
- ملكوت الله سيمتد
- ملكوته ملكوت أبديّ
- وسلطانه إلى دور فدور
- ملكوت شاول
- هل هناك خطة إصلاح غير الصلاة؟
- المسحة بالروح القدس
- الخلقة الجديدة
- لا لتعظيم الخطية
- النضوج الروحي
- ليس الخطأ في الناموس
- التجسد حدث فارق في طبيعتك
- الظهور الإلهي إعلان شركة الإنسان وخالقه
- تجسد المسيح ونهاية حقبة الناموس
- لنأتِ بالملكوت على الأرض
- غاية المسيحية
- جهلنا بالحق لا يلغي الحق
- بئر العهود
- كلمات مفتاحية
- نصوص العهد
- العهد مع آدم
- العهد مع نوح
- العهد مع أبرام
- ☑ طريق أبرام
خرج أبرام من دوائر حياته التي نشأ وترعرع فيها، والتي ذكرناها في المقال السابق. خرج إبرام من مدينته العظيمة في ذلك الوقت، وهي أور الكلدانيين، ذات الصيت والغنى، سواء في الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. فهي كانت تمثل نيويورك العصر الحالي، لو جاز التعبير!
خرج أبرام وهو لم يعلم إلى أين يذهب؟! تخيل هذه دعوة الله لأبرام: “اخرج إلى الأرض التي أريك إياها”. أين تقع هذه الأرض؟ وعلى أي مسافة؟ أليس في استطاعة الرب أن ينفذ دعوته لك في الأرض التي تعيش فيها؟ ولماذا الخروج من الأساس؟ وإذ سأل إبرام نفسه: “أنا أعرف أهل أور الكلدانيين، فلماذا أخوض مخاطرة لم أعلم بعاقبتها؟!” أليست كل هذه الأسئلة مشروعة لي ولك ولإبرام في بداية الدعوة؟
لكن مقياس الله مختلف، وطلبه أن تخرج من أور الكلدانيين ليس لإذلالك، ولكن هناك رؤية غير منظورة وغير معلومة لك، لكنها معلومة بالكامل لدى من معه أمرك. لكن الأمر يتطلب منك ما فعله أبو الآباء؛ إبراهيم، أو أبرام في ذلك الوقت!
ولكن ماذا فعل أبرام؟ تقول الرسالة إلى العبرانيين:
بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدًا أن يأخذه ميراثًا، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي.(الرسالة إلى العبرانيين ١١: ٨)
فهذه هي بداية دعوة أبرام، وهو ما سيتغير اسمه فيما بعد إلى إبراهيم، ولكن لابد أن يمشي في مسيرة مع الله. وهذه المسيرة بدايتها مخاطرة غير معلومة، ولكنها مضمونة، ليست لأجل بر في أبرام أو غيره من قَبِل الدعوة، ولكنها مضمونة لأن من وعد هو أمين، حسبما يذكر الكتاب: لنتمسك بإقرار الرجاء راسخًا، لأن الذي وعد هو أمين
[1].
إذًا، هذا هو تعريف بسيط للإيمان المسيحي: هو مخاطرة غير معلومة، ولكنها مضمونة بضمان صاحب الدعوة!
خرج أبرام من أرضه، ولكن شيئًا ما أثقل حركته. فاستقر به الحال في أرض حاران، وحاران تبدو أنها كانت مجرد استراحة في الطريق، أو شيئًا أعاق تقدم أبرام إلى المضي قدمًا، أو ربما كبر سن تارح ومرضه أعاقهم من التقدم.
حاران لم تكن هي الهدف الذي رسمه الله لأبرام، بل كانت مرحلة. والسؤال هنا: هل كانت حاران عائقًا في مسيرة أبرام؟
كثيرٌ منا يجد حاران في طريقه وفي طريق دعوته، لكن الأهم ألا يستريح في حاران؛ لأنها ليست هي الهدف. قد تكون مرحلة تجهيز من الرب، أو قد تكون مرحلة لتتميم الإخلاء الذي يريده لك الرب، أو تكون هي المكان الذي يختلي فيه الرب معك.
أو يجوز أن يكون هناك حاران معطّل في حياتك الروحية، ولذا يتطلب الأمر منك صحوة روحية وسماع صوت الرب بحساسية! وفي كل طريق مؤمن، هناك حاران. فبولس الرسول، أعظم رسول من الله، انفرد به الرب مدة ثلاث سنوات في العربية، وغالبًا ما تكون هذه الفترة سرية تامة ما بين الرب وبين من اختاره للدعوة. هل في حياتك حاران؟ فأنت مدعو من الرب للانطلاق فيما بعد، لكن يلزم أن تكون حساسًا لصوت الرب، لكي تستطيع أن تميز الوقت كبني يساكر الذين كانوا خبيرين بالأوقات في العهد القديم، كما يذكر الكتاب المقدس عنهم:
ومن بني يساكر الخبيرين بالأوقات لمعرفة ما يعمل إسرائيل، رؤوسهم مئتان، وكل إخوتهم تحت أمرهم(أخبار الأيام الأول ١٢: ٣٢)
ومعرفة تمييز الأوقات ومشيئة الرب هي، كما يذكر بولس الرسول في رسالة أفسس، عكس الغباء: من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء، بل فاهمين ما هي مشيئة الرب
(أفسس ٥: ١٧).
انتهت مرحلة حاران، وجاء وقت الرحيل، ولكن بيد الرب. وكما يلخص القديس إسطفانوس، أول شهداء المسيحية، في الخطاب الوداعي أمام محكمة السنهدريم قبل رجمه وموته، فقال:
فخرج حينئذ من أرض الكلدانيين وسكن في حاران. ومن هناك نقله، بعد ما مات أبوه، إلى هذه الأرض التي أنتم الآن ساكنون فيها(أعمال الرسل ٧: ٤)
فنقل الرب أبرام إلى أرض الموعد، الأرض التي وعده بها قبل ذهابه من أور الكلدانيين، الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا!
لكن حدث شيء غريب! حدثت مجاعة في الأرض الموعود بها أبرام. كثيرًا ما يحدث ذلك في مسيرتك الروحية، وهنا تحدٍ آخر بعد حاران! فلا تتعثر في الرب، ولكن صدق وثق فيه إلى المنتهى. فماذا فعل أبرام؟
فأبرام، لم يستلم العهد، ولا كان قد استلم الخطة الاستراتيجية التي من أجلها جاء به الرب من أرضه إلى هذه الأرض. ولماذا المجاعة في البداية؟ هل أخطأ أبرام؟ أليست هذه هي الأرض؟ هل هذه علامة من الرب أن الطريق الذي فيه هو خطأ؟ هل… وهل…؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهني وذهنك، عزيزي القارئ، عندما نواجه ما واجهه إبرام في بداية الحياة في أرض الموعد، وحتى بعد التقدم في الحياة الروحية، لابد أن نواجه أبوابًا مغلقة مثل ذلك. فماذا نفعل؟
ماذا فعل أبرام؟ وهل كان ما فعله في خطة الله له، أم أنه خرج عن المسار؟ وماذا لو خرج عن المسار؟ هل ينهي الرب الوعد الذي وعده به؟ وبما أن الكتاب المقدس كتاب لا يخفي سقطات وزلات رجال الله في العهد القديم والعهد الجديد، فإن كُتّاب الكتاب المقدس لا يخشون شيئًا ولا يخفون شيئًا ولا يُجمّلون شيئًا، ليكون لنا سراجًا ونور سبيل لكل من يريد أن يسير في الطريق. لكن المكتوب يذكر ما يخدم طريق خلاصنا، ولا يخشى أن يُظهر رجال الله في ضعفهم وحيرتهم، وهذا ما فعله أبرام وما سنتناوله في العدد القادم.
قبل أن أنهي مقالي هذا، أود أن أشير إلى أن الله يعرف جبلتنا، لأنه هو صانعها وجابلها. لا تتجمل أمام الناس، وبالتالي لا تتجمل أمام إلهك، لأنه يعرفك بجملتك، بل كن حقيقيًا جدًا. اخلع رداء التمثيل. أنت لست على الأرض لتعيش حياة لها أكثر من واجهة. ارفض أن تتقمص دورًا ليس دورك.
كما يذكر مزمور ١٣٩. الكلمات الجميلة التي أختم بها، وأدعوك أن تقرأ هذا المزمور كاملًا أكثر من مرة، وتعطي مساحة لروح الرب أن يتجول داخل أعماقك من خلال كلماته. ونلتقي في العدد القادم.
أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد. مسلكي ومربضي ذريت، وكل طرقي عرفت. لأنه ليس كلمة في لساني، إلا وأنت يا رب عرفتها كلها. من خلف ومن قدام حاصرتني، وجعلت علي يدك. عجيبة هذه المعرفة، فوقي ارتفعت، لا أستطيعها. أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟
أحمدك من أجل أني قد امتزت عجبا. عجيبة هي أعمالك، ونفسي تعرف ذلك يقينا.(مزمور ١٣٩: ٢-٧، ١٤)
صلاة: يا روح الله، اعمل فيّ لأكون حقيقيًا، كما في الداخل هكذا في الخارج، كما أنت هو الحق الساكن فيّ. يا روح الله، اعمل فيّ لأكون شبه الابن يسوع. يا روح الله، اعمل فيّ لكي أصير واحدًا في الآب والابن والروح القدس، في اسم يسوع، أصلي ولك كل المجد… آمين.