- كنيستنا وتدوير الهرطقات
- مجمع قرطاجنة: الظروف والنشأة
- مجمع قرطاجنة: إعادة فحص
- مدخل إلى هرطقات التجسد
- هل كان أوطاخي أوطاخيًا؟
- ☑ مجمع أفسس الثاني
- انزلاقات قبطية نحو الأوطاخية
- انزلاقات اوطاخية معاصرة
- إعادة فحص لهرطقات التجسد
- طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة
- النسطورية: اقتراب حذر
- النسطورية.. دليلك الفريد للنقد والتفنيد
- البطريرك الغامض والاعتراف الأخير
شكل مجمع القسطنطينية المكاني، الذي أدان أوطاخي بالهرطقة مطعنا سهلا، فأستأنف أوطاخي هذا الحكم، مرسلا رسائل للإمبراطور ثيئودوسيوس وعدد واسع من الأساقفة، متهما المجمع بالحيود.
من الناحية الإجرائية كان رفض قَبُول الاعتراف المكتوب لأوطاخي، بالإضافة إلى الأقاويل التي تناثرت عن تزوير أقوال المتكلمين، وما تردد عن إعداد قرار الحرم في توقيت سابق على الجلسة الختامية، ومن الناحية الموضوعية كان الإعلان الرسمي عن مفاهيم لم يسبق لآن قال بها الآباء والمجامع، مثل عبارة “طبيعتين بعد الاتحاد” واعتبارها معيار الأرثوذوكسية، وقطع من لا يقول بها.
تفاوتت ردود الأفعال، فالإمبراطور شرع في الإعداد لمجمع مسكوني وأرسل رسائله للأساقفة واختص القديس ديسقورس بتكليفه برئاسة المجمع.
طلب لاون أسقف روما محاضر المجمع المكاني التي وصلت متأخرة كثيرا، وقد سبقتها رسالتان من فلافيان يبرر فيهما الحكم، وفور وصول المحاضر أعد لاون رسالته التي ستعرف تاريخيا بطومس لاون (يمكن الرجوع لقراءة مقالنا طومس لاون The Tome of Leo) التي قصد منها اصطياد عصافير عدة، صيغت لتكون دستورًا إيمانيا يقبله الشرق دون مناقشة، دون اعتبار للتقاليد اللاهوتية لكل الأطراف، ودون فهم لجذور الخلاف الإسكندري/الأنطاكي، ودون الوعي بحساسية الوضع بعد أفسس المسكوني، كان الدافع هو تثبيت رئاسة وسلطة “روما” على الكنيسة الجامعة.
أُرسل الطومس إلى أطراف عدّة ووصل إليهم قبل انعقاد المجمع بعدة أسابيع، بعدها انعقد المجمع وتمت تلاوة المراسيم الإمبراطورية الداعية للانعقاد، وانتقلت أعمال المجمع رأسا للاستماع إلى أوطيخا.
قرارات المجمع
تبرئة أوطاخي وكل من حرم بالتبعية وإعادتهم إلى مكانتهم السابقة.
إدانة فلافيان ويوسابيوس، بالإضافة إلى ثيئودوريت أسقف قورش، وايباس (هيبا) أسقف الرها، ودومينوس وأربعة أساقفة آخرين.
المطاعن على المجمع
أثار قرار المجمع بتبرئة أوطاخي كثيرًا من المآخذ من المؤيدين للجانب الأنطاكي، كان المطعن الأول هو تمرير عبارة “المسيح من طبيعتين قبل الاتحاد وطبيعة واحدة بعدها”، والعبارة قد تعد خطًأ جسيمًا إذا فُهمت في إطار التراتبية الزمنية والتواجد المستقل للناسوت قبل الاتحاد، والواقع إن العبارة لم تثر حفيظة أي من المجمعين الذين مثل أمامهم أوطاخي لأنها فهمت في السياق الصحيح “قبل أن يصبح الاتحاد واقعا، فقد كون من طبيعتين”.
أما عن تردد أوطاخي في الاعتراف بوحدانية المسيح في ذات الجوهر معا، فمرده فقط إلى فهم أوطاخي لغياب “الطبيعة الإنسانية المستقلة القائمة بذاتها” في أقنوم الكلمة المتجسد.
وكان المطعن الثاني، أن المجمع كان وسيلة ديسقورس لبسط نفوذ الإسكندرية على كراسي الشرق بقطع أساقفتها وتعيين أساقفة موالين، ويتناسى هذا المطعن أنه قد يكون صحيحًا فقط إذا كان أوطاخي هرطوقيًا فعلا، وأن هؤلاء الأساقفة كانوا على حق في حكمهم عليه بالحرم، وهو الأمر الذي تنفيه الوقائع والدراسات.
إنني التمس العذر للبابا ديسقورس الذي وجه بتصاعد للفهم المناوئ لمقاصد لاهوت أفسس المسكوني، مما يُخشى معه من تصاعد النسطورية مرة أخرى، ووجد الفرصة سانحة لنهو هذا الموقف الذي يشق الكنيسة، وجميع الأساقفة الذين قطعهم المجمع كانوا مؤيدين على نحو ما لنسطوريوس، إلا أنه وفي سعيه المشروع هذا لم يتحسب لخطورة قطع أساقفة كراسي رئيسية وهامة دون الترتيب والتشاور المسبق، فأثار حفيظة الجميع بالرغم من صحة موقفه.
والمطعن الثالث هو عدم قراءة وإدراج طومس لاون ضمن أعمال المجمع، وبالرغم من أن البابا ديسقورس قد وجه وطلب قراءة الطومس مرتين على الأقل أثناء جلسات المجمع إلا أن انسياب وقائع المجمع حالت دون قراءته، ما أعتبره الحبر الروماني إهانة بالغة لحقت برأس الكنيسة الجامعة، وهو ما دعاه لتسمية المجمع بالمجمع “اللصوصي” وقيادة حملة شعواء ضده انضم لها كل المتضررين.
هناك احتمالان لإغفال قراءة الطومس إذا افترضنا أنها تمت عن عمد، أولهما، إن المِزَاج العام لتركيبة المجمع كان يميل للرؤية الإسكندرية، وعدم قَبُول تعبير “في طبيعتين” أو “طبيعتين بعد الاتحاد” اللتان كان يبشر بهما الطومس، فكان الإغفال حفظا لماء وجه الحبر الكبير، وعدم صبغه بصورة الهرطوقي.
وثانيهما، إن قراءة الطومس كانت لتعوق قرارات المجمع بقطع الأساقفة المشايعين لنسطوريوس، لأن الطومس كان يتحدث بلغة تقترب كثيرا من لغتهم اللاهوتية.
تعليق أخير
ما أشيع عن أوطاخي -ولا يزال- هو محض افتراء، لا يوجد في وقائع المجمعين ما يدعمه، أفسس الثاني هو امتداد لأفسس المسكوني لاهوتيا، صحيح تماما من الوجهة الإجرائية والعقائدية ولا تشوبه شائبة، مع تسليمنا بغياب الحصافة عن قديسنا ديسقورس، ولا أفهم لماذا نفضت كنيستنا غبار حذائها منه، ما آراه موقف غير موفق، ولا يفوتني أن أنوه إلى أن ما يسمى بالمجمع المسكوني الخامس (القسطنطينية الثاني) قد أعاد تبني قرارات القطع التي أصدرها بعد إلغائها في خلقيدونية.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- العلل البذرية والخلق التطوري لقد وُجد تصور هذه البذور عند الأفلاطونية الجديدة، وعند ق. أوغسطينوس تحت اسم العلل البذرية، حيث وجد في هذه الفكرة حلاً لمشكلة فعل الخلق، الذي لا بد أن يكون واحدًا على الرغم من تعدد الأشياء، التي هي دائمة النمو والتطور...