تكملة الإجابة على سؤال: لماذا نتناول جسد الرب ودمه في سر الإفخارستيا؟
اللاهوت المسيحي في التقليد الشرقي لا يفصل بين طبيعة الله الواحد الثالوث الآب والابن والروح القدس وبين طبيعة نعمته. فالنعمة هي شخص الله ذاته.
النعمة في المسيحية= اتحاد بالمسيح وسكنى الروح القدس في الإنسان:
”لأنه كما أن الجسد هو واحدٌ وله أعضاءٌ كثيرةٌ، وكلُ أعضاءِ الجسدِ الواحدِ إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضًا.
لأننا جميعنا بروحٍ واحدٍ (بواسطة عمل الروح القدس في سر المعمودية المسيحية)، أيضًا (أي بشبه المسيح كونه واحد غير منقسم) اعتمدنا إلى جسدٍ واحدٍ (جسد المسيح الواحد الذي اتحد بلاهوته في بطن العذراء وبذلك نزع منه لعنة آدم الأول وتمَّم فيه تجديد الخليقة البشرية)، وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا (وهنا لا يشير إلى عمل بل حلول الروح القدس بأقنومه ليسكن فينا في سر المَسْحَة المقدسة (الميرون):
“أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟”
(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 3: 16)
“وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا”.
(رسالة بولس إلى رومية 5: 5)
رأينا كيف أن محبة الله الآب للإنسان قد تَكَمَّلت بنعمة الخلاص الذي تمَّمه الابن فصار لنا شركة في مجال حياة الثالوث القدوس استُعلِنت بانسكاب الروح القدس في قلوبنا. فروح الله هو حياة شركة محبة ثالوثية واحدة ينبثق من الآب في الابن. هذا هو المقصود بالشركة في الطبيعة الإلهية، الذي تعلنه الكنيسة في ختام كل اجتماع لشعبها ”محبة الله الآب ونعمة الابن الوحيد وشركة وعطية الروح القدس“.
نكرر ونقول إن المسيحي الأرثوذكسي ينال النعمة بأن يتحد بالطبيعة الجديدة للإنسان، التي أسسها المسيح في بشريته في إرسالية التجسد الإلهي ويعطيها للمؤمنين كولادة وخَلق جديد من فوق في سر المعمودية ”ينبغي أن تولدوا من فوق“. وأثر ذلك فإن المسيحي الأرثوذكسي ينال الروح القدس ليسكن فيه في سر الميرون.
ولكن بعد المعمودية والميرون فإن المسيحي الأرثوذكسي لا يصبح هو مصدر النعمة التي نالها في هذه الأسرار. بمعنى أن النعمة لا تصبح ذاتية في الإنسان. وللتوضيح أكثر نقول نعم إن الروح القدس يسكن فينا ولكن سكنى الروح القدس وعمله فينا غير خاضع لإرادتنا، وإنما نحن الذين نخضع لإرادته.
”لا تطفئوا الروح“، فبرغم أن النعمة التي نالها المسيحي الأرثوذكسي في سر المعمودية والميرون لا تفارقه، ولكنه يظل يطلب بإلحاح -ليس لأنه لم يأخذ بل لكي يبقي في هذه النعمة- بالاستدعاء الدائم للثالوث القدوس ولنعمة الروح القدس بشكل خاص لأن الروح القدس هو مُعين الإنسان المسيحي في جهاده اليومي.
”من يأكل جسدي ويشرب دمي يكون فيي وأنا أكون فيه“، هذا هو ما يتم في سر الإفخارستيا، فكل قداس هو حضور للمسيح القائم من بين الأموات وإعلان الله عن ذاته. كل قداس هو اتحاد بشخص ربنا يسوع المسيح وبالروح القدس لكي نصل إلى مشاهدة الله الآب ومعاينة مجده.
باختصار فإننا ننال النعمة الإلهية في الأسرار الكنسية ليس لنكون نحن مصدر النعمة ولكن تظل الأسرار الكنسية هي طريقنا إلى النعمة في حركة دائمة نحو الكمال حيث أن اتحادنا بالمسيح وسكنى الروح القدس تقع خارج إنساننا العتيق (الذي جحدناه في المعمودية) إذ تتم في إنساننا الجديد المولود من فوق في سر المعمودية، ولا يمكن البقاء في الطبيعة الجديدة إلا بالاستدعاء الدائم للثالوث ولنعمة الروح القدس لكي نَكمُل نحن بالتصاقنا بالكامل.
فالسر كاملُ في نعمته إذ هو اتحاد حقيقي بالمسيح وحلول تام للروح القدس وشركة في مجال حياة الآب، ولكننا محتاجين للبقاء في النعمة والاستمرار في كياننا الإنساني الجديد المخلوق في المسيح يسوع ربنا من خلال سر الإفخارستيا.
في سر الإفخارستيا قدَّم لنا الرب يسوع المسيح شخصه كله غير المنقسم إلى لاهوت وناسوت، وغير المنقسم إلى أحداث (الميلاد، المعمودية، الصليب، القيامة). وفي شخص المسيح الواحد الذي نتحد به في الإفخارستيا تنجمع كل أحداث الخلاص، وليس العكس أن أحداث الخلاص المتعددة تقدم لنا شخص المسيح.
في القداس الإلهي يقدم لنا المسيح شخصه الإلهي الذي تمَّم فيه لاهوته الخلاص لناسوته بالاتحاد بينهما في شخصه الواحد (الاتحاد الأقنومي). ثم ينقله فينا كيانيًا بالتناول من القدسات فنكون فيه ونثبت في قداسته التي هي صفة الله الذاتية وحده ولا توجد خارجه. بذلك نكون قديسين. وهذا هو الأساس اللاهوتي للنداء في القداس ”القدسات للقديسين.. مبارك الرب يسوع المسيح “.
والسُبح لله.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟