يتزامن موعد عيد القيامة هذا العام (2025) بين الكنائس الشرقية والغربية، وهو ما يحدث كل بضعة سنوات، على الرغم من اختلاف طريقة الحساب بين الفريقين.
كذلك تحتفل جميع الكنائس التقليدية العام الحالي بمرور 1700 عام على انعقاد مجمع نيقية المسكوني، والذي شهد الاتفاق على قاعدة ثابتة للاحتفال بعيد القيامة، وهو ما يعطي زخمًا أكبر لدعوات توحيد موعد العيد.
تردد أن اجتماع رؤساء الكنائس الأرثوذكسية المشرقية الثلاثة (القبطية والسريانية والأرمنية) الذي عقد في القاهرة في مايو 2024 تناول هذا الموضوع. كذلك صرح البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في عظته بختام أسبوع الصلاة لوحدة الكنائس الذي أقيم في يناير 2025، بأن الكنيسة الكاثوليكية على استعداد لقبول التاريخ الذي يريده الجميع [1].
وللأسف، قوبل طرح هذه الفكرة بردود فعل عنيفة غير مبررة من بعض القطاعات داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تحديدًا من الذين يرفضون أي تغيير بحجة الحفاظ على التسليم والدفاع عن الإيمان.
سنحاول في هذه السلسلة شرح مشكلة تحديد موعد الاحتفال بعيد القيامة، والتي فرضت نفسها على الكنيسة منذ القرون الأولى.
متى حوكِم وصُلِب وقام المسيح؟
توضح نصوص الأناجيل بوضوح كاف الموعد الذي صلب فيه المسيح:
وفي أول أيام الفطير تقدم التلاميذ إلى يسوع قائلين له: «أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح؟» فقال: «اذهبوا إلى المدينة، إلى فلان وقولوا له: المعلم يقول: إن وقتي قريب. عندك أصنع الفصح مع تلاميذي». ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح.(إنجيل متى ٢٦: ١٧-١٩)
وفي اليوم الأول من الفطير. حين كانوا يذبحون الفصح، قال له تلاميذه: «أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح؟»(إنجيل مرقس ١٤: ١٢)
وجاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفصح. فأرسل بطرس ويوحنا قائلا: «اذهبا وأعدا لنا الفصح لنأكل»(إنجيل لوقا ٢٢: ٧-٨)
من هذه النصوص، يبدو لنا أن العشاء الأخير كان يُعد في اليوم الأول للفطير، أي الخامس عشر من نيسان، في الشهور العبرية، والذي يلي يوم ذبح الخروف في الرابع عشر من نيسان. حيث إن العهد القديم يذكر بوضوح موعد الفصح وموعد أسبوع الفطير:
ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر. ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية.(سفر الخروج ١٢: ٦)
وليعمل بنو إسرائيل الفصح في وقته. في اليوم الرابع عشر من هذا الشهر بين العشاءين تعملونه في وقته. حسب كل فرائضه وكل أحكامه تعملونه.(سفر العدد ٩: ٢-٣)
سبعة أيام تأكلون فطيرًا. اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم، فإن كل من أكل خميرًا من اليوم الأول إلى اليوم السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل. ويكون لكم في اليوم الأول محفلٌ مقدسٌ، وفي اليوم السابع محفلٌ مقدسٌ. لا يُعمَل فيهما عملٌ ما، إلا ما تأكله كل نفس، فذلك وحده يُعمل منكم.(سفر الخروج ١٢: ١٥-١٦)
في الشهر الأول، في الرابع عشر من الشهر، بين العشاءين فصح للرب. وفي اليوم الخامس عشر من هذا الشهر عيد الفطير للرب. سبعة أيام تأكلون فطيرًا. في اليوم الأول يكون لكم محفلٌ مقدسٌ. عملًا ما من الشغل لا تعملوا.(سفر اللاويين ٢٣: ٥-٧)
إذن، كان ذبح الخروف يتم في اليوم الرابع عشر من نيسان، وهو يوم اكتمال القمر، لأن التقويم العبري يعتمد على دورة القمر. وبعده، يبدأ أسبوع الفطير بأول أيامه، وهو الخامس عشر من نيسان. وكان اليوم عند اليهود وغالبية شعوب الشرق يبدأ عقب غروب الشمس ويستمر إلى غروب شمس اليوم التالي [2]. أي إن اليوم الرابع عشر بدأ بعد غروب الشمس وقبل العشاء الأخير للمسيح مع تلاميذه.
وبالتبعية، يكون الصلب قد حدث في عصر نفس اليوم وقبل غروب شمس اليوم الرابع عشر وبدء أول أيام الفطير، الذي هو الخامس عشر من نيسان. أي إن صلب المسيح حدث في نفس توقيت ذبح الخروف، كما تحدده شريعة اليهود.
والتعارض الظاهري ليوم صلب المسيح بين موعد ذبح الفصح وأول أيام الفطير تُزيله نصوص إنجيل يوحنا.
أما يسوع قبل عيد الفصح، وهو عالمٌ أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب، إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم إلى المنتهى. فحين كان العشاء، وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يُسلمه، يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه، وأنه من عند الله خرج، وإلى الله يمضي، قام عن العشاء، وخلع ثيابه، وأخذ منشفة واتزر بها،(أنجيل يوحنا ١٣: ١-٤)
أي إن العشاء الأخير كان قبل عيد الفصح، وهو ما يتضح في الإصحاح السابق عندما ذكر يوحنا أن قدوم المسيح إلى بيت عنيا في الليلة التي سبقت دخوله إلى أورشليم كان قبل الفصح بستة أيام:
ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا، حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات.(إنجيل يوحنا ١٢: ١)
وفي الغد سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آتٍ إلى أورشليم،(إنجيل يوحنا ١٢: ١٢)
أي إن عيد الفصح كان يوم الجمعة التالي لدخول المسيح إلى أورشليم، والذي حدث يوم الأحد. وهذا يتسق أيضًا مع ما ذُكر في الأناجيل بأن اليوم التالي للصليب كان يوم استعداد، وكان عظيمًا:
ولما كان المساء، إذ كان الاستعداد، أي ما قبل السبت،(إنجيل مرقس ١٥: ٤٢)
وكان يوم الاستعداد والسبت يلوح.(إنجيل لوقا ٢٣: ٥٤)
ثم إذ كان استعداد، فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت، لأن يوم ذلك السبت كان عظيمًا، سأل اليهود بيلاطس أن تُكسر سيقانهم ويرفعوا.(إنجيل يوحنا ١٩: ٣١)
فاليوم الأول من أيام الفطير كان عيدًا عظيمًا عند اليهود:
وفي الشهر الأول، في اليوم الرابع عشر من الشهر فصح للرب. وفي اليوم الخامس عشر من هذا الشهر عيد. سبعة أيام يؤكل فطير. في اليوم الأول محفل مقدس. عملًا ما من الشغل لا تعملوا.(سفر العدد ٢٨: ١٦-١٨)
يتسق ذلك أيضًا مع كون محاكمة المسيح قد حدثت فجرًا، ثم مطالبة اليهود لبيلاطس بصلب المسيح صباحًا. فلو كان يوم الصليب هو أول أيام الفطير، لما كان يمكن لمجمع السنهدريم أن يجتمع لمحاكمة المسيح فجرًا، ولا لليهود أن يخرجوا من بيوتهم ويتجمعوا عند بيلاطس في دار الولاية صباحًا، ولا أن ينظروه مصلوبًا ظهرًا، وذلك تنفيذًا للوصية بأنه يوم مقدس يجب ألا يُعمل فيه أي شيء:
فوقف يسوع أمام الوالي. فسأله الوالي قائلا: «أأنت ملك اليهود؟» فقال له يسوع: «أنت تقول». وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء.(إنجيل متى ٢٧: ١١-١٢)
وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: «يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام، خلص نفسك! إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب!» وكذلك رؤساء الكهنة أيضًا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ(إنجيل متى ٢٧: ٣٩-٤١)
أما عن القيامة، فقد حدثت وفقًا للأناجيل الأربعة فجر أول الأسبوع،
أي يوم الأحد التالي للصليب:
وبعد السبت، عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه.(إنجيل متى ٢٨: ١-٢)
وباكرًا جدًا في أول الأسبوع، أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس. وكنَّ يقلن فيما بينهن: «من يُدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟» فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج! لأنه كان عظيمًا جدًا.(إنجيل مرقس ١٦: ٢-٤)
ثم في أوّل الأسبوع، أوّل الفجر، أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه، ومعهن أناس. فوجدن الحجر مدحرجًا عن القبر،(إنجيل لوقا ٢٤: ١-٢)
وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرا، والظلام باق. فنظرت الحجر مرفوعا عن القبر.(إنجيل يوحنا ٢٠: ١)
أي أنّه، وفقًا لنصوص الأناجيل، فإنّ الصلب حدث يوم الرابع عشر من نيسان العبري، والقيامة حدثت صباح الأحد الذي يليه.
متى يقع الرابع عشر من نيسان العبري؟
يبدأ العام في التقويم العبري في شهر نيسان، والذي يُحتفل فيه بعيد الفصح، والذي يجب أن يتزامن مع فصل الربيع والحصاد وفقًا لنص التوراة [3].
يعتمد التقويم العبري على الشهور القمرية التي تبدأ بظهور الهلال الجديد. ولأن 12 شهرًا قمريًا أقصر من السنة المدارية بنحو 11 يومًا، ستتحرك بداية العام مبتعدة عن فصل الربيع.
ولكي يستمر هذا التزامن بين بداية العام وفصل الربيع، كان يتم إضافة شهر إضافي كل عامين أو ثلاث أعوام حتى يبقى فصل الربيع في مكانه في شهر نيسان.
كانت بداية السنة، ومن ثم بداية الشهور، في العصور الأولى حتى القرن الرابع الميلادي على الأقل، تعتمد على رؤية هلال الشهر الجديد. وكان يتم إضافة شهر إضافي إذا انتهى العام قبل أن يأتي فصل الربيع وموسم الحصاد. ولكن تدريجيًا، ومنذ العصور الوسطى، تم استبدال الرؤية بطريقة حسابية عبر الدورة الميتونية، وبذلك أصبح من السهل حساب بداية الشهور وموعد الأعياد لسنين وعقود قادمة.
الدورة الميتونية: هي دورة من تسعة عشر عامًا قمريًا تساوي نفس عدد الأعوام الشمسية. وضع هذه الدورة العالم الإغريقي ميتون [4] في القرن الخامس قبل الميلاد، على اعتبار أن 19 عامًا شمسيًا تساوي 6940 يومًا، وهو نفس عدد الأيام الموجودة في 235 شهرًا قمريًا.
ولكي تساوي الأعوام القمرية الأعوام الشمسية، يتم إضافة شهر ثالث عشر للسنة القمرية (مكون من ثلاثين يومًا) في الأعوام الثالث والسادس والثامن والحادي عشر والرابع عشر والسابع عشر والتاسع عشر من الدورة. ويطلق على السنوات ذات الثلاثة عشر شهرًا السنوات الكبيسة، وعلى الشهر الزائد بالشهر الإضافي [5]. يسمى التقويم الذي ينتهج هذا النظام بالتقويم القمري-الشمسي، لأنه يحافظ على مواعيد الفصول المدارية في موعدها [6].
الأساس الحسابي لهذه الدورة قريب جدًا من الدقة، حيث تتكون السنة المدارية من 365.242 يومًا، وبالتالي فإن تسعة عشر عامًا شمسيًا تساوي 6939.602 يومًا. وهذه المدة تساوي تقريبًا 235 شهرًا قمريًا، حيث إن الشهر القمري يساوي في المتوسط 29.53059 يومًا، أي إن 235 شهرًا قمريًا تساوي 6939.689 يومًا. هذا يعني أن هناك خطأ بسيط في هذه الطريقة يقدر بـ0.087 يومًا في كل دورة، وهو ما يعادل ساعتين وخمس دقائق و16 ثانية. وهذا يستوجب تصحيح التقويم كل فترة من الزمن [7].
يتبع التقويم العبري هذه الدورة حتى الآن، وبناءً عليه، يتم تحديد مواعيد جميع الأعياد اليهودية. تبدأ الشهور العبرية دينيًا بالشهر الذي يُحتفل فيه بعيد الفصح [8]، وهو شهر نيسان [9]. ويُبين الجدول التالي أسماء الشهور وعدد أيامها في السنوات العادية والكبيسة، وكذلك موعد بدايتها في التقويم الغريغوري:
الشهر [10] | عدد الأيام | بداية الشهر حاليًا وفقًا للتقويم الغريغوري | |
1 | نيسان [11] | 30 | 12 مارس إلى 11 أبريل |
2 | إيار | 29 | 11 أبريل إلى 11 مايو |
3 | سيوان | 30 | 10 مايو إلى 9 يونيو |
4 | تموز | 29 | 9 يونيو إلى 9 يوليو |
5 | آب | 30 | 8 يوليو إلى 7 أغسطس |
6 | أيلول | 29 | 7 أغسطس إلى 6 سبتمبر |
7 | تشري | 30 | 5 سبتمبر إلى 5 أكتوبر |
7 | حشوان | 29 | 5 أكتوبر إلى 4 نوفمبر |
9 | كسلو | 30 | 4 نوفمبر إلى 3 ديسمبر |
10 | طيبيت | 29 | 3 ديسمبر إلى 1 يناير |
11 | شباط | 30 | 1 يناير إلى 30 يناير |
12 | آذار أول | 30 (يُضاف في السنوات الكبيسة) | 31 يناير إلى 12 فبراير |
13 | آذار (ثاني) | 29 | 11 فبراير إلى 13 مارس |
لتحديد موقعنا في الدورة الميتونية للتقويم العبري، يتم قسمة العام العبري على 19، ويكون باقي القسمة هو دور القمر في الدورة الميتونية.
على سبيل المثال، العام 2024 يقابل العامين 5784 و5785 في التقويم العبري. فإذا أخذنا العام 5784 وقسمناه على 19، سيكون باقي القسمة 8، أي أنه العام الثامن من الدورة، أي إن عدد شهوره سيكون ثلاثة عشر شهرًا [12].
فإذا نظرنا إلى دورة القمر وموعد عيد الفصح اليهودي، أي الرابع عشر من نيسان، في السنوات بين عامي 2015 و 2026، سنجده كالتالي [13]:
طور القمر في الدورة الميتونية | العام العبري [14] | عدد شهور السنة | العام الغريغوري | 14 نيسان في التقويم الغريغوري |
18 | 5775 | 12 | 2015 | الجمعة 3 أبريل |
19 | 5776 | 13 | 2016 | الجمعة 22 أبريل |
1 | 5777 | 12 | 2017 | الاثنين 10 أبريل |
2 | 5778 | 12 | 2018 | الجمعة 30 مارس |
3 | 5779 | 13 | 2019 | الجمعة 19 أبريل |
4 | 5780 | 12 | 2020 | الأربعاء 8 أبريل |
5 | 5781 | 12 | 2021 | السبت 27 مارس |
6 | 5782 | 13 | 2022 | الجمعة 15 أبريل |
7 | 5783 | 12 | 2023 | الأربعاء 5 أبريل |
8 | 5784 | 13 | 2024 | الاثنين 22 أبريل |
9 | 5785 | 12 | 2025 | السبت 12 أبريل |
10 | 5786 | 12 | 2026 | الأربعاء 1 أبريل |
أي إن اليهود يبدأون الاحتفال بعيد الفصح في اليوم الرابع عشر من شهر نيسان، والذي يتحرك من عام إلى آخر وفقًا للدورة الحسابية للتقويم العبري المعتمد على الدورة الميتونية. ويتراوح موعد هذا العيد حاليًا بين يومي 25 مارس و24 أبريل.