قدم الأب متى المسكين رؤية لاهوتية مغايرة تماما للعبارة التي تقول ”بينما يتباحث اللاهوتيون يدخل البسطاء الملكوت“.
ويذكر الأب متى المسكين الآتي:
”إن التعليم اللاهوتي لا يمكن تصنيفه مع التاريخ، فلا هو تاريخ الماضي ولا تاريخ الحاضر ولا المستقبل، لأنه لاهوت الكائن الذي كان، الذي يأتي، الأول والأخِر، البداية والنهاية معاً “.
ويضيف: ”إن التعليم اللاهوتي لا يندرج تحت مفهوم المعارف والعلوم التي يستزيد منها الإنسان لمعرفة أكثر أو لثقافة أفضل، بل إن التعليم اللاهوتي تنصهر كلماته في الحق نفسه الصادر من ”اللوغوس“ شعاع النور الأزلي، كلمة الله الخالق المحيِّي الفعَّال، فتصير مَدرَجاً لارتقاء الإنسان في هذا النور فوق ذاته وفوق كيانه وفوق كل مدركاته لبلوغ ذات المصدر المحيَّي والالتحام بالكلمة الأزلي، لا في مفهوم المعرفة المجرَّدة، بل في إدراك سرَّ الخلق والدخول في صميم الحق والحرية والقداسة التي منها ومن أجلها خُلق الإنسان وإليها يسعى ويلتحم، التي هي كمال الغبطة والحب والسلام في الله لكي يصير الله الكل في الكل، كالنور الذي يبتلع الظلال“.
ويتابع: ”اللاهوت نتصوره كما نتصوَّر النجم في السماء، ولكن من العسير أن نحصل على حقيقة أبعاده فهو “قد جعل نفسه كل شيء لكل أحد” مثلما كانت أخلاق وليونة بولس المتعددة الجوانب بالرغم من غيرته وحدَّة بصيرته في الدفاع عن الحق في صلابة وثبات لا ينثني“.
ويقول: ”اللاهوتي يستلم الإيمان الرسولي من الآباء والرسل دون أن يضيف على أصوله شيئاً، ويكون شارحاً ومدافعاً له حتي الموت… ويكتب ما رآه وما سمعه من فم الحكمة ذاتها التي أعطته الفطنة ليبدد أقنعة الظلام فيستعلن الله حاضراً في الكون ومتكلماً في إنسان“.
ويؤكد: ”اللاهوتي هو أكثر من واثق، فمِن خلف مواقف العنف تشع كلماته بالنصرة الأكيدة، وتنبض بفرح الرائي الذي يرى الحق وهو في سبيله لتبديد الظلمة المعاكسة التي مآلها حتماً إلى زوال“.
ويوضح: ”اللاهوتي يسير على القانون الروحي القائل بأن الأرثوذكسية عليها أن تشرح الإيمان بالإقناع وليس بالقوة“.
ويقول: ”النصرة في حرب الإيمان ليست مسألة سيوف أو منطق كلام أو سلطان إنسان، بل إيمان وإنجيل وتقليد وتقوى. والتقوى صِدق والتزام بنص الإنجيل عملاً وسلوكاً، لتأتي بَعد ذلك، الكلمة فعَّالة ونيِّرة، والحجة ملهِمة رادعة بقوة السماء لا بسلطان الناس“.
كما يقول: ”اللاهوتي يتحمل الاضطهاد ولا يَضطهد أحداً قط“.
ويشير إلى أنه ”تكثر مدارس الدين العقلانية منذ العصور الأولى، التي فيها يدرسون الدين كفلسفة يندرج تحتها كل التعليم اللاهوتي كمواضيع نقاش وتحليل، حيث الرجوع فيها دائماً إلى المنهج الفلسفي القائم على تعالي فكر الإنسان فوق تنازل الله في سر التجسد حسب صلاحه… وحيثما التعالي على محبة الله الآب التي أعلنها لنا في المسيح كلمته الذاتي الأزلي، ابنه الذي بذله من أجلنا أجمعين لكي نحيا، فإنه بذلك تتوارى وتغيب حقيقة الخلاص وحقيقة الله برمتها، ويتعطل انتقالهم من الموت إلى الحياة، ويخرجون من الكنيسة مثلما خرج آدم من الفردوس“.
ويوضح: ”هكذا فإن عظمة التعليم اللاهوتي أنه استنارة لمعرفتنا عن الشركة التي في سر الثالوث المقدس -شركة حب وحياة وفرح الآب في ابنه- كأعظم مصدر للحب والسرور وبهجة الخلاص لنا. ليس بالجدل والمناظرة والمقارنة الجافة بل الدخول الحقيقي والعملي في سر الشركة المفرِحة والحياة الأبدية بالثالوث وفي الثالوث المقدس“.
وختاماً نكرر بأن معرفة اللاهوت والعقيدة المسيحية أساس التقوى في منهج الروحانية الأرثوذكسية. فالعقيدة المسيحية في المفهوم الأرثوذكسي هي تسبحة الداخلين إلى الملكوت، فاللاهوتي هو الذي يصلِّي ويسبِّح باللاهوت كما في كل تاريخ صلوات الكنيسة القبطية. الذي يصلِّي هو لاهوتي.
والسُبح لله
بقلم د. رءوف أدوارد
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟