المقال رقم 24 من 24 في سلسلة ملكوت الله سيمتد

نزل إبرام إلى مصر. إذ كنتَ قارئًا جيدًا للكتاب المقدس، سوف تُدرك أن مصر في الكتاب المقدس تُشير إلى العالم، والعالم نقصد به هنا العالم المادي، أي ما يُقدِّم لك ما ترغب فيه مُقابل بعض أو كل التنازلات، وأول هذه التنازلات التي قدَّمها إبرام كانت انحساره في ذاته ونظره إلى سلامته الشخصية. ولكي يضمن هذا، اتفق مع ساراي امرأته أن تقول إنها أخته. نعم، هي أخته، ولكن العلاقة التي تجمعهما هي أنها امرأته.

كلنا بلا استثناء نجتاز هذا الامتحان وننحاز للذات، وخاصة في بداية دعوتنا. قد يقول قائل: هذا حدث مع إبرام قبل العهد معه الذي حدث في تكوين ١٥. أقول لهذا القائل مع كل أسفي: لقد كرر إبراهيم هذا الفعل في تكوين ٢٠، أمام أبيمالك ملك جرار. وما أود أن أقوله هنا إن كلنا نسقط ونضعف، فلا يقودك ضعفك وسقوطك إلى اليأس، بل دائمًا وأبدًا انحز للنعمة وتمسك بالوعد، أي كلمة الله القادرة أن تثبت ميراثك، كما يقول سفر الأعمال: والآن أستودعكم يا إخوتي لله ولكلمة نعمته، القادرة أن تبنيكم وتعطيكم ميراثًا مع جميع المقدسين [1].

ولكي لا نعرج بعيدًا عن الموضوع الرئيسي لسلسلة العهود، أذكّرك عزيزي القارئ بأننا ما زلنا في العهد مع إبراهيم، وفي بداية العهد أحب أن أشير إلى قانون الإيمان الذي كان يردده الإسرائيلي أو اليهودي، وهذا ما يُسمى في كتب اليهود بـشماع إبراهيم أي اسمع يا إبراهيم، وهذا القانون مذكور في سفر التثنية الإصحاح ٢٦، وسأذكر لك بعض الآيات هنا.

أعترف اليوم للرب إلهك أني قد دخلت الأرض التي حلف الرب لآبائنا أن يعطينا إياها. […] ثم تصرح وتقول أمام الرب إلهك: أراميا تائهًا كان أبي، فانحدر إلى مصر وتغرب هناك في نفر قليل، فصار هناك أمة كبيرة وعظيمة وكثيرة. فأساء إلينا المصريون، وثقلوا علينا وجعلوا علينا عبودية قاسية. فلما صرخنا إلى الرب إله آبائنا سمع الرب صوتنا، ورأى مشقتنا وتعبنا وضيقنا. فأخرجنا الرب من مصر بيد شديدة وذراع رفيعة ومخاوف عظيمة وآيات وعجائب، وأدخلنا هذا المكان، وأعطانا هذه الأرض، أرضا تفيض لبنًا وعسلًا.

(تثنية الاشتراع ٢٦: ٣، ٤-٩)

والعهد مع إبراهيم هو البداية التاريخية في الزمن لتاريخ الخلاص الذي بدأ فعليًا بذبيحة المسيح، الذي قدّم نفسه بروح أزلي، أي قبل تأسيس العالم كما تذكر رسالة العبرانيين: دم المسيح، الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله [2].

ولذلك، يحظى العهد مع إبراهيم بأهمية خاصة في رسالة الخلاص، فما هو العهد؟

كان هذا العهد بمثابة برهان من الرب أن إبرام لن يرث بيته شخص آخر غير الذي يأتي منه، كما أكده الرب قائلًا: لا يرثك هذا، بل الذي يخرج من أحشائك هو يرثك [3]. إذن، كان هذا العهد هو القسم الذي أقسم به الرب ليبرهن لإبراهيم أن هذا الوعد سوف يحدث، كما يذكر الوحي الإلهي قائلًا: فلذلك إذ أراد الله أن يظهر أكثر كثيرًا لورثة الموعد عدم تغير قضائه، توسط بقسم [4].

ونستطيع أن نلخص العهد مع إبراهيم في عدة نقاط لتسهيل الأمر على القارئ:

أطراف العهد: الله ()، أي ال، كطرفٍ أول، وإبراهيم كطرفٍ ثانٍ، بما أن العهد لابدَّ أن يكون بين طرفين.

الشروط:
– أن يثق إبرام / إبراهيم في الرب وحده.
– الخارج من صلب إبراهيم، أي إسحاق، هو الوارث للعهد.
– يعلم إبراهيم أن نسله سيكون غريبًا مستعبدًا في أرض غريبة، وبعد فترة معينة سيخرجهم الرب بيد شديدة وذراع ممدودة.
– بعد إتمام العهد، أمر الرب أن يُختن كل ذكر لتكون علامة عهد.

المواعيد:
– يرث إبراهيم الأرض.
– يصبح هو ونسله أمةً عظيمةً.
– بإسحاق يكون النسل، وهو ما يشير إلى المسيح يسوع بالجسد.
– تتبارك في إبراهيم جميع قبائل الأرض، وليست إسرائيل فقط، بل كل الأمم.
– إسماعيل يُصبح أبًا لاثنتي عشرة أمة.

كيف تم العهد؟
أقسم له الله بشكل رسمي على هذا العهد، وطلب من إبرام أن يُجهز حيوانات الإدلاء بالقسم، وهي أن يُحضر إبراهيم حيوانات ويشقها من الوسط، وهم:
– عِجلة ذات ثلاث سنوات.
– عنزة ذات ثلاث سنوات.
– كبشًا ذا ثلاث سنوات.
– يمامة وحمامة (لا تشق من الوسط)

ونزل الرب في صورة عمود دخان ونار يجوز بين القطع. فما هو المعنى الروحي لكل ما ذكره الوحي المقدس في تكوين ١٥، وهو إصحاح العهد بين الله وإبرام في ذلك الوقت؟

سأجيب على هذا السؤال في المقال القادم، ولكن قبل أن أختم كلامي أريد أن أشير إلى أن إلهنا هو إله عهود، والعهد قائم ما دام الله قائمًا. فعلاقتنا بالرب قائمة على العهد الذي أخذه وأقسم بنفسه على أن يكون لنا مرساة للنفس مؤتمنة وثابتة، إذ دخل يسوع بجسده سابقًا لأجلنا، رئيس كهنة على طقس جديد، لا وجود له في عهد موسى والناموس، بل طقس أبدي أزلي ليخلق لنفسه كهنةً يقدمون ذبائح روحية في كل لحظة، إذ إنه شق الحجاب الذي كان يفصل بينك وبين عرش الآب.

فمعروضٌ لك ككاهنٍ مختفٍ في رئيس كهنتك يسوع، للدخول إلى عرش الآب كلَّ حين. فلنقدم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح، أي ثمر شفاه معترفة باسمه [5]

فلا حاجز ولا عائق ولا حجاب ولا شيء، حتى الخطية، يستطيع أن يفصلنا فيما بعد لنتقابل مع الآب في يسوع المسيح بالروح القدس.

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. أعمال الرسل ٢٠: ٣٢ [🡁]
  2. عبرانيين ٩: ١٤[🡁]
  3. تكوين ١٥: ٤ [🡁]
  4. عبرانيين ٦: ١٧ [🡁]
  5. عبرانيين ١٣: ١٥ [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ ملكوت الله سيمتد[الجزء السابق] 🠼 طريق أبرام
عاطف حنا
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎