوس التي فداها المسيح مجرد أعداد في إحصاء القبيلة؟! ثم تصمون آذاننا وعظًا عن كيف يترك الراعي التسعة والتسعين ليبحث عن ال(واحد). ما هذه الازدواجية وعدم الاتساق؟! كيف تتحدث معي بلغة من يهتم بالنفوس والمحبة وأنت بقوانينك تلك تدفعهم دفعا خارج حظيرة الإيمان. أليسوا هؤلاء هم أخوته الأصاغر الذين كال الويلات لمن يعثرهم؟!!! تعثروهم بتعنت غير إنساني. وكأنكم تناسيتم أن المسيح هاجم قوانين اليهود مرارًا الغير إنسانية مؤكدًا أن القانون (السبت) جعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل القانون (السبت). فالإنسان والإنسانية وخلاص النفس هو الهدف الأسمى؛ فهل تلك القوانين والسبوت تساعد الإنسان للخلاص أم تدفعه للهلاك.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

Objection
[ + مقالات ]