
- الخلاص بالنعمة وحدها عند چون كالڤن
- الطبيعة البشرية الخيّرة عند ذهبي الفم
- مفهوم السينرچيا عند ذهبي الفم
- تدبير الخلاص عند كيرلس السكندري [١]
- ☑ تدبير الخلاص عند كيرلس السكندري [۲]
يستمر الحديث عن دحض أوهام البعض بوجود بدلية عقابية في تعليم ق. كيرلس السكندريّ، لاهوتيّ التأله والانجماع الكليّ في المسيح، من خلال عمل دراسة مقارنة بين تعليم ق. كيرلس السكندريّ حول تدبير الخلاص، وبين تعليم چون كالفن حول البدلية العقابية والكفارة، حيث يُعتبر چون كالفن أحد أهم منظري البدلية العقابية، إنْ لم يكن الممثِّل الأساسيّ لنظرية البدلية العقابية في شرح الفداء والكفارة، والهدف من هذه الدراسة المقارنة هو توضيح ما هي البدلية العقابية؟ وما هي عناصر التعليم بالبدلية العقابية؟ وكيف أقول إن هذا الأب أو غيره من آباء الكنيسة لديهم تعاليم عن البدلية العقابية.
الانجماع الكلي في المسيح ودحض البدلية العقابية
يدحض ق. كيرلس السكندريّ نظرية الإبدال العقابيّ، التي يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي أنها موجودةٌ في تعليم ق. كيرلس السكندريّ، حيث يُؤكِّد على فكرة وجودنا الكيانيّ في المسيح في أثناء صلبه كالتالي: [1]
ونحن قد صُلِبَنا معه لما صُلِبَ جسده الذي كانت فيه كل طبيعتنا الكاملة.(كيرلس السكندري، مقتطفات من تعليقات على رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية)
وهذا ما يُؤكِّده أيضًا ق. كيرلس في موضع آخر داحضًا فكرة البديل العقابيّ، ومُؤكِّدًا على فكرة شركتنا مع المسيح بالطبيعة في عمله الخلاصي، قائلًا: [2]
ومن أجل منفعتنا يقول إن الكلمة سكن فينا، لكي يرفع الحجاب عن السرِّ العميق، لأننا نحن جميعًا في المسيح، والجماعة المشتركة في الطبيعة الإنسانية ارتفعت إلى شخصه، وهو ما جعله يُدعَىآدم الأخير[3] واهبًا بغنى للطبيعة الإنسانية المشتركة كل ما يخص الفرح والمجد.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج1)
ويدحض ق. كيرلس فكرة البديل العقابيّ مُؤكِّدًا على أن المتَّحِدين بالمسيح هم مصلوبون معه قائلًا: [4]
وبطريقةٍ أخرى، فإن المتَّحِدين بالمسيح هم أيضًا مصلوبون معه، فإنهم إذ يقبلون الموت عن سيرتهم القديمة في الجسد، فإنهم يُعاد تشكيلهم إلى حياة جديدة حسب الإنجيل.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج2)
ويُؤكِّد ق. كيرلس على انتقال عملية الشفاء من المسيح إلينا نحن المشتركين معه في نفس الطبيعة البشرية كالتالي: [5]
وهكذا فإن الطبيعة الإنسانية في المسيح تنتقل إلى حالة أفضل وأكثر اقترابًا من الطبيعة الإلهية. وبهذه الطريقة -وليس بغيرها- فإن عملية الشفاء اجتازت منه إلينا نحن. لأن طبيعة الإنسان أُعِيدت إلى جدَّة الحياة، في المسيح نفسه أولاً -كباكورة، وفيه أيضًا قد حصلنا على الأمور التي تفوق الطبيعة. ولهذا السبب، فهو يُدعَى في الكتب المقدسةآدم الثاني[6].(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج2)
يُؤكِّد ق. كيرلس على اتحاد المسيح بكل الذين على الأرض في كل شيء ما عدا خطيتنا مشيرًا إلى فكرة وساطة المسيح بين البشرية والله كالتالي: [7]
ولن يستطيع أحد إطلاقًا أن يتَّحد بالله الآب إلا عن طريق وساطة المسيح. لأنه هو الوسيط بين الله والناس، فهو من خلال نفسه وفي نفسه يُوحِّد البشرية بالله. فحيث إنه مولودٌ من جوهر الله الآب، إذ هو الكلمة، والبهاء، والصورة ذاتها، فهو واحد مع الآب، لكونه في الآب كليةً، والآب كائنٌ فيه هو نفسه؛ أما من جهة صيرورته إنسانًا مثلنا، فهو يتَّحد بكل الذين على الأرض في كل شيء ما عدا خطيتنا، وهكذا فهو قد صار بمعنى كرابط بين ناحتين، إذ يحوي في ذاته كل ما يؤدي إلى الوحدة والصداقة.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج2)
ويُشِير ق. كيرلس إلى أن السبب الحقيقيّ والشامل لتجسُّد الابن الوحيد هو انجماع كل شيء في المسيح من أجل استرجاع كل الأشياء التي انحرفت إلى ما كانت عليه في البداية قائلًا: [8]
ونعرف أننا نحن أيضًا نكون فيه -بنفس الطريقة- وهو فينا. لقد قدَّم بولس الحكيم سببًا حقيقيًا وشاملًا لتجسُّد الابن الوحيد، عندما قال:إن الله الآب سُرّ أن يجمع كل شيء في المسيح[9]، وكونهيجمع في واحدفي الاسم والشيء معًا، فهذا معناه استرجاع كل الأشياء التي انحرفت بعيدًا، وإعادتها إلى ما كانت عليه في البداية. ثم إذ يريد أن يضع أمامنا بجلاءٍ طرقجمع كل شيءبالتفصيل قال مرةً:لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ[10]؛ ويقول في مرة أخرى:فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ[11]. وهكذا عندنا هنا طريقانلجمع الأشياء معًاقدَّمها بولس الرسول لشرح تعليم تجسُّد الابن الوحيد بحسب لزوم الأمر. ولكن هناك طريقة أخرى تشمل الطرق المتعددة، قدَّمها لنا البشير يوحنا. فهو يكتب عن المسيح هكذا:إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ[12]. هكذا، أظن أنه يتضح تمامًا ويظهر جليًا للكل، أنه لهذه الأسباب خاصةً قد صار الابن الوحيد إنسانًا، الابن الوحيد الذي هو بالطبيعة إله ومن الله؛ بقصد أن 'يدين الخطية في الجسد‘، ولكي بموته يذبح الموت، ويجعلنا أولاد الله، مجددًا بالروح الذين على الأرض وناقلاً إياهم إلى كرامة فوق الطبيعة. لأني أعتقد أنه حسن جدًا أن يجمع كل الأشياء معًا في واحد، ويعيد الجنس البشري الذي كان قد عثر وسقط إلى الحالة الأولى.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج2)
وهكذا يُؤكِّد ق. كيرلس على أن الآب قرَّر أن يجمع طبيعة الإنسان معًا في المسيح ليردها مرةً أخرى إلى حالتها الأولى كالتالي: [13]
ولذلك فإن الله الآب قرَّر أن يجمع طبيعة الإنسان معًا في المسيح مرةً أخرى ليردها إلى حالتها الأولى، وأراد أن يتحقَّق هذا بالمسيح.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج2)
ويُشدِّد ق. كيرلس على وجودنا الحقيقيّ في المسيح بسبب مجيئه في الجسد، داحضًا بذلك أي كلام عن أننا جسد رمزيّ أو اعتباريّ، بل أننا جسد حقيقيّ للمسيح قائلًا: [14]
فالمخلِّص الذي هو الحياة بالطبيعة صار إنسانًا إذ لبس طبيعتنا، وذلك لكي يُحرِّر أولئك الذين هم تحت دينونة اللعنة القديمة، من الفساد والموت. لأنه هكذا قُهِرَت قوة الموت، وتلاشى سلطان الذي سيطر علينا. وحيث إن الطبيعة الإلهية خالية تمامًا من أيّ ميل نحو الخطية، فقد رفعنا ومجَّدنا بواسطة جسده الخاص. لأننا فيه يكون لنا جميعًا وجود حقيقيّ، بسبب مجيئه في الجسد.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج2)
ويُوضِّح ق. كيرلس أن موت المسيح على الصليب لم يكن نتيجة إلزام بشري أو نتيجة طغيان شخص آخر ضد إرادته، بل بدافع حبه الأصيل قدَّم نفسه لأجلنا ذبيحةً بلا لوم للآب، فلم تكن ذبيحة المسيح ترضيةً للآب، بل بدافع الحب منه للبشر كالتالي: [15]
يُدافِع البشير الحكيم جدًا بطريقةٍ نافعةٍ عن الآلام الخلاصية، ويبين أن الموت على الصليب لم يكن نتيجة إلزام بشريّ، ولم يعان المسيح الموت نتيجة طغيان شخص آخر ضد إرادته، بل بالحري قدَّم نفسه لأجلنا ذبيحةً بلا لوم لله الآب بدافع حبه الأصيل. فحيث إنه كان ينبغي أن يتألم لكي يُبطِل ما دخل من فساد وخطية وموت، فقد أعطى نفسه فديةً عن حياة الجميع.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج1)
يُشِير ق. كيرلس إلى أن الكل كان موجودًا في المسيح بصيرورته إنسانًا، وهكذا مات بالجسد لأجلنا ليقيم طبيعتنا كلها معه، وقَبِلَ الروح القدس في جسده لأجلنا لكي ما يُقدِّس طبيعتنا كلها كالتالي: [16]
وأيضًا إذ هو الحياة بالطبيعة، مات بالجسد لأجلنا، لكي يغلب الموت لأجلنا، ويُقِيم طبيعتنا كلها معه، لأن الكل كان فيه بصيرورته إنسانًا، وهكذا أيضًا قَبِلَ الروح القدس لأجلنا، لكي ما يُقدِّس طبيعتنا كلها. لأنه لم يأت لكي ينفع نفسه، بل لكي يصبح لنا جميعًا، الباب والبداية والطريق لكل الخيرات السمائية.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج1)
ويدحض ق. كيرلس نظرية البدلية العقابية مُشِيرًا إلى أن الآب أعطانا ابنه فداءً عنا، بحيث أن موت الكل حدث في المسيح، لأن الكل كان فيه كالتالي: [17]
لقد كنا مُستعبَدين لخطايا كثيرة، خاضعين للفساد والموت، فأعطانا الآب ابنه فداءً عنا. الواحد عن الكل؛ لأن الكل فيه، وهو فوق الكل. واحد مات عن الكل، لكي يحيا الكل فيه. لقد ابتلع الموت 'الحمل‘ الذي كان ذبيحة خطية للكل، ولكن الموت تقيأ الحمل ومعه كل الذين فيه. لأننا جميعًا في المسيح الذي بسببنا ولأجلنا مات وقام. لقد أبيدت الخطية، فكيف يبقى الموت الذي نتج عنها وبسببها، ألا يتلاشى هو أيضًا وينتهي إلى لا شيء. لقد مات الجذر، فكيف تعيش الأغصان أو تبقى؟ وكيف نموت نحن، بعد أن أُبِيدت الخطية؟ لذلك نُسرّ بذبيحة حمل الله، ونقول:أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟[18].(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج1)
ويُؤكِّد ق. كيرلس أيضًا في موضع آخر عن الانجماع الكليّ للبشرية في المسيح داحضًا نظرية البدلية العقابية قائلًا: [19]
ولا يوجد أدنى شك في أن جرائم عصيان آدم، قد وجدت حلًا بالمسيح؛ لأنه كما هو مكتوبصار لعنةً لأجلنا[20]، مُحرِّرًا الأرض من اللعنة القديمة. ونقول حقًا إن الكُل انجمع بواسطته إلى حالته الأولى التي أعطاها الله الآب. إذًا،إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا[21]. لأنه هو آدم الثاني وبطاعته، أبعد عنا تهمة الإنسان الأول، أقصد العصيان بالتأكيد، الذي صار في بدايات الخليقة.(كيرلس السكندري، الجلافيرا على سفر التكوين)
يُفرِّق ق. كيرلس السكندريّ بين الهرطوقيّ والأرثوذكسيّ بشكلٍ واضحٍ في مسألة أننا ككنيسة جسد المسيح الإفخارستي قائلًا: [22]
وحيث أن الهرطوقيّ في حماقته، يريد أن يُروِّج لآرائه الزائفة، ويقول: إنَّ أيّ مُجادلة لن تجعل الذين يُحرِّفون معنى الكلمات التي أمامنا عن معناها السليم، ويَعتبرونها تُشِير إلى تجسُّد المسيح، لأننا لم نتَّحد به بالجسد، ولا الرسل يثبتون في جسد المسيح كأغصان، ولا هم كانوا مُرتبِطين به بهذا الشكل، بل عن طريق وحدة الفكر والإيمان الحقيقي. والآن فلنُجاوِب على هذا الكلام باختصار، ونُبيِّن للهرطوقي أنه قد انحرف تمامًا، وهو لا يتبع الكتب المقدَّسة باستقامة. فكون أننا مُتَّحِدون روحيًا بالمسيح بما يتطابق مع المحبة الكاملة، فهذا لا يُنكِره بيان عقيدتنا بأيّ حال، فنحن نعترف أن المعترِض على صواب في قوله من هذه الجهة، ولكن أن يقول إنه لا توجد أي إشارة في المثل إلى اتحادنا بالمسيح بالجسد، فنحن سنُوضِّح أن كلامه هذا يتعارض تمامًا مع الكتب الموحَى بها، لأنه كيف يمكن أن يُجادِل أحد، أو هل يُمكِن لأيّ إنسان ذي فكر مستقيم أن يُنكِر أن المسيح هو الكرمة من ناحية جسده؟ ونحن لكوننا أغصان حسب الرمز [أي رمز الكرمة والأغصان]، فإننا ننال في أنفسنا الحياة النابعة منه، كما يقول بولس:لأننا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، فإننا نحن الكثيرين خبز واحد […] لأننا جميعًا نشترك في الخبز الواحد[23]. ما هو سبب هذا وهل يستطيع أحد أن يُعطِينا تفسيرًا بدون الإشارة إلى قوة السر المبارك؟ ولماذا نحن نتناوله ونأخذه داخلنا؟ أليس لكي يجعل المسيح يحل فينا جسديًا أيضًا بالاشتراك في تناول جسده المقدَّس؟ أنه يجيب بصواب قائلًا نعم هو كذلك. لأن بولس يكتب هكذا:أن الأمم شركاء في الجسد، وشركاء المسيح في الميراث[24]. كيف يكونون أعضاء في الجسد؟ ذلك بسبب دخولهم [أي الأمم] ليشتركوا في الإفخارستيا المقدَّسة، وهكذا يصيرون جسدًا واحدًا معه مثل أيّ واحد من الرسل القديسين!(كيرلس السكندري، تفسير انجيل يوحنا مج2)
صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]