هذا المقال ليس مقارنة بين طائفة وأخرى، وليس للشخصنة، وإنما مقارنة بين طرق التعامل فقط، سبق وكتبت مقالًا بعنوان "الإلحاد واللي عاوزينه.. لماذا يهاجم الشباب ال؟"، ناقشت فيه بأمانه شديدة أن ردود بعض الإكليروس على مسألة الإلحاد أو الملحدين تجعل بقية المؤمنين يتجهوا للإلحاد فورًا!

كمسيحي مؤمن، حين استمع إلى ردودهم غير المنطقية، في الحقيقة التمس العذر للملحدين! فمثلًا حين يقول أحد أصحاب النيافة -عظاته ولقاءاته التلفزيونية ملء السمع والبصر-  بكل فخر إن السبب الرئيس للإلحاد هو “الكبرياء” ثم استطرد في حلقتين على الهواء، تحدث خلالهم عن الشباب والإلحاد، بدأ القصيدة بالكفر حيث شن موجات من الهجوم، والتسفيه من الشباب وأفكارهم وصراعاتهم، ولخص نيافته أسباب الإلحاد لديه في عدة نِقَاط بسيطة ممكن معالجتها بأبسط طرق القمع الفكري والهجوم الشخصي وإجبارهم على الطاعة العمياء، وهي:

1- تفشي روح الكبرياء في الشباب.
2- الرجعية والتخلف عند الشباب.
3- مبدأ خالف تعرف/ عكس عكاس.
4- حب الظهور.
5- عدم الاتضاع.
6- ركوب الموضة ومواكبة التريند.
7- العجرفة الفارغة.

ثم أن بعض ردوده على الأسئلة الأخرى تدل على المستوى المتدني الغارق فيه الشعب روحيًا وعلميًا، والردود أيضًا إما مجرد استهانة بالعقول أو استخفاف بالمشاهدين وأخرها كان رده على سؤال إحدى السيدات (أمّ) تستفسر كيف تشرح لطفلها “من خلق ربنا؟” فجاءت إجابة نيافته مستخفة تمامًا بعقل المشاهد بل وعقل الطفل! وسط ضحكات وتصفيق الحاضرين! ولا عجب أن ذاك الطفل عندما يكبر ربما يشق طريقه للإلحاد من أوسع أبوابه.

على الجانب الآخر من العالم شاهدت مؤخرًا بعض المحاضرات اللاهوتية، حيث تنجرف سيول الأسئلة المعقدة التي كان يتم توجيهها من الشباب إلى “أر. سي سبرول” وغيره في أحد القاعات، وكنت أندهش من قوة وجبروت الأسئلة وأمانة الإجابة من “سبرول”، حتى لو لم أكن مقتنعًا ببعض ما يقال.

نعود لنيافته، هل يعرف أن كل مؤمن حقيقي بالمسيح في الأقل عند لحظة ما من حياته ساورته شكوك إيمانية، دخل في صراع فكري نفسي، انجرف في دوامة من الأسئلة التي لا يوجد لها إجابات، حَيْرَة من الظنون والأفكار، دخل في مرحلة عدم إيمان أو حتى إلحاد!! هناك من استطاع أن يخرج منها بإجابات شافية لمعظم أسئلته، وهناك من لا زال يصارع أفكاره وإيمانياته، وهناك من اقتنع بمعتقده الجديد، لأنه في الأول والآخر إنسان، كائن يفكر ولا يستطيع أن يتوقف عن التفكير.

بدلًا من معالجة الأمر بتفهّمات لما هو حتمي، نجد إما هجومًا أو ردودا غير منطقية، فأنت بذلك تثبّتهم في “عدم إيمانهم”، وتجعلهم مقتنعين أكثر بإلحادهم، أكثر من إيمانهم بسببك أنت! ثم بعد ذلك تقولون: “هي الناس بتهاجم الإكليروس ليه؟!”.

أردت أن اختم بالقصة المهمة جدًا التالية (نقلتها بتصرف) فقد زار مصر منذ سنوات أحد الوعاظ الإنجيليين المشاهير جدا -له أخطاء كثيرة ظهرت لاحقًا- وحضر مؤتمر لقادة الكنائس, فتم طرح عليه بعض الأسئلة حول الإيمان والإلحاد، وبكل صراحة ووضوح ردّ على سؤال كيف نعيد الشباب للكنيسة وسط موجة الإلحاد؟ وقال بإجابات صريحة وصادمة:

بعض أسباب الإلحاد هي ردود فعل وتعبير عن حالة الغضب والإحباط وخيبة أمل الشباب من “رجال الدين”! نحن الآن نعيش في زمن مختلف، لا يصلح أن نعطي شاب جامعي نفس الإجابات التي كنا نعطيها للأطفال، كثير من الملحدين يفكرون ويقرأون ويكتبون كتابات قوية جدا، ولابد أن نحترمهم بشدة ونحترم أفكارهم.
أنت، كخادم أو كراعٍ، لابد أن تقف وتسمع أسئلتهم باهتمام، وأن تسألهم بما لديك، ولا تحاول أن تفكر إنه لابد أن تجاوب عليهم في التو والحال واللحظة، بل حاول أن تفهم إن السؤال له علاقة بصراع داخلي عندهم. ونحن مرينا بذلك من قبل، وقد اكتشفنا إن بعض الحلول من الممكن أن نجدها في كلمات [نقاشات منطقية مقنعة] وبعض الإجابات نجدها بواسطة علاقات روحية بالله. لكن الله وحده هو من يستطيع أن يعطينا الحلول “بالكلمة” و”بالعلاقة” معاً.
فحين يأتي الشباب إلى الكنائس لابد أن نعطيهم مطلق الحرية في التعبير عن صراعاتهم. ولو لم يشعروا بتلك الحرية سيشعرون بالذنب والإدانة ولن يأتوا مرة أخرى، قد يبحثون عن الإجابة في الجماعات ولا يجدونها، لكن يجب أن يجدونها في الكنائس.
لذا، لابد أن ندرب مجموعات من القادة والرعاة والخدام رجالا ونساءا قادرين على التعامل بإيجابية مع الشباب الذين يصارعون أفكارهم وشكوكهم! والمحصلة أنه تأتي لنا آلاف الخطابات سنويا من ناس كانوا يصارعون الإلحاد. من ناس ترانا وتسمعنا. وفي الحقيقة نرى تغيير حقيقي في القلوب، يَجِبُ ألاّ تشعروا بالإحباط. نحن في زمن صعب، ولابد أن يكون لنا مساحة في الكنيسة لكي نسمع أسئلة الناس ونتعامل معاها باهتمام وبإيجابية.

(نقل -بتصرّف- عن واعظ إنجيلي)

بكل صراحة، هذه هي النقطة الفيصلية التي أشار إليها الواعظ الإنجيلي بكل شجاعة حين تم سؤاله نفس السؤال!! فكان من الأفضل لنيافته، ولغيره من أصحاب النيافة وذوي العمم، بدلا من الهجوم على الشباب الذي ألحد، بالأولى أن يقتربوا منهم، أن يحتوهم، أن يجاوبوا على أسئلتهم، أن يناقشوهم ويجادلوهم بروح المحبة والاحترام حتى إن كان بعضهم يهاجم بعنف وضراوة.

 

اقرأ أيضا:

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

تامر فرج