Search
Close this search box.
المقال رقم 3 من 12 في سلسلة أرثوذكسية تأله اﻹنسان
يعتقد البعض أن عقيدة  بالنعمة هي عقيدة حصرية عند الآباء اليونانيين، ولكنها عقيدة راسخة في الكنيسة شرقًا وغربًا، وفي جميع التقاليد المسيحية. وسوف نبحر الآن في عالم الآباء السريان، لنرى مفاهيم التأله في الأدب السرياني.
مار أفرام السرياني

نبدأ من مار أفرام السرياني الملقب بقيثارة الروح القدس، حيث يسجل في أشعاره وترانيمه الموزونة كما فهمها آباء ، لأنه كان معاصرًا لل، فيتحدث عن عقيدة التأله بالنعمة كالتالي:

”الله في مراحمه، دعا المائتين آلهةً بالنعمة، أما هم فحدَّدوا مَن هو الله، وتعقبوه وكأنه إنسان، الكاروبيم حملوا جسدكم الذي لبس، والسيرافيم يزهون قدامه، وقدامه الملائكة صامتون، وأنتم أيها المحتقرون، تحتقرون ولادة الإله الوقور“. [20]

(مار أفرام السرياني، أناشيد الإيمان ج1 (1- 40)، تَرْجَمَة: الخوري )

ويتحدث مار أفرام السرياني أيضًا عن أن الله في تجسده صنع معنا مبادلة خلاصية، حيث وهب لنا اللاهوت ووهبنا نحن له الناسوت كالتالي:

”الشكر لمَّن آتى بالبركة، وأخذ منا الصلاة، المسجود له نزل إلينا، أصعد منا السجود، وهب لنا اللاهوت، فوهبنا له الناسوت، آتى إلينا بالمواعيد، فوهبنا له إيمان إبراهيم حبيبه، اقترضنا منه الصدقات، نقود أيضًا وبطلبها منه“. [21]

(مار أفرام السرياني، أناشيد الإيمان ج1 (1- 40)، تَرْجَمَة: الخوري بولس الفغالي)

ويتحدث مار أفرام أيضًا عن ارتقاء النفس والجسد إلى ذروة الجلال والمجد في السماء كالتالي:

”ترتقي الأجساد طبقات النفس، والنفس طبقة الفكر، ويرتقي الفكر ذروة الجلالة، وهو يقترب بخشية ومحبة، فلا يغريه الارتقاء، ولا يبعده الانفصال، فإن في بعده فطنةً، وفي دنوه عونًا له“. [22]

(مار أفرام السرياني، منظومة الفردوس، تَرْجَمَة: الأب روفائيل مطر اللبناني)

مار يعقوب السروجي

ثم ننتقل إلى الملقب بمنارة الروح القدس وقيثارة السريان، الذي يتحدث بنفس صيغة التأله الشهيرة الخاصة بالقديس أثناسيوس ”صار ابن الله إنسانًا لكي يؤلهنا“، حيث يقول التالي:

”لما نزل، أنزل معه من العلويين، ولما صعد، أصعد معه من السفليين، أنزل الروح وأصعد الجسد، وكمل الأمرين: صار إنسانًا، وجعل الكثيرين آلهةً“. [23]

(مار يعقوب السروجي، ميامر مار يعقوب السروجي مج1، تَرْجَمَة: الأب د. بهنام سوني)

ويتحدث مار يعقوب السروجي أيضًا عن تألهنا بالمعمودية، حيث يقول التالي:

”البتول أعطت لربنا جسدًا ليصير إنسانًا، والمعمودية صبغتنا بالروح لنصير آلهةً“. [24]

(مار يعقوب السروجي، ميامر مار يعقوب السروجي مج1، تَرْجَمَة: الأب د. بهنام سوني)

ويستخدم مار يعقوب السروجي مجددًا صيغة التأله التبادلية المشهورة في موضع آخر قائلاً:

”ولهذا آتى الكلمة الذي شاء أن يصير لحمًا، لينتمي إلى جنس الناس ويخلصهم، هو صار منا من بطن الممجدة، وجعلنا منه من ميلاد المعمودية، صار ابن الإنسان وجعل البشر آلهةً، وأصعدهم ليدعوا السماوي: أبانا“. [25]

(مار يعقوب السروجي، ميامر مار يعقوب السروجي مج1، تَرْجَمَة: الأب د. بهنام سوني)

مار فلوكسينوس المنبجي

ثم يتحدث مار فلوكسينوس أسقف هيرابوليس (منبج) وهو أحد الآباء السريان المناوئين ل 451م، والمدافع القوي عن ال اللا خلقيدوني، حيث يتحدث عن أن المسيح في تجسده:

”جعلنا أبناء الآب وآلهةً في السماء“. [26]

(Tractatus tres de trinitate et incarnatione, 229: 15)

ويستخدم صيغة التأله التبادلية الشهيرة موضحًا معاني التأله من إعادة خلق الطبيعة البشرية من جديد في المسيح، ونوال لله الآب كالتالي:

”لأن الكلمة، الذي هو الله، رغب أن يجعل البشر أبناء الله، فنعترف بأنه أخلى ذاته، وصار جسدًا، ولبس طبيعة إنسانية كاملة لكي يعيد خلق الكيان الإنساني بالكامل في نفسه، ولأنه أصبح إنسانًا فينا، نحن أيضًا تألهنا وأصبحنا أبناء الآب“. [27]

(Ibid, 299: 15 = 15- 129: 2)

ثم يتحدث مار فلوكسينوس أيضًا عن أننا صرنا أبناء للآب في الابن، وصرنا متألهين في الله الذي صار إنسانًا كالتالي:

”لقد أصبحنا جميعًا أولادًا في الابن الذي صار إنسانًا، لقد تألهنا جميعًا في الله الواحد الذي أصبح إنسانًا“. [28]

(Ibid, 8- 243. 7)

القديس يوحنا الدلياتي

وهكذا يتحدث ق. يوحنا الدلياتي أو ق. يوحنا سابا الملقب بالشيخ الروحاني، وأحد أعمدة النسك السرياني والرهبنة السريانية في القرن السابع عن التأله بالنعمة ذاكرًا بركات اتحاد الإلهي بالبشرية قائلاً:

”أنت أيها الإنسان، صورة الله. هل تريد الصورة أن تأخذ شبه النموذج؟ […] احمل في قلبك دائمًا نير ربك، واحمل العجب في ذهنك من جلاله، حتى تشع في مجده، وتتغير إلى الشبه، حتى تصبح أنت إلهًا في الله، إذ قد نلت شبه الخالق بالاتحاد الذي يجعلنا نتمثل به“. [29]

(John of Dalyatha, Letters of St. John of Dalyatha Vol i, 1: 29)

عقيدة التأله في الليتورجية السريانية

ونرى أصداء عقيدة التأله بالنعمة في ال السريانية، حيث يذكر كتاب الفينيقيت السرياني (أي المواسم الاحتفالية) عبارات واضحة كثيرة عن عقيدة التأله كالتالي:

”أصبح جسدك الإلهي سماء الحياة، وألَّه كياننا كله، بحيث ينبغي ألا يُغوى ثانيةً ليعود إلى الفساد والفناء“. [30]

(Fenqitho V. 447 b)

ويقول أيضًا مخاطبًا الإله المتجسد قائلاً:

”لقد أصبحت إنسانًا وألَّهتنا“. [31]

(Ibid, VI. 169b = 455a)

ويتحدث أيضًا عن أن الله منح الألوهية ل التي طلبها من قبل بصورة خاطئة كالتالي:

”لقد منح الألوهية لآدم كما طلب من قبل“. [32] 

(Ibid, VII. 454a)

ونستنتج من هنا أن عقيدة التأله بالنعمة هي عقيدة مسيحية راسخة في التقاليد المسيحية المختلفة سواء اليوناني، أو السرياني، أو اللاتيني، وليس كما يزعم البعض خطاءً بأنها عقيدة غير أصيلة سواء في الكتاب المقدس أو التقليد.


هوامش

[20] أفرام السرياني (مار)، أناشيد الإيمان ج1 (1- 40)، تَرْجَمَة: الخوري بولس الفغالي، (لبنان: منشورات الجامعة الأنطونية، 2007)، 29: 1، ص 159.
[21] المرجع السابق، 5: 17، ص 43.
[22] أفرام السرياني (مار)، منظومة الفردوس، تَرْجَمَة: الأب روفائيل مطر اللبناني، (لبنان: رابطة الدراسات اللاهوتية ب، الكسليك، 1980)، 9: 21، ص 164، 165.
[23] يعقوب السروجي (مار)، ميامر مار يعقوب السروجي مج1، تَرْجَمَة: الأب د. بهنام سوني، (بغداد، 2003)، ميمر 6: 486، 487، ص 486.
[24] المرجع السابق، ميمر 6: 507، ص 263.
[25] المرجع السابق، ميمر 94: 165- 167، ص 1498.
[26] Tractatus tres de trinitate et incarnatione, 229: 15
[27] Ibid, 299: 15 = 15- 129: 2
[28] Ibid, 8- 243. 7
[29] John of Dalyatha, Letters of St. John of Dalyatha Vol i, 1: 29
[30] Fenqitho V. 447 b
[31] Ibid, VI. 169b = 455a
[32] Ibid, VII. 454a

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: أرثوذكسية تأله اﻹنسان[الجزء السابق] 🠼 التأله عند الآباء اليونان[الجزء التالي] 🠼 التأله عند الآباء اللاتين
أنطون جرجس
بكالوريوس اللاهوت اﻷرثوذكسي في   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس
ترجمة كتاب: "ضد "، للقديس غريغوريوس النيسي