قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة.
مشغوليه الله بالآباء والأبناء
هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ(سفر ملاخي 4: 5)
إيليا النبي سيأتي قبل مجيء يوم الرب، فماذا يُنتَظَر من مجيئه، خاصةً أن هذا اليوم عظيم ومخوف حَسَبَ ما ذكره ملاخي في إصحاح 3: 3؟
كثير من المواعِظ قيلت عن يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، وما كُتب عنه ربما أكثر مما قيل. فهل هذا المجيء للتحذير أم للعقاب؟ ومتى سيحدث هذا المجيء؟ بل ما المعنى المقصود بيوم الرب؟ خاصةً وأن ملاخي يكمل كلامه قائلًا:
فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ(سفر ملاخي 4: 6)
فما المناسبة التي جعلت ملاخي يتكلَّم عن “رَدْ القلوب” هنا؟ ومن منا يمكنه أن يتصوَّر أن المجيء يتبعه رَدْ قلوب الآباء على الأبناء، والأبناء على الآباء؟ هل هو يوم لجمع شمْل الأسر والعائلات؟ هل أن الله مشغول ليرُد قلب الآباء للأبناء في ذلك اليوم؟
فعلًا رأى شرَّاح العهد القديم في هذا العدد من ملاخي أن الرب يجيء ليرُد السلام والتوافق الاجتماعي للجماعة، ولهذا فإن قراءة التقليد اليهودي (النص الماسوري) تكرِّر العدد 5 مرة أخرى بعد العدد 6، أي إن القراءة تكون هكذا:
هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ، فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ”. هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ(النص الماسوري)
هذا الترتيب في القراءة مقصود منه ألّا ينتهي العهد القديم بتهديد ولعْن.
فعلًا يتكلم ملاخي عن مشاعر واهتمام الله، ويُفهَم من هذا العدد أن الله يقدِّم وعدًا جميلًا للعائلات، وأن مشغوليته محبة وليس مجرَّد أمر أو وصاية على حياتنا، بل عِلاقة قوية توسِّع دائرة وعود الله وصِدق هذه الوعود التي يبدو أنها تشمل كل تفاصيل الحياة.
نعم تعترف الكنيسة بأن وعود الله غنيِّة وصادِقة، وأن الكتاب المقدس بعهديه يمتلئ بالوعود، وهنا في ملاخي وعد مُحدَّد يقدم عنايةً محدَّدة تدفع من يقرأ الكتاب المقدس ليتكشَّف وعودًا كثيرة لم يعهدها من قبل. هي عهود أكبر وأوسَع مما تكون إطارًا عامًا (بالبَرَكَة)، أو “الخلاص” أو “النعمة” وغيرها من الوعود العامة، إنها وعود تفصيلية والالتفات إليها يعمل على إيجاد الإحساس المُرهَف بوعود تشمل أدق ظروف الحياة وتنوُّعاتها المُختلِفة، ويحفِّز الإرادة لتحقيق الوعود، فالإصغاء إلى الله وهو مشغول بالأسرة لتنعم بهذا السلام، يحفِّز الإرادة لتكون حاضرة لتتميم وعد الله برَدْ القلوب، وبذلك يمكن تحقيق الوعود نتيجةً لهذا الفهم والوعي بها.
كما هو معروف أن العِلاقة بين الأجيال غالبًا ما يصيبها سوء تفاهم وربما انفصال بين الآباء والأبناء، بين الجيل القديم والجيل الجديد، وهو ما يحدث سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع. وتتواصل هذه الحالة حتى يتحقق رَدْ القلوب “رّدْ قلب الأبُّ إلى ابنه، ورد قلب الابن إلى أبيه “وهي حالة تتطلَّع إليها كل الأجيال وَسْط صِدام الأجيال وتضاد المواقِف، وتغيُّر الثقافات، فهنا مُعادلة ليست سهلة، لكن بَرَكة الوعد المحدَّد من الله تحقِّق تطلُّع العائلات إلى فَهم جديد يدفع كلا الجيلين القديم والجديد إلى تصحيح مفهومه ويعيد تأكيد اعتماديته على الجيل الآخر فتنشأ روابط أقوى مما كان موجودًا وعلاقات قوية، وهذا هو سر العِلاقة المتواصِلة غير القابِلة للكسْر في العائلة.
في العهد الجديد قال الملاك لزكريا عندما كلَّمه عن ميلاد يوحنا المُعجِزِي:
وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ، لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا(إنجيل لوقا1 : 17)
هذه الأعداد مليئة بالفرح والبهجة: فرح وابتهاج لزكريا. فرح لكثيرين، عَظَمة ليوحنا. تهيئة شعب مستعد للرب. هي ليست أوامر أو قيود تعكِّر صفو أي ممن ذُكروا في النص، بل وعد عظيم بأفراح كثيرة.
وأيضًا قال يسوع:
فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ(إنجيل متى 5: 23، 24)
فبأي إحساس ومشاعِر تأتي هذه النصوص سواء في كلام الملاك أو كلام يسوع؟ هل كلامه وصيِّة أم أمر؟ أم أنه يتكلَّم بإحساس الأبُّ وبقلْب الأم وأقصى أمانيهما هو اتحاد الأبناء وحبهم واهتمامهم بعضهم ببعض؟ عندما لا يقدر الإنسان على التمييز بين الإحساس والمشاعر المحبة والعناية فالخسارة تكون فادِحة إذ ينقلب لطف الله ورقّته وحبه إلى حِمل يسقط الإنسان تحته.
لهذا من النافع تمييز مغزى كلام الله ووعوده المحدَّدة واستيعابها والالتفات إلى ما يريده الله لحياتنا من عِلاقة مُبارَكة معه وليس مجرد وصايا وأوامر فتتزايد ونمو هذه البَرَكَة وتنمو وتنتقل من الأسرة، إلى الكنيسة، والمجتمع كدوائر أوسع تغمرها البَرَكَة والفرح والسلام.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- هل التطور ضد الله وضد الدين؟ هل التطور بيتعارض مع وجود إله؟ هل التطور بيتعارض مع الدين؟ السؤالين دول في الواقع سؤالين مختلفين، وإجابتهم هما الاتنين: “على حسب!“. التطور (وأي فكرة علمية) مش بينفوا وجود إله في المطلق، لكنهم دايمًا بينفوا تصورات معينة عن الألوهة. ومن الملاحظ إن العلم دايمًا بيميل لنفي التصورات الـAnthroppmorphic عن الله (يعني التصورات اللي بيتم فيها......