”لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ“

(رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس2: 11، 12)

لكي نفهم هذا النص يلزمنا أن نتعرف على الظروف المحيطة بالكنيسة في ذلك الحين في بَدْء المسيحية، ففي المجتمع اليهودي كانت المرأة ممنوعة من دراسة ، ولا يُسمح لها أن تقوم بأي دور قيادي في خدمة المجتمع. وكان الرجل يشكر الله كل صباح على أنه لم يخلقه “أمميًا ولا عبدًا ولا أمرأة “. هذا وإن كنا لا ننكر أن بعض النساء خلال التهاب قلوبهن بمحبة الله تسلمن أدوارًا قيادية في العهد القديم في الجانب الديني والسياسي، حيث كان الدين لا يُفصَل عن السياسة عند اليهود.

ورغم ذلك نقول إن المرأة تمتعت بالكثير من الحقوق من خلال الشريعة الموسوية إذا قورنت بمركزها في العالم في ذلك الحين، لكنها بقيت بعيدة عن خدمة المقدَّسات والعمل التعليمي الكنسي، إلخ. أما عند اليونان فقد ضم معبد في كورنثوس ألف كاهنة كُنَّ يعرضن أجسادهن على المتعبدين كنوع من العبادة، وضم معبد ديانا بأفسس مئات من الكاهنات الشريرات.

جاءت الكنيسة المسيحية بالمساواة الروحية بين الرجل والمرأة، ورفعت من شأن المرأة وأعطتها الكثير من الحقوق، لكن لم يُسمح لها بالتعليم العام حيث يوجد الرجال، حتى لا يُساء الفهم من قِبَل المجتمع اليهودي الذي أبقى علي المرأة بعيدة عن خدمة المقدَّسات والعمل التعليمي فيه. فالكنيسة كانت على وعي بتطور المجتمع اليهودي الذي نشأت فيه من جهة دور المرأة فيه. وكانت الكنيسة تُدرك أيضاً مدى الحساسية نحو السماح بدور أكبر للنساء في قيادة العبادة داخل الكنيسة بسبب ما كانت تؤديه النساء في معابد آلهة اليونان كما ذكرنا. من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم قول في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس:

فَأُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الرِّجَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، رَافِعِينَ أَيَادِيَ طَاهِرَةً، بِدُونِ غَضَبٍ وَلاَ جِدَال. وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ. لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ.وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ“.

(رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس2: 8- 12)

ولكننا مع ذلك، قد نتحير أمام تنظير القديس بولس لنصيحته قائلاً للشعب:

لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلًا ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي.

(رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس2: 13، 14)

فحسب رأيي الخاص -وفي طاعة لروح الله في النص- أظن أنه لم يكن سهلاً أن يفصح القديس بولس عن الأسباب وجذورها المجتمعية التي وراء نصيحته. لذلك لجأ إلي سبب له ملامح مجتمعية في أحداث خلق و بخصوص مَن خُلِق قبل الآخر، ومَن أخطأ قبل الآخر بحيث تتناسب مع نصيحته فيستسيغها المجتمع الكنسي ويتجنب بذلك مشكلات لا لزوم لها من حساسيات ترجع إلى خصائص المجتمع ونضجه ذلك الوقت بل وربما لا نستثني من ذلك المسيحيين أنفسهم رعاةً ورعية، دون أن يكون لذلك علاقة بحقيقة المساواة بين الرجل والمرأة في المسيحية كدستور.

وبتطور الحضارة الإنسانية حدث تحول تدريجي في المجتمعات من جهة المساواة بين المرأة والرجل التي سبقت  إليه المسيحية وأوصت به روحياً، حتى لو لم تطبقه مجتمعياً في البداية. م التنويه هنا إلى أن المسيحية هي دستور وليست قانون. فيبقى الدستور وترتقي بسببه المجتمعات في صياغة قوانينها في مسيرة  نضجها التاريخي.

هذا ما رأيناه في نصيحة القديس بولس من جهة عدم السماح للمرأة بالتعليم في صدر المسيحية حين كان المسيحيون يمارسون مسيحيتهم داخل معابد اليهود قبل أن تنتقل ممارسة العبادة المسيحية إلى كنائس خاصة بالمسيحيين. وأما الآن وبعد تطور المجتمعات، فلا نستطيع اعتبار أن ما قاله القديس بولس في هذا الشأن التنظيمي هو مُلزِم للكنيسة من الناحية النظرية وكأنه عقيدة مسيحية. فحديث بولس الرسول في هذا الشأن ليس عقيدة مسيحية ولكنه أمر تنظيمي مجتمعي.

إن المساواة بين الجنسين في المسيحية هي روحية بالأساس ولا تنتظر شكليات لإثباتها. بل إن إثباتها الحقيقي هو أن “الكنيسة هي جسد المسيح السري”، وأن هذا الجسد الواحد يجمع الرجل والمرأة في مساواة روحية يضمنها إيمان الشعب بالمسيح في “سر الكنيسة” قبل أي شكليات تنظيمية. ومن جهة أخرى أقول إن رأيي هذا ليس معناه أن المساواة الشكلية بين الرجل والمرأة هي حتمية عقيدية.

بالتالي فليس لأحد أن يحجر على كنيسة ما قد ارتأت لنفسها مساحة أكبر لمشاركة المرأة في العمل الرعوي والطقسي في الكنيسة، وكدليل يسند ما أقوله من رأي بأن هذه أمور ليست عقيدية، أن القديس بولس في نفس الرسالة الأولى إلى تلميذه تيموثاوس أوصى بأن يكون الأسقف زوج امرأة واحدة، بينما الأمر ليس كذلك في عصورنا الحديثة.

والسُبح لله

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

سكوت المرأة 1
[ + مقالات ]