حدادًا على الذين انتقلوا،
وعهدوا إلينا بإصلاح سفينة مثقوبة،
من أجل إيمانهم الذي صنع لنا أملا،
صرنا لا نكتب عن حداد وحزن،
وإنما نكتب عن حنق وسخط!

بعد أن كان للأقباط الأرثوذكس، فلاسفة، يرفعون الوعي القبطي على مستويات مفتخرة مثل “الفرق بين الرأي والعقيدة” [1]، أصبح الوضع مؤسفًا، والمستقبل بلا علامات، ولا مستقيم!

قُتل الفلاسفة في قلب أديرتهم… حورب من يرفع الوعي بشكل مؤسسي واتهم بالهرطقة والزندقة… وعادت ريمة لعادتها القديمة، وأمسك الميكروفون كاهن عظيم، وسطحي، ولا يعي الفرق بين “الإيمان” و”العقيدة” و”الفكر” و”الرأي” [2] من حيث درجات اليقين، وتوابع هكذا تسطيح علي السلوك البشري… أو مسالة في صميم مثل مسألة “قبول الآخر”، واستشكالات “احتكار الحقيقة”، وعجرفة “امتلاك المعرفة”، وعنصرية “الفِرْقَة الناجية” تجاه بقية الفرق الغير ناجية… وتأثير كل ما سبق على السلام المجتمعي من رجل دين يفترض إن كتابه المقدس يطوّب “صانعي السلام” ويدعوهم بأبناء الآلهة. [3]

المسيحية ديانة قائمة علي نشر الحب الإلهي بين البشر… مسيحنا قال لنا: “سالموا الناس قدر طاقاتكم” [4] و”كن مراضيًا لخصمك ما دمت معه في الطريق” [5]. بل يصل الانفجار الإلهي أقصاه في المقولة اﻷشهر “أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم” [6]، بينما لو تركنا الكلام واللسان النظري وتأملنا الواقع فلن تجد خمسة من الكهنة، بل ولا حتى أثنين من الأساقفة، يستطيعون الخطابة في أي موضوع (حتى وإن كان “عزاء مَيِّت”!) دون تحويله لحرب أهلية ضد المذاهب التي من نفس دينهم. ولا يستحي الفاجر منهم من مهاجمة المَيِّت ذاته [7] -والذي لم يُدفن بعد ونعشه مازال بظهر المتكلِم- لكونه لم يشاركنا كراهيتنا للطوائف المنافسة، وأحب أصحاب المعتقدات الأخرى، وأطاع الله أكثر مما أطاع أساقفة الكراهيَة.

هناك بحوث وكتب تاريخية مرعبة عن نشأة الحروب المذهبية والطائفية، قد لا يعلمها تلميذ إكليريكي متدرب، لكن ماذا عن محاضر وخريج قديم وكاهن عظيم ومسؤول وممحون ومتدين وعضو مؤسس لجمعية “نحن بنات عائلات محترمات، عاشقات للقدر يضربنا سبنكات”؟ وماذا تكون ال التكفيرية سوى إقناع الناس إن “رأيك” -الأصولي الصدامي- هو “عقيدة” أرثوذكسية و”إيمان” مقدس؟ كاهن عظيم قد رشّ الشيب على رأسه دون أن يعلم إنّ الفارق بين “رجل الدين” وبين “الإرهابي” هو فقط مسالة “توظيف” لتأثير الدين في النفوس؟ [8]

ليس هناك مشكلة جادة في إن يكون لدينا كاهن ساذج ضحل المعرفة. في الحقيقة أنا معجب كثيرًا بشجاعته في إعلان حيرته الإنسانية وضعفه البشري، وإنه يفكر بصوت عال ويقول بصدق إنه لا يرى الفرق (المعلوم عند الفلاسفة) بين مصطلحين مختلفين، وكل اعتراضاتي إنه بنى علي “إنطساس نظره” بيوتا وأبراجا محفوفة بالخطر هو -كساذج- ﻻ يدرك تبعياتها وتأثيرها وفادحة فواتيرها.

“رجل الدين”، يعتبر العامة خطابه: “كلام الدين”… وعندما نقيم خطابه بأنه كلام جهل أو سطحية مدمرة، يعتبرنا العامة نهاجم الدين… ويكفرننا نحن ويتركنه هو… والأعجب إن الناس تحاسب الناس وتترك رجل الدين معتبره إياه “عبيط” أو “ميقصدش”، وكانه عيّل غير مسؤول عن كلامه وتوابعه الكارثية!!

يهبد رجل الدين كقروي نخّاع يهجص فيما يجهل… يهبد في التاريخ وفي الجغرافيا ويهبد في الميكروبيولوجي ويرزع في علم الاجتماع رزعًا مبينًا… كبسولات مبتسرة تناسب سرسجية التيك أواي وفتاوى عن الغيب صادرة عن مديوكر بكل ثقة ويقين لا أعلم كيف تأتيهم جرأة التقول به بغير مرجعية قوية.

بالتأكيد لا يلحظ الفرق بين “الإيمان” وبين “الاعتقاد” لطالما يرى النسبية مجرد عدو غير مفهوم… فالاختلاف معه إذن قد يساويه بالاختلاف مع “داود” آخر برتبة “نبي”، وقد يساويه بالاختلاف مع الله شخصيًا، إذ لن يتسع العقل الأصولي لاستيعاب الفارق في درجات الثقة بين أقوال المسيح وأقوال أو حتى أقوال الكاهن المتهم في قضية آداب… سلطة الله تتساوى عنده مع سلطة البشر، فهي مسألة ثقة مطلقة غير نسبية، وليط يا حبيبي ليط علي كيف كيفك طالما طقم البساطة والمحن والزحفطونية المتواضعة -عدة الشغل- انت ظابطها كويس.

رجل الدين سلطته ﻻ روحية وﻻ زمنية، رجل الدين سلطته أبوية… اﻷب لا يُحاسب… لا يُمس… لا يُرد عليه… اﻷب لا يُناقِش الأبناء كرجل يطرح رأيا على طاولة البشر، بل يصّرح تصريحات كمتحدث رسمي عن الله شخصيًا… يُكرم “تلييط” الأب الحنيّن الراعي العطوف الرحمّن الرحيم ذو الجلال والإكرام… والأسقف الذي يرأسه يعظنا عن سلطة الـ”حنيّنين” الكهنوتية… الناعمة بس شقية… وفي آخر الليل، يقتسموا غنائم عشوري ونذوري وطاعتي كحق مكتسب… ويدعون هذا الكهن: “سرا مقدسًا” عيني عينك، على أساس أن القبطي المعياري الأسمر هو أيضا لن يلحظ الفرق بين الكهن والكهنوت، ولن يطبق “من ثمارهم تعرفونهم” [9] لانتفاء التفلسف والعقلية النقدية أو التدريب عليها… جزء يسير وثمن هين في مقابل الإطاحة بالرقابة الشعبية علي الكهنوت لأننا “مش عايزين صداع هنا”. ومن أمن العقاب أساء البرطعة في حقول الرب المجانية.

الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة!
من ثمارهم تعرفونهم.
هل يجتنون من الشوك عنبا، أو من الحسك تينا؟
لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارا ردية، ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارا جيدة.
كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار.
فإذا من ثمارهم تعرفونهم.

(المسيح كما رواه متى، الإصحاح 7 – 15 : 20)

بثياب الحملان 1المشكلة التي تفزعني دوما هي الاستجابة الشعبوية من جحافل السرسجية والمريدين والاتباع وجموع الزومبي، والذين لا يرون في الاعتراف بالجهل المعرفي -في بداية الخطبة- سوى تواضعًا أخلاقيا حميدًا، ومن ثمَّ، جعلوا من الجهل فضيلة، يمكن أن يُبنى عليها “دين”، طالما صدرت من “رجل دين”، يمارس عمله اليومي، والمفترض إنه مؤهل له.

بثياب الحملان 3وطائفة الزومبي الأرثوذكس، في مصر، كبيرة عن بقية الطوائف، وهاتك يا نشر في الصفحات الدينية تحت عناوين التعبئة والحشد وإعلان الحرب تجاه الآخرين: “ يرد على الباستير ”… هذا وقد قامت طائفة الهنود الحمر بدق طبول الحرب علي ال تحت زعم أن ده الكلام الأرثوذكسي المتين! بالطبع أي انغلاق في القناعات هو أرثوذكسية ثقافيا، لكن كيف نفهمهم أن هذا “حاجة تكسف”؟

بثياب الحملان 5تضخيمٌ أجوفٌ ﻻ يحتمل عراك الطوائف والكلام التكفيري الكبير. وبتقديري الموضوع في عقلية ضحلة مثل هذا الكاهن الزحفطون [10] لن تتخطى محاولة مرتعشة لدعم أسقفه المرعوش في الهبد المقدس الذي قاله في جنازة كاهن مَيِّت، وهو مصمم على قتله من جديد معنويًا عن طريق قتل ذكراه… لكن من سيفهم هذا الكلام؟ من يقدر أن يعترف باستخدام الخطاب الديني في المكائد والكيد الطائفي والمذهبي، تاركًا فرصة لتصدير كراهيته وأمراضه واعتبار “الاعتراف بالجهل” قد صار يكفي لتحريك العقيدة الحربية للمواطن القبطي الأسمر الذي صار ينافس الهنود الحمر في الصياح والفشل؟

” إحنَا آسفين يا سامح! ”

” إحنَا آسفين يا أبونا مكاري! “

هوامش ومصادر:
  1. الفرق بين العقيدة والرأي، محاضرة أبينا المتنيح اﻷنبا إبيفانيوس، الجزء اﻷول (مقطع فيديوي). [🡁]
  2. خطاب الأب داود لمعي إلى القس سامح موريس، عقب نياحة اﻷب (مقطع فيديوي). [🡁]
  3. إنجيل متى 5: 9. [🡁]
  4. رسالة إلى أهل رومية 12: 18. [🡁]
  5. إنجيل متى 5: 25. [🡁]
  6. إنجيل متى 5: 44. [🡁]
  7. كلمة نيافة اﻷنبا رفائيل في جنازة اﻷب مكاري يونان (مقطع فيديوي). [🡁]
  8. كل المسيحيين إيمانهم واحد، أرشبيشوب كيرلس كيرلس ينتقد خطاب اﻷب داود لمعي (مقطع فيديوي). [🡁]
  9. إنجيل متى 7 – 15 : 20. [🡁]
  10. زحفطون: مفردة أدبية جديدة نشأت من تزاوج “الزحف” مع “البطون”، فأنجبا الزحفطون، وهو كائن نصف بشري يزحف على بطنه كلما تحدث. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

باسم الجنوبي
[ + مقالات ]