- كنيستنا وتدوير الهرطقات
- مجمع قرطاجنة: الظروف والنشأة
- مجمع قرطاجنة: إعادة فحص
- مدخل إلى هرطقات التجسد
- هل كان أوطاخي أوطاخيًا؟
- مجمع أفسس الثاني
- انزلاقات قبطية نحو الأوطاخية
- انزلاقات اوطاخية معاصرة
- إعادة فحص لهرطقات التجسد
- ☑ طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة
- النسطورية: اقتراب حذر
- النسطورية.. دليلك الفريد للنقد والتفنيد
- البطريرك الغامض والاعتراف الأخير
العبارة تنسب لمدرسة الإسكندرية، وشكلت أساس الكريستولوجي المسكوني حتى تم الانقلاب عليها في خلقيدونية، بل أن بعض معارضي مدرسة الإسكندرية وبعد أن انتشوا بانتصارهم هناك، قاربوا من وصفها بالهرطقة، اسبغوا عليها فهمهم المعيب، رغم أن شروحات معلم المسكونة القديس كيرلس الكبير، وتلميذه النجيب القديس ساويرس اﻷنطاكي، الذي امتلك كل نواصي تراثه، قد قطعت كل طرق الطعن فيها.
ورغم أن العبارة قد أعيد لها اعتبارها، وتم الاعتراف بأرثوذكسيتها في مجمع القسطنطينية الثاني، التالي لخلقيدونية، ظلت العبارة – وجرى تسويقها – كعنوان لخطل الفهم اللا خلقيدوني للاهوت التجسد.
ودون تدخل لا خلقيدوني يذكر، بدأت الترجمات والدراسات الحديثة لكتابات الآباء الشرقيين سالفي الذكر، ووقائع المجامع، في الاعتراف بدقة وتميز الفهم اللاهوتي السكندري.
العبارة على إيجازها عبقرية بحق، وكأنها الهام سمائي كما وصفها القديس ساويرس اﻷنطاكي. الغريب والمحزن أنني استطيع الجزم دون تردد بأن اﻷقباط، الذين يشكل الفهم اللاهوتي لمدرسة الإسكندرية تراثهم الشخصي، لا يفهمون العبارة كما صيغت لتؤدي الغرض منها.
بداءة، فالطبيعة هنا هي الأقنوم، كما سبق واسلفنا في المقال السابق إعادة فحص لهرطقات التجسد، والطبيعة الواحدة هنا هي أقنوم الكلمة نفسه، الذي هو الله بحسب الجوهر غير الجسداني، والذي في لحظة زمنية معينة، ولهدف تدبيري خلاصي، أخذ جسدا إنسانيا محيي بروح عاقلة، وجعله لنفسه، فأصبح جسده، وأصبح هو: متجسدا به.
غير المرئي أصبح مرئيا في جسده الإنساني،
غير المدرك سوى عقليا، أصبح مدركا بالحواس،
بسيطا -كأقنوم- قبل التجسد، ومركبا بعد التجسد.
“هو واحد بوضوح، قبل التجسد وبعده، انه واحد، ليس مزدوجا وليس بدون جسد، رب وابن وحيد، الكلمة الذي من الله الآب”
( القديس كيرلس السكندري، “ضد تجاديف نسطوريوس”)
العبارة تشكل عنوانا لتقريرات لاهوتية منطقية، ولازمة للخلاص في نفس الوقت.
اتحاد أقنومي غير منفصم بين الكلمة وجسده الإنساني،
لا يعني هذا أن ثمة طبيعة جديدة قد تكونت من الاتحاد، فالماء يبقى ماءا، سائلا كان، صلبا، أو بخارا، والكلمة يبقى هو نفسه بعد تجسده.
ولا يعني هذا أن ثمة تغييرا قد طرأ على أي من الطبيعتين بسبب الاتحاد، بل احتفظت كل طبيعة بخصائصها الطبيعية، بمقوماتها وديناميكيتها في الاتحاد.
“من يمكن أن يصدق أن طبيعة الكلمة تحولت إلى ما لم تكونه!! أو أن الجسد تغير إلى طبيعة الكلمة، هذا مستحيل، ما نقوله هو أن الابن واحد وطبيعته واحدة، حتى ولو في الاتخاذ صار جسدا ذا نفس عاقله، لأن ما هو إنساني قد صار له، ونحن لا نعرفه إلا هكذا، إلها وإنسانا في ذات الوقت”
(القديس كيرلس السكندري، “المسيح واحد”)
“يقولون: إن كانت هناك طبيعة واحدة متجسدة للكلمة، فبالضرورة سيتبع ذلك اختلاطا وامتزاجا، كما لو أن ثمة نقص أو اضمحلال لطبيعة الإنسان، في الحقيقة لم تنقص أو تضمحل، لأن كلمة “متجسدة” هي كافية كأفضل إشارة عن صيرورته إنسانا، لأننا لو سكتنا بعدما قلنا “طبيعة واحدة للكلمة” ولم نضف “متجسدة” لكان من المحتمل (وعندهم سبب مقبول) أن يتساءلوا عن الكمال الإنساني، أو كيف صار جوهرنا [البشري] قائما فيه”
(القديس كيرلس السكندري، “الرسالة الثانية للأسقف سوكينسوس”)
“ففي قولهم “متجسدة” أشاروا بالحقيقة إلى أن الجسد لم يبارح كونه جسدا، وانه لم يتكون منعزلا أو منفصلا عن الاتحاد مع الكلمة”
(القديس ساويرس اﻷنطاكي، “محب الحق”)
يتبقى أن نشير لبعض الضرورات التي تكمل مضمون هذه العبارة، وتجعل منها التعبير الأدق والأشمل لوصف تجسد الكلمة:
فالعبارة تتفق كل الاتفاق مع الإعلانات الكتابية، عبارات مثل “الكلمة صار جسدا” و “اشترك معنا في اللحم والدم” وكل الإعلانات التي تتحدث عن آلام وموت “رب المجد”، وكلها لا يمكن تفسيرها بمعزل عن الفهم الذي أنجبته هذه العبارة.
العبارة أيضا لا تحيد قيد أنمله عن الإيمان الذي تسلمه المسيحيون من آبائهم في نيقية، والذي صيغ في عبارات واضحة لا لبس فيها عن تجسد وتأنس وموت الكلمة.
الإشارة الأخيرة هي لفرية، أعتاد بعض إخوتنا الخلقيدونيون إشاعتها في مطبوعاتهم: وهي نسب هذه العبارة لأبوليناريوس، بل ونسب مقال كامل للقديس أثناسيوس الرسولي وردت فيه نفس العبارة على أنها لأبوليناريوس المهرطق نفسه،
ولهم نقول، أن أحدا من آبائهم في خلقيدونية وحولها لم يقل بهذا القول أبدا، وكان أمرا مثل هذا كفيلا بنسف الفهم اللاهوتي السكندري دون عناء ما حدث في المجامع.
والواقع أن العبارة كانت تقليدا مستقرا في كل المسكونة، نجدها بسهولة في كتابات باباوات روما انفسهم، مثلما وردت في صياغات البابا هيبوليتوس في مقالته “ضد نوئيتوس”،
كما وردت في كتابات البابا القديس يوليوس اللاهوتي في مقالته “ضد الذين يقاومون التجسد الإلهي”
فأرجو أن يتركوا عنهم هذا الهراء.
أترككم الآن لتستمتعوا بفهم اسقف التعليم وبابا الكنيسة القبطية لعبارة اللاهوت السكندري الشهيرة،
ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟