تفرق اللغة بين الملهاة والمسخرة، فبينما تملأ الأخيرة صدرك بالغضب، فالأولى منعشة، وباعثة على الابتسام ورفع حاجبك الأيسر، كلاهما حاضرة بقوة في أفعال إكليروس كنيستنا، حتى إنك لا تملك نفسك من الاندهاش، كيف انزلقنا وأنجبنا هؤلاء؟!! وأن أنجبناهم، كيف لم نجد لهم مصادر رزق تناسبهم بدلا من أن ندعوهم كهنة؟!!
من أمثلة ملاهي كنيستنا، ذلك الكاهن الذي يحكي عن غلق “قشرة الطماطم” لثقب قلب مريض، أو فضل زوجة الكاهن على نساء المؤمنين، أو ذلك الأخر الذي يحدثنا عن ظهور السيدة العذراء في صورة أشعة مريض، إيذانا بشفائه، أو حتى ذلك القزم المهرج الذي أبى ألا أن يناطح أرسخ جبالنا وأعلاها.
أما عن المساخر فيمثلها ما حدث في طقس رسامة كاهن على كنيستنا في عمان بالأرْدُنّ، التابعة لإيبارشية القدس والشرق الأدنى، فالكاهن الذي أرهق مولانا الحبر بحثا وتنقيبا عنه لسنوات طوال، ليطمئن قلب نيافته على حسن اختياره، أرشده الرب في النهاية ليختاره من مدينة الرب المباركة، العظيمة في المدن “أبوتيج”، المدينة التي أهدتنا مولانا الحبر نفسه، بشحمه ولحمه، المدينة التي لم تقصر أبدًا معنا، وكانت منحتنا سابقا العظيم في الشهداء “إشعياء المقاري سابقًا” الذي لم نستطع الحفاظ على وجوده بين ظهرانينا، والتمتع ببركاته البتاعنسوانية الماسورية، بسبب سيئات أعمالنا وفساد طوياتنا وهشاشة جماجمنا، فانصعد إلى فوق محفوفا بالعذراوات، يعوضنه عما قاسى من أيادينا الشريرة، كما أبلغنا الرجل المبروك على لسان مولانا الحبر.
هل وقفت المسخرة هنا؟؟ أبت ألا أن تستمر لترفع منسوب الغضب في رئاتنا.
للرسامة طقس، يشمل تعهدا يتلوه الكاهن الجديد -صاغه بنفسه مثلث الرحمات البابا شنودة- يتعهد فيه الكاهن بخضوعه للأب البطريرك، ولأسقف الإيبارشية المسام عليها.
في الدقيقة 35: 18 نري تعهدا إضافيا مبتدع حديثا، يجبر فيه الكاهن على إعلان خضوعه لمولانا الحبر الأنبا رافائيل بصفته “معلم الإيمان والعقيدة في الكنيسة الأرثوذكسية”. وهذا لعمري مسخرة، قد خلت من قبلها المساخر.
فمن سمح لهؤلاء بالعبث في طقس صادر من المجمع المقدس، دون الرجوع لجهة الاختصاص؟
من سمح لهؤلاء تنصيب مولانا الحبر كمعلم للإيمان والعقيدة بكنيستنا بكل ما يمثله من تعليم بينه وبين الأرثوذكسية ما صنع الحداد؟
بل ويُعلن له الخضوع!
الملهاة هي أن تشتري شهادة لاهوت “مشمومة” فالجميع يفهم “الفولة”
والمسخرة هي أن تكون هذه الشهادة مسوغا للتنصيب كمعلم الكنيسة.
يقول المأثور العربي:
“لاتعلموا أولاد السفلة، وأن تعلموا، فلا تولوهم الإمامة ولا تستوزروهم”
(كتاب “إحياء علوم الدين ” للإمام الغزالى “ج 1 ص 49)
وكثيرا ما أضبط نفسي متلبسا بتأمل عبقرية القائل.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟