
- ملكوت الله سيمتد
- ملكوته ملكوت أبديّ
- وسلطانه إلى دور فدور
- ملكوت شاول
- هل هناك خطة إصلاح غير الصلاة؟
- المسحة بالروح القدس
- الخلقة الجديدة
- لا لتعظيم الخطية
- النضوج الروحي
- ليس الخطأ في الناموس
- التجسد حدث فارق في طبيعتك
- الظهور الإلهي إعلان شركة الإنسان وخالقه
- تجسد المسيح ونهاية حقبة الناموس
- لنأتِ بالملكوت على الأرض
- غاية المسيحية
- جهلنا بالحق لا يلغي الحق
- بئر العهود
- كلمات مفتاحية
- نصوص العهد
- ☑ العهد مع آدم
أنهيت المقال السابق بموجز للعهد مع آدم، لكنِّي سأواصل معكم اليوم أيضًا في نفس العهد الأوَّل في سلسلة العهود، وهو العهد بين الله والإنسان.
خلق الله الإنسان، متمثلًا في آدم. وعندما نذكر آدم، فإن المعنى يكمن في آدم وحواء معًا، اللذان يمثلان الجنس البشري أو الإنسان. فمن الإصحاحات الثلاث الأولى لسفر التكوين، التي تحمل لنا أسرارًا كثيرة، نستطيع أن نلمح بعضها، على قدر درايتي المتواضعة، أن المسؤولية التي أوكلت إلى آدم هي مسؤولية ملكية وكهنوتية. ففي الإصحاح الأول من سفر التكوين، يتضح لنا مسؤولية آدم كملك للخليقة، وفي الإصحاح الثاني من السفر نفسه، تتضح مسؤولية آدم ككاهن للخليقة.
هدف الله من خلق آدم في اليوم السادس، بعد أن جهّز له في الأيام الخمسة السابقة كلّ المقومات المطلوبة، كما يُجهّز قصرٌ لملك قادم، هو أن يمارس آدم مهامه كملك وككاهن. وإذا حافظ آدم على العهد والعلاقة بينه وبين الخالق، وسلك في طريق النموّ كما كان في خطة الله له، فإنّ هدف الله الأسمى كان أن يسكن في هذا الهيكل، وأن يجمع الكلّ فيه، كما اتّضح لنا في رسالة أفسس، وهو ما يطلق عليه الآباء لفظ الانجماع الكلّي
: لتدبير ملء الأزمنة، ليجمع كل شيء في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض، في ذاك
[1].
إذن، في تكوين ١، ٢، كان هناك تناغم بين الله والبشرية المتمثلة في آدم وحواء، وتناغم أيضًا بين البشرية والخليقة. إذن، لم يكن هناك فوضى أو خراب ما دام العهد قائمًا. لكن الصورة تنعكس في الإصحاح الثالث من سفر التكوين عندما يظهر في المشهد عنصر آخر، وهو الحية التي هي أحيل جميع الحيوانات، وهو ما أدى إلى صورة الفوضى والخراب التي أشارت إليها الآية في أول السفر ذاته: وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف [يحتضن] على وجه المياه
[2].
ومن هنا يتضح أن الفوضى والخراب هما حالة الأرض بعد السقوط، لأن الله خلق الكل حسنًا. لم يخلق الله الخراب والفوضى كما يذكر سفر الحكمة: إذ ليس الموت من صنع الله، ولا هلاك الأحياء يسره. لأنه إنما خلق الجميع للبقاء؛ فمواليد العالم إنما كونت معافاة، وليس فيها سم مهلك، ولا ولاية للجحيم على الأرض، لأن البر خالد
[3].
لكن حدث أن كسر الإنسان العهد بينه وبين الله! ودخل في خدعة الحية وصدق قولها إن الله لا يمكن الوثوق به ولا يجب تصديق كلامه، فهو يمنعكما عن شجرة جيدة للأكل، مبهجة للعيون، شهية للنظر. وما زال العدو يمارس خداعه على بني البشر إلى الآن، فهو يخدع الجميع، وبالأحرى من يسمع لخداعه وكذبه.
يكذب على الشاب لكي يفقد طهارته بحجة أنه يجب أن يجرب كل شيء، ويُجمّل له العلاقات خارج عهد الزواج، خلافًا لفكر الله حيث منذ البدء خلقهما الله ذكرًا وأنثى لتكوين أسرة تحت سلطان الله. ويكذب على المجتمع ويُجمّل لهم الحرية بمفهوم مغلوط، ولكنه يُجمّلها تحت شعارات فضفاضة. وحجته أن الله لا يمكن الوثوق به ولا يمكن أن نعتمد على غير المنظور، بحجة العقلانية والمنطق وفلسفة الأشياء في صورة حكمة أرضية نفسانية شيطانية، كما تذكر رسالة يعقوب الرسول.
ويكذب ويخدع بعض المسيحيين أيضًا ليتخذوا من العبادة شكلها فقط، ونمارس المسيحية كدين، ويشكل العقول بإنجيل آخر كما ذكرت رسالة غلاطية في الإصحاح الأول. ويلخصها أيضًا لسان العطر بولس في كولوسي: التي لها حكاية حكمة، بعبادة نافلة، وتواضع، وقهر الجسد، ليس بقيمة ما من جهة إشباع البشرية
[4].
ومن هنا يتضح لنا أنه عندما كسر آدم العهد مع الله، حدث كسرٌ في العلاقة الرأسية بين الله والإنسان، وبالتبعية حدث كسرٌ في العلاقة الأفقية بين الجنسين (آدم وحواء)، وتحولت اللغة بينهما من معينٍ نظيره
إلى لغة اللوم: فقال آدم: «المرأة التي جعلتها معي؛ هي أعطتني من الشجرة، فأكلت»
[5].
وهكذا شُوِّهت العلاقة مع الخليقة أيضًا، وأصبحت الخليقة لا تخضع للإنسان، بل أصبحت الطبيعة لها سلطان عليه، ولم يعد من الممكن الدخول إلى عالم سفر التكوين، إصحاحَيْ ١، ٢، مرة أخرى.
ولذلك وضع الرب كاروبيم بسيف ملتهب من نار، كحارس على شجرة الحياة التي في وسط الجنة، لئلا يأكل منها آدم ويعيش إلى الأبد في حالة السقوط. وهنا يظهر صلاح الله المطلق، لأن الله خلق الإنسان للخلود، ولكن على صورة ابنه يسوع، وليس ليعيش إلى الأبد في حالة من الفساد والموت. ومن هنا بدأ تدبير الخلاص وإعلانه على فم الرب في الأحكام الصادرة على الحية فقال: وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه
[6]. ونعلم أن نسل المرأة يسوع المسيح المتجسد، الله الظاهر في الجسد.
ختامًا، أود أن ندرك أن تجسُّد الابن هو مفتاح ورأس كل أسرار الملكوت، الذي إذا أدركنا عمقه بالروح القدس، فسوف ندرك صلاح الرب المطلق ومحبته غير المشروطة. وإذ تمسكنا بالعهد المُبرم بين الله الآب والله الابن يسوع في الروح القدس، ونحن داخل هذا العهد على حساب عمل الثالوث القدوس، فسنعيش الحياة الأبدية، أي حياة الله. من هنا، وكما أراد الله أن يُهيئ قصرًا وهيكلًا في تكوين ١، ٢ ليسكن فيه، ها هو يسكن في هيكل كل إنسان قبل أن يستقبله كإلهٍ وربٍّ وسيدٍ وملك.
عزيزي القارئ، أنتَ هو الهيكل، لأن الله لا يسكن إلا في هيكل، ولأنه لا يسكن في هياكل مصنوعة بأيدي بشر، بل في هيكل جسده. فنحن هيكله، وبيننا محل سكنى الرب على الأرض. فكّر في هذا المجد وهذا الامتياز، أنكَ مكان سكنى الرب. إنه لأمرٌ جليلٌ! فلنعظّم اسم الرب يسوع. آمين، هللويا.