Search
Close this search box.
عندما تجلس في مَقْعَد المتفرج وتشاهد المناقشات والموضوعات التي تدور في أروقة كنيسة الإسكندرية تتحسر على حال الكنيسة التي أسست علم اللاهوت ومدرسة التفسير الرمزي للكتاب المقدس، وكانت تقود كنائس العالم فكريا ولاهوتيًا في وقت من الأوقات خلال القرون الأولى، فالموضوع الأخير الذي قامت له القيامة ولم تقعد بعد، ومثّل خطورة شديدة على حياة العالم، هو هل تصلي الكنيسة بالطقس الخاص بجمعة ختام الصوم؟ أم بطقس الفرح لأنه يوافق عيد البشارة؟ وكأنه  سنرتكب جريمة لاهوتية عميقة وسندخل في هرطقة عظمى أو ستنفجر فينا قنبلة إذا أخطأن واختارنا الطقس الخطأ.

من المفترض أن الطقس طريقة أو وسيلة لترتيب وتنظيم الصلاة، والهدف ليس امتثال العباد للطقس وكأنه صنم، إذا تغير فيه شيئا نبدو كأننا ارتكبنا جريمة لا يمكن غفرانها، لكن بسبب الفراغ وغياب التعليم وانتشار الجهل على مدار قرون مضت بسبب ما عانته من ضغوط وتحديات، انغلقت على نفسها وأصبح الطقس يُعبد ولم يتبق غيره ليتقاتل عليه الأقباط داخل كنيستهم.

أما الإنتاج الأكاديمي واللاهوتي فحدث ولا حرج، لا توجد كلية أو معهد قبطي معتمد أكاديميًا على مستوى العالم، بل يمكن تصنيفه بأنهم “تحت بير السلم” وهي العبارة الدارجة على المصانع والشركات والكليات والمعاهد غير المعتمدة أو غير المرخصة أو التي ليس لها جودة حقيقية تنافس بها في السوق، فأي جهد أكاديمي في هو فردي وليس مؤسسي، مهما انتفخت عروق البعض وتشدقوا  بعظمة تاريخ كنيستنا، وقد ولى، ولم تعد لنا علاقة به أو تواصل معه أو محاولة البناء عليه مع مراعاة تطورات العصر الحالي.

منذ كنت طفلا صغيرا اعتدت حضور أسبوع الآلام بالكامل في كنيستي، وكنت بمنتهى البراءة أذهب للسلام على الكهنة المتواجدين يوم خميس العهد، كما هي العادة، فكان بعضهم يرفض أن يمد يده ويقول: “ممنوع السلامات حتى لا نكن مثل يهوذا”، ورغم أن السلامات الممنوعة هي السلامات “الطقسية” خلال الصلاة بين الكهنة، إلا أن هذا الطقس أصبح ينسحب على التعامل العادي بعيدا عن الصلاة وكأننا إذا سلمنا على بعض سيخون أحدنا الآخر كما فعل يهوذا.

في نفس الكنيسة تربيت على يد المتنيح القمص بنيامين فؤاد الذي بذل حياته حرفيا من أجل المسيح ورعيته وحلت ذكرى رحيله الثالثة عن دنيانا في 4 أبريل الجاري، وتعلمت من أبي الراحل أن الصلاة مشاركة، وأن الطقس من أجل الإنسان وليس العكس، فكانت الصلاة معه متعة، يترك ما تعارف أن يقوله الكاهن من مردات وألحان في صلوات البصخة خلال أسبوع الآلام، حتى يشارك كل شخص في الصلاة، فقط كان يصلي الطلبة الأخيرة ويختم الصلاة، كان لا يعبد الطقس فربح نفوس كثيرين وجعلهم يحبون الكنيسة والتواجد فيها للصلاة.

نعود إلى أزمة / ختام الصوم، التي افتعلها أنبا يما الشهير بأسقف “البلح والجوافة”. يتشكل مجمع أساقفة كنيستنا القبطية من مجموعة من اللجان من ضمنها لجنة الطقوس، ومقررها حاليا هو أحد الأساقفة المعروف بعدائه لل وهو مَطْرَان المنوفية، والمقرر المساعد هو الأنبا مكاري الأسقف العام، ولأن اليوم الجمعة 7 أبريل 2023 الموافق جمعة ختام الصوم يوافق 29 برمهات من وهو عيد البشارة ب، وأحد الأعياد السيّديّة المرتبطة بالمسيح، أوصت اللجنة أن يصلى بطقس الفرح المصاحب لعيد البشارةـ وليس الطقس الجنائزي المعتاد يوم جمعة ختام الصوم، وتبنى البابا تواضروس توصية اللجنة، فقام ثائرة زوسيما، ومعه صفحات وحسابات من يدعون أنهم .

يذكر أن الأسقف زوسيما الذي توقف برنامجه “إيماننا الأقدس” على قناة مي-سات الواقعة تحت إدارة الأسقف العام، بسبب ما يبثه من تعصب وكراهية ومعلومات مضللة أو ساذجة، كما حدث وخصص حلقة للتأمل في البلح والجوافة المصادف نموهم مع عيد النيروز “ القبطية” في سبتمبر من كل عام، وقدم فيهم تأملات باعتبارهم ركن أساسي من الإيمان والطقس، مع أن مصر لم تعرف زراعة الجوافة إلا في القرن التاسع عشر، كما قدم معلومات مضللة عن أن السيد المسيح عدد بنفسه يوم 29 كيهك بالتقويم القبطي، في حين أنه لا يعرف لا يوم ولا شهر ميلاد السيد المسيح، حتى سنة ميلاده لم تحسمها الحسابات بدقة، وعيد الميلاد بدأ الاحتفال به بعد عدة قرون من انتشار المسيحية.

اﻷنبا زوسيما الذي تبكي صفحات حماة الإيمان على برنامجه المتوقف، وتحسب حتى اليوم منذ متى توقف برنامجه وتقيم بكائية عليه، خرج ليشق وحدة الكنيسة ويعلن أنه يرفض توصية لجنة الطقوس التي أقرها البابا تواضروس، وأنه سيصلي بطقس جمعة ختام الصوم، باعتبار أنه الوحيد العارف بالطقس والمحافظ عليه، والهدف هو تحدي البابا تواضروس كما كان يفعل في برنامَج “إيماننا الأقدس”، حيث كان يخرج علينا في كل مرة بكلام مناقض لأي خطاب أو عظة للبابا تواضروس، كما يفعل حاليا أسقف مغاغة والعدوة على صفحة مطرانية مغاغة.

منذ كنت طفلا صغيرا في زمن البابا الراحل ، كان يتخذ في كل عام قرارات مناقضة للعام الذي يسبقه، فمثلا صلاة الجناز العام في نهاية قداس أحد السعف تارَة تصلى بالطقس السنوي، وتارة أخرى يطلب المجمع أن تصلى بالطقس الحزين، في نهاية قداس أحد السعف كانت تختم بصلوات البصخة الخاصة بناهية يوم أحد السعف، ثم قرر المجمع أن  تصلى مساءًا مع صلوات ليلة الاثنين، وفي كل الأحوال كانت تصلى الصلوات والمختلف فقط هو الترتيب والوقت، والطقس هو أمر بشري متغير ويتطور بتطور الزمن، فما حدث هذا العام ليس بجديد.

يجب أن نذكر بشيء أخير وهو أنّ اﻷنبا زوسيما، الأسقف الذي يخرج علينا لحماية الطقس، هو نفسه الذي يرفض الحوار اللاهوتي مع الكنائس الأخرى، ويبث سموم الكراهيَة تجاههم، وفي ذات الوقت يفضل ارتداء ملابس الكهنوت البيزنطية الخاصة بكنيسة “الخلقدونية”، على زي الخدمة القبطي، فهل تريد مننا أن نصدق أنه فعلًا غيور على الطقس القبطي؟

هناك أسئلة إلى مجمع الأساقفة برئاسة البابا تواضروس تحتاج إلى إجابة:

إلى متى ستظل الكنيسة القبطية تعبد الطقس وتتعامل معه وكأنه “العقيدة”؟

إلى متى سيظل الخلاف بين الأساقفة يظهر أمام الناس إلى هذا الحد؟

إلى متى يظل المجمع صامتًا على الأساقفة الذين يشقون صف الكنيسة دون محاسبة؟

فهذا التساهل والتسيب ليس محبة، وضرره أكبر على مستقبل الكنيسة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي ومتابع للشأن الكنسي وشئون الأقليات