Search
Close this search box.
استيقظنا صباح أمس الأحد على فاجعة نشوب حريق في كنيسة الشهيد مرقوريوس -- بمنطقة المنيرة في إمبابة بمحافظة الجيزة، راح ضحيته 41 وفاة و14 مصابا، وفقا للبيان الرسمي الصادر عن ورازة الصحة المصرية، فكان يوما صعبا مع هذا العدد من الضحايا، ومن بينهم أطفال كانوا متواجدين في حضانة الكنيسة بنفس الدور الذي نشب به الحريق، ولأن للموت جلاله ومهابته، وللحزن احترامه فمن المفترض الصمت وعدم الحديث عن أي شيء آخر، إلا أن الخوف من تكرار هذه الفاجعة، هو ما جعلني كسر حالة الصمت التي اعتادتها في مثل هذه المواقف.

من المسؤول عن هذا العدد من الضحايا الذين لقوا حتفهم؟ هل هو الماس الكهربائي بطل كل الحرائق التي تشهدها الكنائس من وقت لآخر؟ أم أن هناك مسؤولا آخر غيره؟ هل هو شخص واحد أو جهة واحدة؟ أم عدة جهات؟ أم هي مسؤولية مشتركة مننا جميعًا؟ ما لا يمكن إنكاره أو غض البصر عنه هو أن هناك إهمال وتراخي، تسببا في تلك الكارثة، المرشح تكرارها في أكثر من كنيسة ومكان آخر، وها هو الإهمال يؤدي لنفس نتيجة الإرهاب.

قتلناهم قبل أن يخنقهم الدخان 1

غير خفي أن بناء الكنائس واجه مشكلات وصعوبات منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى نهاية عهد الرئيس الأسبق مبارك في فبراير 2011، فلم تكن تراخيص بناء الكنائس تصدر بشكل سلس، بل كانت تصدر من رئيس الجمهورية شخصيا، وبعض طلبات الكنائس بالتراخيص كانت تظل حبيسة الأدراج لمدة وصلت إلى 20 عاما في بعض الحالات، ونتج عن هذا الوضع، تأسيس عشرات الكنائس بشكل غير شرعي، بعد شراء أراضٍ في الأحياء الشعبية والعشوائية، واستصدار تراخيص لبنائها على أنها منازل، والنتيجة اختفاء نمط الكنائس المتعارف، وتحولها لمبان عشوائية ضيقة لا توجد بها اشتراطات السلامة المدنية التي يجب توافرها في مبان مثل الكنائس أصبحت تشبه المساكن العشوائية الملاصقة لها.

بعد أحداث طائفية متتالية بين 2011 و2013، نتج عنها حرق وهدم عدد من الكنائس، مثل كنيسة الشهيدين في قرية صول بأطفيح (مارس 2011)، وكنيسة السيدة العذراء بشارع الوحدة بإمبابة (مايو 2011)، وهدم كنيسة مار جرجس بقرية الماريناب، في أسوان (سبتمبر 2011) ثم حرق 88 كنيسة ومبنى تابع، في 14 أغسطس 2013، بعد فض بؤرة رابعة العدوية،  وهي مدة عانى خلالها المواطنين المصريين المسيحيين، حصلت انفراجه مع جمهورية 30 يونيو  بتشريع قانون لبناء الكنائس، وتقنين أوضاع الكنائس، بالرغم من وجود اعتراضات من المتخصصين والباحثين المهتمين بالشأن القبطي على هذا القانون، باعتبار أنه لن يحل أزمة بناء الكنائس، لكنه صدر في النهاية.

كما تأسست لجنة لتقنين أوضاع الكنائس التي بنيت في العقود السابقة دون ترخيص وبالفعل بدأت هذه اللجنة في إصدار قرارات تقنين تصدر كل مدة من رئيس الوزراء ، وسابقا حصلت كنيسة أبي سيفين على تقنين لوضعها، وبالرغم من التقنين إلا أن الكنيسة ينقصها اشتراطات السلامة المدنية، وكانت النتيجة حريق أمس، ومكان الكنيسة يصعب مهمة قوات الدفاع المدني والإسعاف في الوصول لإخماد الحريق ونقل المصابين.

تغيرت فلسفة الدولة تجاه بناء الكنائس، بسبب فرض فلسفة جديدة من أعلى، فرئيس الجمهورية يتحدث عن التسامح الديني وعن منح المواطنين المسيحيين الحق في إقامة شعائرهم الدينية، وظهر ذلك في مشهد واضح عند افتتاح مشروع “أهالينا” واحد وسأل ال عن الكنيسة، فتم بنائها فعلا في مشروع “أهالينا2″، لكن الأزمة هنا أن هذا التوجه لا زال عند رئيس الجمهورية بشكل شخصي والمسؤولين الكبار، لكن إذا هبطنا للقاعدة العامة من الموظفين فلا زالت الأفكار الطائفية والمتطرفة متواجدة.

لا يمكن أن يستمر الوضع بهذا الشكل، خاصة وأن الحادث قد يتكرر مرة أخرى ليس في الكنائس فقط بل في كل الأماكن التي وجدت وسط المساكن خاصة في المناطق العشوائية، وحدث ما حدث في كنيسة أبي سيفين سابقا، بوجود مخازن تجارية داخل عمارات نتج عنها حرائق كبيرة، وخسائر مادية كبيرة، ولن نستطيع أن نوقف هذا إلا بمواجهة الإهمال الذي لا يقل أهمية عن مواجهة الإرهاب، وتحقيق مواطنة حقيقية يشعر فيها المواطن بقيمته لدى الوطن، يعرف ما هي حقوقه ويطالب بها، وأن يكون مسؤول ويؤدي واجباته، والمواطنة هنا لا يجب اختزالها في العلاقة الطيبة بين المواطنين المصريين مختلفي الديانات، ولا السماح للمواطنين المسيحيين ببناء كنيسة هنا أو هناك، بل هي منظومة تبدأ من الدستور والقوانين، وتطبيقها على الجميع، ومنظومة تعليم، وثقافة عامة، ويجب أن يعامل المواطن لكونه مواطن مصري، لا لكونه ينتمي لدين معين أو جماعة معينة أو قبيلة معينة.

بدأت الدولة مشروعات إسكان مخططة بديلة للأحياء العشوائية التي تكونت في قلب القاهرة، وفي هذه الأحياء يتم تخصيص قطع أراضي للخدمات، ما بين قسم شرطة ونقطة إطفاء، ومستشفيات ومدارس، ودور عبادة ومن بينها الكنائس أيضا، وهذا حل جيد لأزمة بناء الكنائس، لكن ماذا عن المدن والأحياء القديمة، وأغلبها بها كنائس بنيت دون تراخيص، فهل من خطة لإحلال وتبديل كامل المناطق والأحياء العشوائية متهالكة البنية التحتية، والتي تفتقر للعديد من الخِدْمَات بأخرى مخططة؟ والأمر لا يتوقف على البناء فقط بل على زرع ثقافة المواطنة والانتماء لدى المواطنين فيحافظون على أحيائهم ومدنهم الجديدة، فهل هناك مشروع ثقافي لذلك؟ دون ذلك سنستيقظ من وقت لآخر على حوادث كهذه.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

بيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي ومتابع للشأن الكنسي وشئون الأقليات