ذكرنا في مقال سابق أن من ضمن الأسباب الأساسية للتجسد الإلهي كان استعلان جوهر الله في ذاته أنه آب وابن وروح قدس.
والتجسد الإلهي لاستعلان ذات الله من واقع كيانه إنه إله واحد في ثالوث. التجسد الإلهي هو استعلان المسيح أنه: ابن حقيقي وحيد للآب، طبيعي وأصيل من جوهر الآب الذاتي. وأن المسيح هو حكمة الله، وأنه الكلمة الحقيقي والوحيد لله. وأن المسيح ليس من الخليقة ولا هو مصنوعاً، ولكنه ابن لذات جوهر الآب. لذلك فالمسيح هو إله حقيقي كائنٌ كياناً واحداً مع ذات الآب. و المسيح هو بمثابة استعلان لذات الآب ”رسم جوهره“، نور من نور، فنخاطب الآب والأبن في صلاتنا قائلين ”بنورك يا رب نعاين النور“.
المسيح هو قوة الآب ونفس الصورة الحقيقية لجوهر الآب. من أجل ذلك يقول الرب يسوع المسيح: ”من رآني فقد رأي الآب“، والمسيح [كائن] منذ الأزل ، و[يكون] أيضاً للأبد، و[يستحيل قط ألّا يكون]:
”والكلمة كان الله“
(يوحنا 1:1)
”الكائن الذي كان والذي يأتي“
(سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 8)
”الكائن علي الكل إلهاً مباركاً إلي الأبد آمين“
(سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 9: 5)
إن الدور الذي أضطلع به الابن -عندما تجسد- في إعلان الآب لم يكن عملاً زمنياً مؤقتاً محدوداً بإرسالية التجسد. فهو لا ينتهي بأن يُخضِع الأبن كل شئ للآب:
وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ للهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ….. وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.
(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 24، 25، 28)
بل هذه الصورة التي نقلها لنا ابن الله بالتجسد عن الآب هي من صميم جوهر الله الواحد الثالوث غير المُدرَك وغير المنظور : ”من رآني فقد رأى الآب“، أي مِن واقع علاقته الجوهرية والذاتية بالآب. فالأبن هو صورة الله أزلياً أبدياً، وليس من واقع إرساليته فقط أو عمله الزمني المؤقت. فحتى بعد أن يُخضِع المسيح كل شيء لله والخليقة لله، ويسلِّم المسيح غنيمته التي أغتنمها لحساب الآب -وهي خلاصنا وإخضاع أعداء الخلاص- فإن الابن سيظل صورة الآب الجوهرية وشعاعه المعلِن عنه، كما كان كذلك سيكون إلى أبد الآبدين.
أما قول بطرس إن ابن الله ”صار رباً ومسيحاً “ فإنما يتكلم عن ربوبيته علينا، حينما صار إنساناً وفدانا على الصليب، فصار ربَّاً وملكاً على الكل، أي اكتسبنا نحن لملكوته وربوبيته.
وإذا كان قد مُسِح بالروح القدس، فليس لكي يصير إلهاً وملكاً لأنه كذلك إذ هو صورة الله أبدياً. ” عرشك يا الله (الكلام هو عن المسيح بصفته ابن الله) إلى دهر الدهور. قضيب البر هو صولجان مُلكِك، لقد أحببت البر وأبغضت الإثم. لذلك مسحك الله إلهك (الكلام هو عن المسيح بصفته ابن الإنسان) بزيت البهجة أكثر مِن رفقائك (الكلام عن البشر شركاء المسيح في الجسد)“. وعلى هذا الفهم الآبائي كان اقتباس المركز الإعلامي لقداسة البابا تواضروس الثاني في عيد الغطاس المجيد هذا العام 2023. فقد أثلج قلوبنا لأنه عودة الوعي الآبائي الكتابي و “رد قلوب الآباء إلى الأبناء”.
والسُبح لله
بقلم د. رءوف إدوارد
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟