المسيحية "ملء الزمان" لأن فيها حقق الله ملء غايته من جهتنا إذ أعطانا ذاته: "هوذا السيد يعطي نفسه آية".
-الله أعطانا ابنه متجسدًا.
-والابن أعطانا روحه يسكن قلبنا.
-وبالروح يأتي بالآب والابن لقلوبنا.
هذه هي الحقيقة العظمى التي جاء من أجلها المسيح -الله الذي ظهر في الجسد- أن يعيد البشر إلى مكانتهم الأولى كأبناء له وبحيث لا يفقدنوها مرة أخرى.
لذلك سكن الله الواحد الثالوث قلوبنا كحقيقة كيانية، ليس في مجرد جنة وفردوس مثلما كان آدم وحواء، بل سكن في كيان الإنسان وقلبه بلا انفصال في المسيح كلمة الله الذي “صار جسدًا” (يوحنا 1).
لهذا قال ق. كيرلس السكندري:
عندما نقبل الروح القدس (بالإيمان بالمسيح)، فإن هذا برهانٌ علي أن لنا شركة، بل شركاء في الطبيعة الإلهية، وبالروح يأتي الآب إلى قلوبنا بواسطة الابن (لأنه بالإيمان بالمسيح نقبل الروح القدس).
(القديس كيرلس السكندري)
وكتب يوحنا الرسول عن الروح:
“بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ”.
(رسالة يوحنا الأولى 4: 13)
:
أليس هذا ما يقوله ق. بولس أيضًا:
“ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: «يَا أَبَا الآبُ»”.
(رسالة بولس إلى غلاطية 4: 6)
ولو افترضنا إننا بدون شركة الروح القدس فإننا لن نعرف أن الله فينا، (حتى) لو اغتنينا بالروح الذي يجعلنا في مرتبة الأبناء، فإننا بدون (أن يكون لنا وعي بالشركة في) الروح لن نكون أبناء الله، كما قال كيرلس السكندري في شرح إنجيل يوحنا ١٠.
الذين عاشوا المسيحية والذين يعيشون شركتهم في الطبيعة الإلهية كحقيقية يومية يبدأون بها يومهم الأبدي كل يوم، كان الروح القدس ولا يزال يشهد بذلك في كلماتهم التي تركوها لنا لنعيش الوعي بالشركة كل يوم إننا أبناء الله وهو ساكن فينا ولم يتركهم ولن يتركنا مهما كان يبدو في سيرتهم وسيرتنا على الأرض إننا متروكين في نظر العميان من هذا العالم حولهم.
صحيح إن تبني الله لنا ليس ولادة من جوهر الله مثلما ولادة أقنوم المسيح ابن الله الوحيد من ذات جوهر الله. فولادتنا نحن هي بالنعمة والتبني.
ولكن إذا أسقطنا النعمة إلى مجرد علاقة شرفية فهذه هي عقيدة المسيحية العظمى “تأله الإنسان في المسيح يسوع “التي بها يكون للإنسان شركة في مجال حياة الله أي في الطبيعة الإلهية، فطبيعة الله الحية الأبدية.
فالتأله هو نتيجة حتمية لتدبير الله من جهة الإنسان بالتجسد الإلهي ونعمة التبني للإنسان. فالتجسد الإلهي هو اتحاد يفوق الإدراك للاهوت بالناسوت في المسيح.
والتبني هو اتحاد يفوق الإدراك بيني أنا الإنسان وناسوت المسيح الذي رفعه المسيح إلى مكانة الله وليس سكنى حقيقية للآب والابن والروح القدس فينا كهياكل حقيقية فإن ق. اغريغوريوس النزيانزي (الناطق بالإلهيات) يزأر في وجوهنا وربما في جسارة تعبير ويقول:
لقد طهرنا (الله) لكي يجعلنا مثل الله(=”نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا”سفر التكوين)، لكي إذا ما أصبحنا مثله آلهة يستطيع الله أن يخاطبنا كآلهة (فقد أكد المسيح ما جاء على لسان داود بالنبوة” ألم أقل لكم إنكم آلهة وبنو العلي تُدعَون”)
(القديس اغريغوريوس النازينزي، مقالة٧:٢٨)
ولم يكن ق. بولس بأقل من ذلك في صراخه إلينا عبر الزمان لكي ينتبه الوعي فينا إلى حقيقتنا إننا أبناء الله، فنعيش بنوتنا لله وشركتنا في الثالوث القدوس من بَدْء صباحنا كل يوم:
وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ.
(رسالة بولس إلى رومية 8: 11)
فليرتفع قلبك بوعيك لحقيقة كينونتك إنك إنسان صار ابنًا لله في المسيح يسوع، وصلي إلى أبيك الذي في السماء: “أبانا الذي في السموات”. هذا هي وصية المسيح ابن الله الوحيد لنا.
والسبح لله
بقلم د. رءوف إدوارد
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟