الاستهلاك أصبح مبدأ أو أسلوب حياة وفي رأيي هو مبدأ سلب مننا الحياة.
لما ربنا خلق الإنسان خلق له كل شيء هو محتاجه حتى يعيش حياة هادئة وممتعة في نفس الوقت، ومنحه كل الإمكانات التي تجعله ليس فقط يهتم بنفسه أو بالقريبين منه، لكن أنه يقدر يكون مسؤول عن سلامة وتوازن الكوكب كُلََّه، كما نفخ فيه من روحه وسكن فيه، فحقق تواصل دائم بين الإنسان وأصله ومصدره الله.
لكن ما حدث كما نعرف، أن الإنسان سعى للانفصال عن الله وهو يعتقد أنه يعتمد على نفسه وينضج، والنتيجة الطبيعية للانفصال الوهمي للإنسان تجعله يشعر بجوع وفراغ داخلي دائم، وبمرور الوقت والتطور والثورات الصناعية، بدأ الإنسان يبحث لنفسه على ورق شجر يداري به الإحساس الغريب بالنقص (العري) الذي شعر به، وهي ببساطة نظرية الاستهلاك التي بدأت تتحول لرعب وتزيد مع سيطرة الرأسمالية على العالم كله لو نظرنا نظرة محايدة على حياة أي إنسان ستجده يجري طول حياته لكي ما يسمى بـ”لقمة العيش” لكن الحقيقة وراءها هي الاستهلاك الذي أصبحنا غارقين فيه.
مثلا:
الإنسان يُهلك صحته حتى يعمل ساعات أكثر من أجل أن يوفر لنفسه والمسؤول عنهم منتجات هي الحقيقة مضرة لصحته وصحة أسرته، لكن الفكرة إن طول الوقت في أصوات تحيط بنا في كل مكان، تكلمنا عن السعادة التي سنعيشها لما نأكل “الأكل الفلاني” (وهو كله مواد مضرة) أو في المطعم الفلاني وهو شرحه، أو لما نلبس الماركة “الفلانية أو نروح المكان “العلاني” أو نركب عربية ماركة “كذا”.
المشكلة الأكبر أن الاستهلاك ليس له سقف، لا يوجد وقت نصل فيه لمكان نقول: “يا سلام أنا كده خلاص جبت كل اللي أنا كنت محتاجه. (قبل ما تشتري الاسكرين والجراب للـ أيفون اللي جبته بتكون إعلانات الجديد نزلت والنيو كولكشن من كل ماركة بيجهز قبل ما تكون قدرت تشترى اللي قبله).
الأصعب أنه لا يوجد من يسلم من السباق الاستهلاكي، كل واحد مننا، ينظر إلى من بجواره ويحاول أن يسبقه ويتمتع بلحظة سعادة وهمية وسريعة جدًا، في أثناء محاولة السباق مع الآخرين يفعل كل ما في وسعه ولا يعي أنه يحارب طواحين الهواء! فيحزن ويكتئب لأنه لا يحقق من السباق ما يريد، ولا يستطيع أن يدخل السباق حزين وكئيب ويشعر بقلة حيلة وصغر نفس.
سباق الاستهلاك وصل للتعليم والمدارس والكليات وليس فقط الطعام والأزياء والسيارات، ووصل للعلاقات حتى أقرب الأنواع منها، ليس فقط الجيرة أو الصداقة أو الحب، لكن حتى العلاقات الأسرية صار لها قوانين غريبة، نسمع فيها عبارات مثل (أنت أديتني إيه أو أنا مستفيد منك إيه؟!!)، حتى علاقاتنا بأولادنا، وهي من المفترض من أسمى وأقدس أنواع العلاقات بقى فيها جزء كبير من تحقيق ذواتنا من خلالهم واستهلاكهم عاطفيًا حتى لو بدون وعي، وأنا هنا أتكلم عن العلاقات العادية (اللي من المفترض أنها سوية، وليس العلاقات المرعبة اللي بقينا نسمع عنها).
لما بفكر في الموضوع أتخيل أن كل واحد مننا يمشي، وفي يده “شفاطه” كلما قابل شخص آخر، ويدخل في علاقة يضعها في الشخص الآخر ويبدأ يحصل منه بقدر استطاعته، وحين لا يجد شيئًا يتركه ويبحث عن غيره، وهكذا لم تعد العلاقات مبنية على التواصل والاتصال والسند والمشاركة، للأسف الاستهلاك أصبح محور لرؤيتنا تقريبًا لكل حاجة حوالينا.
حتى الدين وحتى علاقتنا بربنا بقت علاقة مصلحة كلها طلبات واحتياجات، كل واحد يرى الله خاص به فقط، يقف معه فقط وليس مع الآخرين.
مشكلة الفكر الاستهلاكي أنه يحول الإنسان من مركز الكون والمسؤول عنه إلى تُرْس في آلة تخريب الكون كله، ودفعه بسرعه ناحية هلاكه وهذا ليس مجرد كلام للاستهلاك، تأثير الثورة الصناعية والاستهلاك غير الرشيد على البيئة والمناخ والكون أصبح الكل يشعر به، فقدان الإنسان لمكانته هذه ساعدت في عدم شعوره بقيمته التي تاهت، وانتشرت الأمراض النفسية والجسدية.
الحقيقة آن الأوان أن ندق ناقوس الخطر، نحتاج أن نفوق ونتذكر أن السعادة لا تحتاج ما هو بعيد، الراحة والرضى والفرح مصدرها نحن، ومكانها داخلنا، وقتها حين نعمل ونسعى، سنعود مرة أخرى نستخدم الأشياء بوعي حسب فائدتها لنا، وليس هي من تستخدمنا حسب “الترند” أو حسب المطلوب حاليًا أن نستهلكه.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟