جرت عدة جولات من حوار اللجان التي تشكلت بين كنيسة الإسكندرية والكنيسة الكاثوليكية، التي كانت نتاج اللقاء الذي احتفلنا مؤخرًا بمرور نصف قرن عليه بين البابا شنودة الثالث والبابا بولس السادس، توجت باجتماع بدير الأنبا بيشوي في 12 مايو 1988، وتم التوقيع على اتفاق كريستولوچي بين الكنيستين ينهي الخلاف القديم، ويضيق الهوة في فهم طبيعة المسيح التي كانت كل كنيسة تظنه عن شقيقتها، بمعنى أن كلا الكنيستان أعلنتا إنهما يتبنيان نفس الإيمان عن طبيعة الرب يسوع المسيح.
يذكر أن أمورًا أخرى خلافية مثل: انبثاق الروح القدس من الآب والابن، المطهر، خلاص غير المؤمنين وغيرها، كانت معروفة ومعلومة لكنيستنا، ولكنها لم تمنع هذا اللقاء، وهذا الإعلان الإيماني المشترك. وغني عن الذكر أيضًا إن كنيستنا لم تكن تعيد معمودية الكاثوليك حتي هذا الوقت، حتى بعده بسنتين كاملتين، إلى أن جاء اجتماع مجمع الأساقفة في 3 يونيو 1990، ليصدر عن المجمع قرارًا بإعادة معمودية الكاثوليك، ثم توقف الحوار بين الكنيستين تمامًا عام 1992،
ماذا حدث خلال تلك السنتين؟ لا أحد يعلم، و أجزم أنه حتى آباءنا الأساقفة أنفسهم لا يعلمون، كان التوقيع يتم على بياض ثقة في قداسة البابا الراحل الأنبا شنودة، وتجنبا لإحزان قلب قداسته. ثم لا شيء! هل رفض مجمع أساقفتنا البيان خلافًا لرأي البابا شنودة؟ لا نعلم، لا شيء معلن، لا تصريحات أسقفية صحفية، لا بيانات أسقفية مغاغية، فقط لا شيء.
تمر سنين عدّة وتتكسر ملايين الموجات على الشواطئ، فيجد مسؤول الحوار المسكوني ذريعة يلقم بها كل من تسول له نفسه أن يسأل عن الحوار مع الكاثوليك، رفع لافتة “لقد عقدوا اتفاقية مع النساطرة”.. -أها لقد صبأوا ورب الكعبة- فمن يجرؤ أن تسول له نفسه أن يفكر أن كنيستنا يمكن أن “تتحاور” مع من أصبحوا هم والنساطرة بعضهم أولياء بعض.
ملحوظة عابرة: رفضت كنيستنا -بإباء وشمم- اشتراك الكنائس الملقبة بالنسطورية في مجلس الكنائس العالمي.
قرأت الاتفاقية المشتركة وأرى مضمونها إيمانا أرثوذوكسيا لا تشوبه شائبة (بالرغم من انزعاجي كـ”لا خلقيدوني” من استهلال الفقرة الثانية، ولكن خاتمة الفقرة أزالت الانزعاج)، واندهشت بشدة أن يهاجمها بعض أساقفتنا.
علي العكس آراها خطوة موفقة جدا في الطريق الصحيح ينبغي البناء عليها، إن استطاع الأشقاء انتزاع هذا الإقرار الكريستولوجي الأرثوذكسي من كنيسة لطالما اتهمت بالنسطورية الصريحة، فكيف لا نحتفي به ونهنئهم بعملهم الرائع، ونفتح قنوات فورية مع الكنائس الأشورية، طالمَا كان هذا إيمانهم، خاصة أن أحدًا لن يجرؤ على التحجج بأنهم “يحرمون” القديس كيرلس، مع علمنا بأن أشقاؤنا الروم يفعلون ما هو أسوأ في طقسهم الخاص يوم “أحد الأرثوذكسية”.
نص الاتفاقية:
١- إننا كورثة وحماة للإيمان المسلم من الرسل والمصاغ في قانون إيمان نيقية بواسطة آباءنا المشتركين، فإننا نعترف برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، الذى فى ملء الزمان، نزل من السماء وصار إنسانًا من أجل خلاصنا. إن كلمة الله الشخص الثاني من الثالوث القدوس، تجسد بقوة الروح القدس باتخاذه من القديسة العذراء مريم جسدًا محييًا بروح عاقلة، واتحد به بغير ذوبان منذ لحظة الحبل به.
٢- لذلك فإن ربنا يسوع المسيح هو إله حقيقي وإنسان حقيقي، كامل في لاهوته وكامل في ناسوته، مساو للآب ومساوي لنا في كل شيء ما خلا الخطية. وقد اتحد لاهوته بناسوته فى شخص واحد، بغير اختلاط أو تغير، وبغير انقسام أو انفصال. واحتفظ فى نفسه بالطبيعتين الإلهية والإنسانية على اختلافهما، بكل خواصهما وإمكاناتهما وعملهما. لكن ليس بإنشاء “واحدة وأخرى” لكن باتحاد اللاهوت بالناسوت في نفس الشخص الواحد الفريد، لابن الله والرب يسوع المسيح، الذى هو هدف العبادة الوحيد.
٣- هكذا فإن المسيح ليس “إنسانًا عاديًا” تبناه الله ليقيم فيه ويلهمه، كما هو الحال مع الأبرار والأنبياء. لكن نفس الله الكلمة المولود من الآب قبل كل الوجود بدون بداية حسب لاهوته، ولد من أم بلا أب فى آخر الأيام حسب ناسوته. إن الناسوت الذي ولدته القديسة العذراء مريم هو دائمًا لابن الله نفسه. هذا هو السبب فى أن كنيسة المشرق الأشورية تدعو في صلواتها العذراء مريم “أم المسيح إلهنا ومخلصنا”. وفي ضوء نفس هذا الإيمان نفسه فإن تراث الكاثوليك يدعون العذراء مريم “والدة الإله” وأيضًا “والدة المسيح”. وإن كل منا يدرك صحة وشرعية هذه التعبيرات لنفس الإيمان، وكلانا يحترم ما تفضله كل كنيسة فى حياتها الليتورجية وتقواها.
٤- هذا هو الإيمان الفريد الذي نعترف به عن سر المسيح. لقد قادت الصراعات الماضية إلى حرومات ضد أشخاص وصياغات. لكن روح الرب سمح لنا أن نفهم بطريقة أفضل اليوم أن الانقسامات التى تأدت بهذه الطريقة كان أغلبها نتيجة سوء فهم.
٥- مهما كانت خلافاتنا الكريستولوجية فإننا نجد أنفسنا اليوم في وحدة الاعتراف بنفس الإيمان فى ابن الله الذى صار إنسانًا حتى نصير نحن أولاد لله بنعمته. إننا نتمنى من الْآنَ فصاعدًا أن نشهد معًا لهذا الإيمان بالواحد الذي هو الطريق والحق والحياة، ونعلن ذلك بطرق مناسبة لمعاصرينا، حتى يؤمن العالم بإنجيل الخلاص.
٦- إن سر التجسد الذي نشترك في الاعتراف به ليس حقيقة مجردة ومنعزلة. إنه يشير إلى ابن الله الذى أرسل لأجل خلاصنا. وتدبير الخلاص الذي ترجع أصوله إلى الشركة السرية للثالوث القدوس -الآب والابن والروح القدس- يبلغ تمامه خلال المشاركة في هذه الشركة، بالنعمة، في الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية، التي هي شعب الله، جسد المسيح، وهيكل الروح القدس.
٧- يصير المؤمنون أعضاء في هذا الجسد خلال سر المعمودية بالماء وفعل الروح القدس الذى به يولدون ميلادًا جديداً كخليقة جديدة. ويتم تثبيتهم بختم الروح القدس الذي يمنح سر المسحة. إن شركتهم مع الله ومع بعضهم البعض تصل إلى كمال إدراكها بالاحتفال بهبة المسيح الفريدة في سر الافخارستيا. هذه الشركة تنتظر أعضاء الكنيسة الخطاة حينما يتصالحون مع الله ومع بعضهم البعض خلال سر الغفران. أما سر السيامة لخدمة الكهنوت في الخلافة الرسولية فإنه يؤكد أصالة الإيمان والأسرار والشركة في كل كنيسة محلية.
٨- وإذ نحيا هذا الإيمان وهذه الأسرار، فإنه يتبع ذلك بالتالي أن الكنائس الكاثوليكية المعينة والكنائس الأشورية المعينة يمكنها أن تعترف ببعضها البعض ككنائس شقيقة. أن نكون في شركة كاملة وشاملة فإن هذا يستلزم إجماعًا على مضمون الإيمان والأسرار وقوام الكنيسة. حيث أن هذا الإجماع الذي نتمناه لم يتحقق بعد فإننا مع الأسف لا يمكننا أن نحتفل معًا بالإفخارستيا التي هي علامة الاستعادة الكاملة للشركة الكنسية.
٩- لكن على الرغم من ذلك، فإن الشركة الروحية العميقة فى الإيمان والثقة المتبادلة الموجودة حاليًا بين الكنيستين تؤهلنا من الْآنَ فصاعدًا أن نشهد معًا لرسالة الإنجيل ونتعاون في مواقف رعوية معينة، بما في ذلك على وجه الخصوص مجالات التعليم الوعظي وتكوين كهنة المستقبل.
١٠- وإذ نشكر الله أنه جعلنا نعيد اكتشاف ما يوحّدنا بالفعل في الإيمان والأسرار، فإننا نتعهد أن نعمل كل ما يمكن لإزالة عقبات الماضي التى لا زالت تعوق بلوغ الشركة الكاملة بين الكنيستين، حتى نستجب بطريقة أفضل لدعوة الرب للوحدة، هذه الوحدة التي يجب بالطبع أن يعبر عنها بطريقة مرئية. ولتخطي هذه العقبات فإننا الآن نؤسس لجنة مختلطة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة المشرق الأشورية.
(كاتدرائية القديس بطرس في ١١ نوفمبر ١٩٩٤ الكاثوليكوس مار دنخا الرابع، البابا يوحنا بولس الثاني)
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟