إن ذكر المرء اتحادًا، فالمعنى أنّ هناك أكثر من كيان قد اجتمعوا معًا لتكوين كيان جديد بصيغة مغايرة لما قبل الاتحاد، وللاتحاد صيغ عديدة يمكننا أن نستعرضها في السطور القادمة.
الاتحاد الشخصي
الاتحاد بين الشخوص، والتي اكتمل وجودها الذاتي وتميزت بقدرتها على التفاعل مع المحيط باستقلالية، سينتج كيانًا جديدًا، له أيضا إنتاجه وتفاعله المستقل مع محيطه.
كأن يتحد “عمرو” مع “زيد” في رحلة استكشافية لأدغال الأمازون، أو القطب الجنوبي.
أو أن يتحد “زيد” و”ميساء” في زواج مقدس.
أو أن يتحد احدي عشر لاعبًا لتكوين فريق لكرة القدم.
كل هذه الاتحادات هي نتاج اتحاد أشخاص لتكوين كيانات جديدة.
سنلاحظ بسهولة أن هذه الاتحادات مؤقتة بالضرورة، بالإضافة أنها اتحاد معنوي بالأساس، لأن أطراف الاتحاد يبقون قابلين للعد داخل الاتحاد، كما انك تستطيع نسب أفعال أو أحداث معينة لأحد أطراف الاتحاد دون تأثير يذكر على أطراف الاتحاد الأخرى.
الاتحاد الجوهري
اتحاد آخر، هو اتحاد سيترك فيه كل من أطراف الاتحاد طبيعته قبل الاتحاد ليفسحوا المجال الوجودي لطبيعة جديدة، ربما لا تحمل شيئا من خصائص أطراف الاتحاد.
فغازي الأكسجين والهيدروجين سيتنازلان عن كل مالهما لتكوين كائن جديد هو “الماء” لا يمتّ لأيهما بصلة.
السبائك أيضا، نموذج لهذا الاتحاد الجوهري، فالحديد القابل للصدأ إذا اتحد بفلزات أخرى (بظروف خاصة) سينتج معدنًا جديدًا غير قابل للصدأ.
في هذا الاتحاد، يتنازل كل طرف من أطراف الاتحاد عن “جوهره” ليتكون “جوهر” جديد يجمع أطراف الاتحاد في اتحاد غير منفصم.
العائلتان السابقتان لن يوفرا متطلبات التدبير الإلهي في خلاص البشرية، فمن جهة الاتحاد الشخصي لن نستطيع القول أن “الكلمة” هو المخلص لأن هناك شخصا أخر شريكًا، سيقع عليه هو كل أفعال الخلاص.
ومن جهة الاتحاد الجوهري، فوجود الجوهر البشري تامًا وحاضرًا هو مناط الخلاص والحصول على مكاسب التجسد.
الاتحاد الأقنومي
سيلزمنا بداءة تعريف الأقنوم حتى نستطيع الإبحار بسهولة في مفهوم الاتحاد الأقنومي بحسب قديسنا العظيم كيرلس.
الأقنوم هو التعبير عن [ظهور] الجوهر ووجوده المستقل في الواقع.
والأمر هنا معقد قليلًا، فهناك تصنيفات مختلفة للأقنوم.
فمن حيث البساطة: هناك أقنوم بسيط مفرد مثل أقانيم الثالوث القدوس،
وهناك أقنوم مركّب كالأقنوم البشري، مكون من أقنوم الجسد وأقنوم الروح العاقل.
ومن حيث التفاعل: هناك أقنوم قائم بذاته قادر على التفاعل مثل أقانيم الثالوث القدوس، والأقنوم البشري (والأقنوم هنا شخص).
وهناك أقنوم اعتمادي غير قائم بذاته غير قادر على التفاعل، مثل أقنوم الجسد في الأقنوم البشري.
في التجسد، أتى الكلمة لاتحاد حقيقي مع البشرية، دون أن يتحول عن كونه الكلمة، أو أن يتحول المتحد به عن كونه “عجينة البشرية” فالكلمة نفسه أصبح إنسانًا كاملًا دون أن يطرح عنه ما كان عليه عندما اتخذ الجسد، بل يتم فهمه انه إله وإنسان في نفس الوقت.
وحين نقول أنّه صار إنسانًا لا نعني إطلاقًا انه قد صار مقيدًا بحدود الجسم، بل نحن نؤمن أنه لا زال مستمرًا في ملء السماء والأرض.
ولأنه قَبِلَ -تدبيريًا- محدودات البشرية، فمن الضروري أن نتكلم عنه بطريقتين فنقول: “هو كونه إلهًا…… ولأنه صار إنسانًا فهو……”
فهو الابن الوحيد المولود من الآب كونه إلهًا، ومع هذا هو بكرنا لأننا نشترك معه في البشرية، لكننا لا نقسّمه أبدا إلى طبيعتين أو أقنومين من بعد الاتحاد.
الكلمة غير المادي صار متجسدًا، وإذا فصلناهما عن بعضهما البعض، فنحن ندمر بالكامل نظام التدبير الذي نفهمه في الكلمة المتجسد.
قدم الرب نفسه قائلًا: ‘أنا زهرة الحقل، سوسنة الأودية'. عطر الزهرة غير مادي، إلا انه يستخدم جسم الزهرة التي يسكنها كشيء خاص به، وهكذا فالسوسنة هي كائن واحد من العنصرين، غياب أيّ منهما سيسلبها جوهر حقيقتها، هذه هي أيضا الطريق التي نفكر بها في التجسد، كيف عطرت طبيعة الكلمة الفائقة والمهيبة العالم، عن طريق ركيزته المادية الخاصة الممثلة في البشرية، غير المادي بالطبيعة، أصبح حاضرا باتحاد تدبيري من خلال جسد، وفي هذا الجسد يصنع معجزات إلهية، لذلك يمكن أن نفهم أن غير المادي في جسده الخاص، مثل العطر في الزهرة الكامن فيها.(القديس كيرلس الكبير، تعليقات توضيحية على تجسّد الابن الوحيد)
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟