اللاهوت والناسوت، يندر أن تجد ما تم ابتذاله تعليميًا في كنيستنا مثل هذين المصطلحين، ما أن يتحدث احدهم عن السيد المسيح والتجسد، حتى يستدعي هذين المصطلحين كدلالة على أرثوذكسية وصحة ما يقول، رغم أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق.
بداية فكلا المصطلحين كدلالة على إطار يجمع كائنات معينة، يمكن أن يشير إلى ثلاثة دلالات:
الجوهر
الجوهر هو الأساس المجرد المشترك لأفراد من نفس “النوع”، والجوهر هو ما يجعل الفرد منتميًا لهذا “النوع” طبيعيًا، وهو أيضا ما يعطي لهذا “النوع” فرادته بين باقي الأنواع.
فالجوهر الإلهي هو المشترك بين ثالوث الأقانيم الإلهية.
والجوهر البشري هو المشترك بين جميع أفراد [أقانيم] البشرية منذ خلقهم حتى اليوم الأخير.
الجوهر كيان نظري يمكن إدراكه بالذهن فقط، فهو لا يوجد في الواقع إلا من خلال أقانيم تمثله.
وسنلاحظ أنه لا يمكن تصور أنه يقبل التركيب وإلا أنتج جوهرًا جديدًا أو”نوع” جديد.
فإذا قلنا: “كان “الناسوت” في ذهن الرب من قبل خلق العالم”، فنحن هنا نتحدث عن الجوهر الإنساني الذي أعد الله العالم لظهوره.
الطبيعة
إذا كان الجوهر هو الأساس النظري الذي لا يوجد في الواقع، فإذا انتقل إلى مستوي الوجود الفعلي أصبح طبيعة.
وللوجود الطبيعي مستويان:
أولهما: هو الطبيعة العامة التي تجمع الأفراد أو الأقانيم من نفس النوع.
فحين أقول: “أقدم حفريات الناسوت هي من مائتي ألف عام” فإنني أعني أن العلم يرجح أن البشر [الطبيعة العامة] قد وُجدت على الأرض من مائتي ألف سنة.
وثانيهما: هو الطبيعة المخصصة [الأقنوم].
فحين أقول: “شابه السيد المسيح ناسوتك في كل شيئ، ما خلا الخطية” فالناسوت هنا تعبير عن أقنوم محدد، هو شخص المخاطب، وهو هنا كتعبير عن الطبيعة البشرية ولكنها تخصصت في ظهور محدد بشخص المخاطب.
فما الخطب إذن في استعمال هذه المصطلحات في وصف “سر التقوي” في التجسد.
إذا قال أحدهم مثلا: أن العذراء قد ولدت الناسوت [المتحد باللاهوت] فهذا سيقودنا للسؤال: ماذا نعني هنا بالناسوت واللاهوت؟
سنستبعد على الفور الجوهر، فالعذراء قد ولدت كائنًا حقيقيًا وليس تنظيرًا فلسفيًا.
وسنستبعد أيضا أن العذراء قد ولدت الطبيعة البشرية كلها [بمعنى الطبيعة العامة]، فنحن نعلم أنها ولدت كائنًا واحدًا.
سيتبقى لنا -حسب هذا الاستعمال- أن العذراء قد ولدت أقنومًا بشريًا، بمعني الطبيعة المتخصصة [متحدًا بأقنوم إلهي] وهذا بالضبط ما قاله نسطوريوس وأثار من الزوابع ما نزال نعاني من آثاره.
في حالتنا هذه لدينا أقنومين من بعد “الاتحاد”، فلم يعد هناك اتحاد أصلا، وقسمنا الواحد غير المنقسم.
الأساس في لاهوتنا السكندري هو “الاتحاد الأقنومي”، منذ لحظة الاتحاد لم يعد طرفا الاتحاد أقنومين، بل أقنوم واحد هو الكلمة المتجسد.
حين يقول أحدهم أن النمو في الحكمة والقامة يخص “الناسوت”، بينما “اللاهوت” كامل، فهو يقسم الكلمة المتجسد إلى ابنين، أحدهما ينمو والثاني لا ينمو.
نفس الأمر مع هرطقات مثل أن الصلب والموت يقع على الناسوت، أو أننا نتناول الناسوت المتحد باللاهوت.
كلها هرطقات ترتد عن مقررات أفسس، وتنسف أسس اللاهوت السكندري، وترفع راية نسطوريوس.
ظن أحدهم أنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل عندما مسخ سر التجسد إلى “اتحاد اللاهوت بالناسوت” في مقال شهير، وكأن الثالوث القدوس قد اتحد بكل البشرية.
يندهش المرء، لماذا لا يسمي هؤلاء الأمر بمسمياته الصحيحة دون الانزلاقات الغريبة هذه! لماذا لا يقولون “الله الكلمة” بدلا من “اللاهوت” ولماذا لا يقولون “جسده المُحيى بروح عاقلة” بدلا من “الناسوت” فحينها، نحن نتحدث عن الواحد غير المنقسم، لماذا لا يحذون حذو عظيمنا ساويرس الأنطاكي:
إن خصوصية الاتحاد الطبيعي [الأقنومي] تكمن في أن الأقنومين هما في تركيب، وهما كاملان دون نقص، إلا أنهما يرفضان أن يستمرا في استقلالية الوجود، فلا يمكن أن نعدهما “إثنين” لأنهما في “تركيب” وليسا في انفصال أو استقلالية، مكونين شخصا واحدا للرب والابن يسوع المسيح، طبيعة واحدة متجسدة، وأقنوم واحد متجسد لله الكلمة(ساويرس الأنطاكي، كتاب: محب الحق)
أمثلة لهرطقات معاصرة من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتي تدل على عدم وعي بأصولنا من المدرسة السكندرية:
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟