أولا لو كان لي القرار لأزلت كل مظاهر الحزن والشارات والستائر السوداء التي تتشح بها الكنيسة في أسبوع آلام المسيح المحيية، ولمنعت القنوات المسيحية من عرض أفلام الآلام التي تمعن النظر في تصوير عذابات وجلد وصراخ المسيح وآهاته، ولحولت طقوس الكنيسة إلى طقوس تبعث على الطاقة الإيجابية والفرح.

وهذا ليس رفضا لمشاعر الحزن أبدًا وإنما تأكيدًا على وصول الرسالة التي سمحت محبة المسيح أن تصل لنا عن طريق هذه الأيام المقدسة والأحداث المؤثرة بأعظم تأثير على الحياة الإنسانية عمومًا، فآلام المسيح هي تجسيد لمبدأ الحياة، والألم جزء هام منها ولكنه ليس الجزء القبيح أو المرذول فيها، إنما الجزء الأعظم والأقوى الذي لن نستطيع أن ننمو ونقوى من دونه وإذ كان المسيح قبل إنسانيتنا ومر بالألم بهذا القبول وهذه القوة فهو درس أعتقد إننا ما زلنا نحتاج أن نستوعبه ونتعلمه بشكل أفضل من ذلك، خاصة أن حياة المسيح كلها كانت تجسيدا لحياة الإنسان “المعرف بـ ال” بكل ما تحويه من هدف ورسالة وفرح وسلام وإنجاز يصل إلى المعجزات وآلام شديدة و….. وقيامة مجيدة!

لذلك تراوح البشر في التعاطي مع فكرة الألم وصليب المسيح المثبتة تاريخيا وعلميا بالدلائل ما بين الرفض التام، وما بين التعاطف والحزن الشديد (الذي رفضه المسيح نفسه في حديثة مع النسوة)

“فَالْتَفَتَ إِلَيْهِنَّ يَسُوعُ وَقَالَ: «يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ،”

(إنجيل لوقا 23: 28)

وما بين رؤية القوة والصولجان في قَبُول هذه الآلام ومثال على ذلك ما كتبه

“وأنت أيها الجبار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الأمم، الفاهم أحلام الأبدية، أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابةً من ألف ملك على ألف عرش في ألف مملكة… بل أنت بين النزع والموت أشد هولاً وبطشاً من ألف قائدٍ في ألف جيش في ألف معركة”.

(جبران خليل جبران، “يسوع المصلوب” )

وللأسف زادت الكنيسة في تبنى الاتجاه الثاني الذي يأخذ المؤمنين خاصة البسطاء منهم إلى طريق الحزن على المسيح والتعاطف مع آلامه بشكل عاطفي هذيل يصل إلى مرحلة الشفقة والنواح عليه حتى إن كانت رؤية الآباء الواضحة بواسطة القراءات والنصوص المختارة لهذه الأيام رسائلها واضحة في فكرة الخلاص والعبور والنصرة المتجلية في هذه الأحداث إلا أن الجو العام وطرح الألحان والعظات والترانيم والميامر تجعل الجو العام يسير في اتجاه مختلف عن القراءات.

في رأيي الرؤية الثالثة هي الأصدق والأقرب للواقع، فحياة المسيح على الأرض هي ثورة إنسانية تضع الإنسان أمام ذاته وقوته وعظمة تكوينه وعظمة مكانته عند الله مصدر الحب خالق الإنسان الذي أحبه إلى كمال الحب.

ولكن ستظل قضية آلام المسيح قصة قد يكون فيها عبرة أو نظرة معينة إلى أن ندرك أنها ليست قصة خارجة عنا وإنما هي قصتنا بل قصة كل منا إلى أن نستوعب إننا في المسيح وأنه فينا وإلى أن تتجلى حياته فينا فنراها في حياتنا كل يوم وأنا أزعم أن هذا هو القصد من الآية المحورية

“إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ”.

(رسالة بولس إلى أفسس 4: 13)

اقرأ أيضا:

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

إيريني إستمالك
[ + مقالات ]