بالأمس، نشر نيافة الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، بيانًا يقول فيه أنه: الجزء الأول للرد على إسرائيل. والحقيقة أني لا أرى بيانًا دوليًا للرد على إسرائيل التي لم تطرح شيئًا للرد عليه، وما فعله بيان الأسقف المكرّم هو "مزايدة" قومعروبية بامتياز. واستخدامٌ رديء للنصوص الدينية المقدّسة كأداة تعبئة، غرضها مغازلة الأغلبية التي أسلمت قضيّة سياسية. مما نراه بالمجمل تشويهاً للعقيدة المسيحية وما وقر في قلوب مؤمنيها من إيمان.
استخدم نيافة الأسقف المسيحيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ الصعيديّ، مصطلحاتٍ عربيّة وإسلاميّة في خطابه مثل: “قال تعالى”، أو “حوارييه”، وغيرها من مفردات غير مسيحية في خطابٍ يوجهه لإسرائيل؟ ﻻ يحتاج الأمر عبقريًا أو نبيًّا لمعرفة أنها محاولة تقارب ومداهنة للخطاب الإسلامي، واصطفاف وذوبان مع دين الأغلبية المحيطة، وأنا أتصور أن نيافته لو كان أسقفًا على نيوجيرسي الأمريكية، ﻻستخدم مفردات مميزة للبروتستانت الغالبين هناك، أو لعله حتى يستخدم مفردات دينية يهوديّة، فمن يوالى الأغلبية في قرية مصرية سيوالى أيَّ أغلبية في أيّ مكان قانعًا بالفتات الساقط من موائد أربابه!
يحاول نيافة الأسقف الزعم أن إسرائيل ليسوا شعب الله المختار، والحقيقة أن هذا الأمر ليس مسألة غطرسة يهودية أو إدعاء فخري منهم. فالإيمان المسيحي -الذي هُدم في خطابه- أن المسيح مُختار، من نسلٍ مُختار، من سبط مُختار، من الأمّة اليهودية المُختارة من بين شعوب الأرض الأمميّة! وإنّ مسألة نفي هذا، هو مسألة نفي للإيمان المسيحي كله، فلو لم يكن الشعب اليهودي مُختارًا، فالمسيح لم يكن مسيحًا، ولا من نسلٍ ملكيٍّ. وهذا هو كل ما يخصّنا في خطابه الديني المسيس! فنيافة الأسقف يرتكب خطأ لاهوتي فادح في خضم الغزل العروبي، وتجاوز عن مفاهيم واضحة في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي، ويتجاوز عن أننا نصلي من أجل إسرائيل وأورشليم وصهيون خمس مرات في اليوم من الإجبية القبطية [ويفترض أنه، كراهب، يصلي بها سبع مراتٍ بزيادة مرّتين عن العلمانيين] فإن لم يكن شعب الله مختارًا إذن، فليحذفها نيافة الأسقف من النصوص الليتورجيّة، ولنصلي من أجل شعب المايا أو شعب الزولو ونساويهم عملًا وقولًا.
يحاول نيافة الأسقف طرح أطروحة مفادها أن بني إسرائيل قد طردوا من أرض كنعان بسبب رفضهم للمسيح، رغم أنه لا توجد آية واحدة، أو نبوءة واحدة تقول أنهم يطردون من أرض كنعان [أرض الميعاد] لأيّ سبب، ورغم كل آيات العقاب التي تتوعدهم فعلًا، لكن لا توجد آية واحدة للنفي النهائي عن الأرض بلا حقٍ للعودة [وصار هذا حق مدنيّ أصلًا بناء على تراكم تشريعات السماء!]. وما تم في الهيكل مِن دمار كان في معبد أورشليم فقط لكن نيافة الأسقف تلبسته روح الزعيم جمال عبد الناصر وأراد تكرار مشروعه الحنجوري بإلقاء شعب كامل في البحر.
يحاول الأسقف تصوير أن أرض كنعان هي فلسطين، وأنها ليست أرض الميعاد، رغم أن هذا تناقض واضح وبدائي مع بديهيات سفر التكوين الذي حدد تخم الفلسطينيين بوضوح في ست مدن، ورفض أن يقترب منهم موسى، منهم: غزّة وعسقلان [أشقلون] وعوى وعقرون وغيرها، لكن الأسقف يريد أن يعطي: شيئًا لا يملكه.
يا نيافة الأسقف أنت تعبد أقنومًا اختار أن يتجسد هناك! إله يهودي من نسل إسرائيل وإبراهيم أبو الآباء ومن سبط يهوذا من نسل داود مؤسس مملكة إسرائيل الكبرى. فإن لم تقبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان ويربعام وعزرا ونحميا وحجي وملاخي وحبقوق وكل أنبياء شعب الله المختار وكل معتقدهم في المسيح الآتى [الذي أتى عندنا، ولم يأت بعد عندهم] فإن إيمانك ناقص، وبه عوج، ويتطلب من الراشدين تقويمًا وتوبيخًا ونهرًا وزجرًا!.
يا نيافة الأسقف، إن كنت تنفي وجود شعب لأنهم رفضوا المسيح الذي نؤمن به، واعتقدوا أنه سيكون قائدًا حربيًا جبارًا ينتصر في ممالك العالم الزمنيّ والماديّات، فأنت على هذا تعتقد نفس اعتقادهم أن المسيح ينتقم منهم لأنهم رفضوه فيطردهم ويشتتهم على الأرض، وهو ما لم يفعله المسيح ابدأ بان ينتقم ممن رفضوه، بل طلب لهم الغفران.
يا نيافة الأسقف، إنّ تبني الخطب العروبية الحنجورية لمغازلة أيًا من كان في أيّ مكان، قد جاء أشبه بأسلمة فتاةٍ مسيحية، وتبنى خطاب ضد عقيدتنا في المسيح، فإن لم تشهد للحق فاصمت خير لك ولنا وللشعب الذي يتم أسلمة وعيه بخطابكم.
نيافة الأسقف: نعم، هم شعب الله المختار. فهذه عقيدتنا.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟