المقال رقم 20 من 20 في سلسلة الخطية الأصلية في فكر الآباء

يستمر الحديث عن بعض ملامح فكر ق. ّ حول الخطية الجدية وآثار السقوط على الجنس البشريّ كله، من خلال كتاباته المتنوعة سواء كتب أو رسائل أو عظات ألقاها القديس نفسه في الكاتدرائية فيما يُعرف بـ”عظات المنابر“ أو ”العظات الكاتدرائية“. ونهدف في بحثنا الوقوف على أفضل تصور عن فكر ورؤية ق. ساويرس الأنطاكيّ للخطية الجدية وآثارها على الجنس البشريّ كله.

كتاب 'محب الحق‘

رفض التعليم بخطية الطبيعة أو طبيعة الخطية

يرفض ق. ساويرس الأنطاكي فكرة ”خطية الطبيعة“ التي أدخلها وس إلى اللاهوت اللاتيني الغربي، وينكر ق. ساويرس أن تكون الخطية طبيعية أو لها طبيعة، أو أن هناك شيء اسمه ”خطية الطبيعة“، كما أنكر ذلك ق. كيرلس الإسكندريّ هذا المصطلح والمفهوم الغريب عن الأرثوذكسية من قبله كالتالي: [1]

[2] 'فبسبب معصية ، أُصِيبت الطبيعة البشرية بالفساد، وصار عقلنا مضطربًا بالرغبات الجسدية، أي الحركات الطبيعية التي أُدخِلَت على الطبيعة، فنحن نقول إذًا، إنه كان من الضروري لأجل فدائنا نحن الذين على الأرض، أن يصير كلمة الله إنسانًا، لكي يجعل الجسد الإنسانيّ الخاضع للفساد والمريض بالشهوة خاصًا به، وحيث إنه هو الحياة ومُعطِي الحياة. فقد كان يُبِيد الفساد في الجسد، وينتهر حركاته الطبيعية، أقصد بالطبع تلك التي تميل نحو الشهوة. وهكذا بالحقيقة كان يُمِيت الخطية فيه‘. [3] مِن المناسب في البداية أن نُلاحِظ أن المعارض بحمقٍ زائدٍ، أعتقد أن القديس كيرلس يحتاج إلى حكمته هو. فبينما قال القديس: 'الحركات الطبيعية‘، أضاف هو كحكيم: 'التي أُدخِلَت على الطبيعة‘، كمَّن يصحح كلمات القديس. كأننا كنا سنعتقد أن القديس قال إن الخطية طبيعية، لو لم يُضفِ هذه الإضافة! لكن يظهر جليًا، أنه ولا في هذا الأمر أيضًا، ابتعد عن تهمة الجهل. فرغبة الأكل والشرب هي بالفعل حركات طبيعية للإنسان، إنما عندما تصل إلى حد الإفراط، فإن  [الإنسان] يُعاني من الشره. أيضًا الرغبة الفاضلة [أي رغبة الزواج] متأصلة فينا طبيعيًا، لكن عندما تتحول هذه [الرغبة] إلى شهوة، فقد سقطنا في الزنا. هكذا فإن هذه الحركات هي حركات طبيعية، بينما التغيير الناتج عن الخطية هو عرضيّ. فعندما يُسمِي القديس كيرلس الشهوة التي أصابت الحركات الطبيعية مرضًا، فكيف يَعتبر الخطية طبيعية؟ لأن المرض من الأمور التي تستجد من الخارج، ولا يمتلكها الإنسان طبيعيًا. وهكذا قال: 'والمريض بالشهوة‘، وأيضًا: 'وينتهر حركاته الطبيعية، أقصد بالطبع تلك التي تميل نحو الشهوة‘. لكن فلنأتي الآن إلى الموضوع المطروح.

(ساويرس الأنطاكي، كيرلس محب الحق)

النفس المخلوقة لا النفس المولودة

يستشهد ق. ساويرس الأنطاكيّ من رسالة ق. ّ الأولى إلى الرهبان ليؤكد على إيمانه بأن أصل النفس هو الخلق وليس الولادة، حيث يُعتبر ق. ساويرس الأنطاكي تلميذ أمين ووفي للقديس كيرلس السكندريّ، والتعليم بالنفس المخلوقة عند ق. ساويرس هو تعليم آباء الشرق اليونانيّ في مقابل تعليم أوغسطينوس بالنفس المولودة، حيث يؤكد أوغسطينوس في سياق تعليمه عن الأصلية أن النفس الإنسانية تُولَد حاملةً الخطية الأصلية رأسًا من آدم وتنتقل إليها عن طريق التوالد من الوالدين بيولوچيًا وطبيعيًا. ولكن يرفض ق. ساويرس الأنطاكيّ متبعًا ق. كيرلس السكندريّ التعليم بأن أصل النفس هو الولادة من الأبوين، بالتالي، يرفض انتقال الخطية الأصلية عن طريق النفس المولودة من الأبوين حاملةً للخطية الأصلية رأسًا من آدم كالتالي: [4]

[5]'لكن ربما تقول هذا: قل لي إذًا، هل العذراء صارت والدة اللاهوت؟ وردًا على هذا نجيب أن كلمة الله الحي والأقنوم، وُلِدَ بالحقيقة من نفس جوهر الله الآب، وهو المتمتع بوجود أبديّ بلا بداية زمنية، والموجود مع مَنْ ولده، ويُعرَف كائنًا فيه ومعه. إلا أنه في أزمنة الدهر الأخيرة، ولأنه صار جسدًا أي اتَّحد بجسد ذي نفس عاقلة، قيل عنه أيضًا أنه وُلِدَ جسديًا بواسطة امرأة. إن السر الخاص به يتشابه مع طريقة ولادتنا. ففي الحقيقة، إن أمهات أولئك الذين على الأرض، الخاضعات لطبيعة الإنجاب، لهن في بطونهن لحمًا، الذي قليلًا قليلاً يأخذ شكلاً جسديًا، وبفضل عمليات إلهية غير مُفسَّرة ينمو ويكتمل هناك مُحققًا هيئة إنسانية. ويغرس الله الروح في داخل الكائن الحي بطريقة هو وحده يعرف سرها. فهو 'جابل روح الإنسان في داخله‘ [6]، كقول النبي. لأن ماهية الجسد شيء، أمَّا ماهية النفس فشيء آخر‘.

(ساويرس الأنطاكي، كيرلس محب الحق)

حكم الموت على الجنس البشري

يشير ق. ساويرس في موضع آخر إلى أن حكم الموت صار على الجنس البشريّ بسبب معصية آدم، ولم يقل إننا نرث ذنب آدم أو خطيته، ويوضح أن الجنس البشريّ كان ينقصه الخلود بعد السقوط، ولذلك جاء المسيح ومات بالجسد وأقامه من بين الأموات ليُكمِل ما ينقصه، أي لكي ما يمنحه الخلود الذي كان ينقصه كالتالي: [7]

فبفضل تدخل الكلمة المتجسِّد، أُبطِلَت قدرة الموت عندما قام هو نفسه من بين الأموات، لأن الجسد القائم من الأموات هو خاص به. إذًا، ولأجل هذا السبب، جعل ضعفاتنا خاصة به، وأكمل نقصان جنسنا. فقد كان ينقصه الخلود، حيث حُكِمَ عليه بالموت بسبب معصية آدم.

(ساويرس الأنطاكي، كيرلس محب الحق)

الموت هو نتيجة طبيعية لضعف الجسد

يؤكد ق. ساويرس أن الموت هو نتيجة طبيعية لضعف الجسد، ولكن الله الكلمة القادر على كل شيء اتحد بهذا الجسد الضعيف ليمنحه القوة والحياة، وهكذا يدحض ق. ساويرس الأنطاكيّ التعليم ب الذي يؤكد على أن الله الآب أنزل عقوبة الموت على المسيح كبديل عن البشرية، وأنه احتمل عقوبة الموت نيابةً عنا كالتالي: [8]

الدفاع: التعرض للموت هو بالفعل نتيجة طبيعية لضعف الجسد. لكن كلمة الله القادر على كل شيء، الذي هو نفسه القدرة والحياة، قد وحَّد أقنوميًا معه هذا الجسد الضعيف المحيَي بنفسٍ عاقلةٍ. أمَّا أنه تألم في الجسد من أجلنا، فهذا تؤكده الكتب الإلهية [9]

(ساويرس الأنطاكي، كيرلس محب الحق)

الرسائل مع سرجيوس النحوي

مرض الخطية

يرى ق. ساويرس الأنطاكيّ أن الخطية ليست جزءًا من جوهر البشرية، بل هي عبارة عن مرض قد حدث كنتيجة للغفلة، داحضًا بذلك أي تعليم عن وراثة الخطية الأصلية؛ كما لو كانت جوهرًا أو كيانًا أو فعلًا يمكن توارثه بيولوچيًا أو بالتناسل والتوالد الطبيعيّ كالتالي: [10]

لذا فحينما تسمع أن الحبل بعمانوئيل قد حدث بطريقةٍ إلهيةٍ وطريقةٍ بشريةٍ في نفس الوقت، فكيف تنقُل عنه الخواص الإنسانية، التي قد قَبِلَها الكلمة المتجسِّد بإراداته؟ فإن لم نقُل إن الجسد كان قادرًا على قبول الأشياء التي تخصه باستثناء الخطية -لأن هذه ليست جزءًا من الجوهر، بل مرضًا قد حدث، كما قُلتُ، كنتيجةٍ للغفلة- فهو إذًا لم يكن قادرًا على احتمال الصليب لأجلنا، ولا على احتمال الموت. لكن مِن المعروف جيدًا أنه كان خاضعًا لهذه الأشياء التي كان للطبيعة أن تعانيها. الذي تجسَّد هو أيضًا الذي تألم بالجسد، بينما ظلَّ عديم التألم، لأنه الله.

(إيان ر. تورانس، ال بعد )

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. ساويرس الأنطاكي، كيرلس محب الحق، ترجمة: الراهب القس ، مراجعة: د. ، ، 2020، الباب الرابع، ص 468، 469. [🡁]
  2. الفصل الرابع والأربعون للمعارض [الخلقيدوني]: للقديس كيرلس، من نفس الرسالة إلى سوكينسوس (PG, 77, 233 C-D = ACO, I, I, 6a, 155. 5) [🡁]
  3. الدفاع [للقديس ساويروس الأنطاكي] [🡁]
  4. ساويرس الأنطاكي، كيرلس محب الحق، ترجمة: الراهب القس غريغوريوس آفا مينا، مراجعة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، الباب الرابع، ص 494، 495. [🡁]
  5. الفصل السادس والستون للمعارض للقديس كيرلس من رسالته الأولى إلى الرهبان [PG, 77, 21 A-B = ACO, I, 1 a, 15.7.] [🡁]
  6. سفر زكريا 12: 1 [🡁]
  7. ساويرس الأنطاكي، كيرلس محب الحق، ترجمة: الراهب القس غريغوريوس آفا مينا، مراجعة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، الباب الرابع، ص 615. [🡁]
  8. ساويرس الأنطاكي، كيرلس محب الحق، ترجمة: الراهب القس غريغوريوس آفا مينا، مراجعة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، الباب الرابع، ص 616. [🡁]
  9. رسالة ى 4: 1 [🡁]
  10. إيان ر. تورانس، الخريستولوچي بعد مجمع خلقيدونية (الرسائل بين القديس ساويرس الأنطاكي و)، ترجمة: راهب من ، مراجعة: الأنبا يسطس، دير الأنبا أنطونيوس، البحر الأحمر 2015، الرسالة الأولى لساويرس، ص 291، 292. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 0 حسب تقييمات 0 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ الخطية الأصلية في فكر الآباء[الجزء السابق] 🠼 الخطية الجدية عند ساويرس الأنطاكي [٢]
أنطون جرجس
بكالوريوس اللاهوت اﻷرثوذكسي في    [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد "، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎