
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [١]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٢]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٣]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٤]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٥]
- ☑ الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [١]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٢]
نستكمل الحديث عن مفهوم الخطية الجدية، ونبدأ من هذه الحلقة ولعدة حلقات مقبلة مع ق. باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك بآسيا الصغرى، وواضع الليتورچية المسمَّى باسمه، التي نصلي بها في كنيستنا إلى اليوم. لنرى هل يتفق تعليم ق. باسيليوس الكبير مع تعليم أوغسطينوس أسقف هيبو في الغرب اللاتينيّ عن الخطية الأصلية الموروثة من آدم إلى نسله من بعده.
عدمية الشر والخطية
يدحض ق. باسيليوس الكبير تعاليم الغنوسيين والمانويين القائلين بالوجود الحقيقيّ للشر والخطية في العالم، وأنهما يستمدان أصلهما من الله، حيث يرى ق. باسيليوس أن الشر لا يمكن أن يُقَال أنه يستمد وجوده من الله، لأن الضد لا ينتج ما هو ضده، فالحياة لا تلد موتًا، والنور لا ينبثق من الظلام، وهذا ما نقوله بأن الله لا يمكن أن يُعاقِب بالموت، أو يميت أحد، فالله الحياة لا يلد موتًا البتة. ويشير ق. باسيليوس إلى أن الشر ليس كائنًا عاقلًا حيًا، بل هو حالة تكون فيها الروح مُخالِفةً للفضيلة، وهذه الحالة تنمو وتتطوَّر عند البعدين عن الخير كالتالي: [1]
كما أنه من الخطأ روحيًا أن يُقَال إن الشرّ استمد وجوده من الله لأن الضد لا ينتج مما هو ضده. فالحياة لا تلد موتًا، والنور لا ينبثق من الظلام، كما أن الصحة لا تنتج عن المرض، إنما هذا يُعتبر تغيير من حالة إلى عكسها. أمَّا في التكوين فكل كائن يخرج من مثيله. وإذَا كان الشر لم يستمد أصله من الله، ولم يخلقه الله، إذًا، فمن أين استمد طبيعته؟ بالطبع كلنا نتفق على أن الشر موجود، فكيف نُفسِّر هذا الأمر؟ الواقع أن الشر ليس كائنًا عاقلًا حيًا، وإنما هو حالة تكون فيها الروح مُخالِفةً للفضيلة، هذه الحالة تنمو وتتطوَّر لدى البعدين عن الخير.(باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة)
يستطرد ق. باسيليوس الكبير شارحًا أصل الشر والخطية، حيث يستنكر أن يتصوّر المرء وجود الطبيعة الشريرة من الأصل، بل يطالب كل شخص أن يعترف أنه هو نفسه صانع شروره. ويطلب ق. باسيليوس من الإنسان أن يعرف أن الشرّ مصدره هو سقطات الإنسان الإرادية، وهكذا لو لم تكن سقطات الإنسان إرادية، لمَّا كان تطبيق القانون مرعبًا للخطاة المدانون. وهنا يدحض ق. باسيليوس أي تعليم عن شر موروث، أو خطية أصلية موروثة تجعل الإنسان يخطئ دون إرادته، بل يؤكد ق. باسيليوس على أن الشر مصدره سقطات الإنسان الإرادية كالتالي: [2]
لا يجب، إذًا، أن يسعى الإنسان إلى خراب نفسه ويتصوّر وجود الطبيعة الشريرة من الأصل. بل يجب أن يعترف كل شخص منَّا أنه هو نفسه صانع شروره. […] الإنسان هو المتحكم في تصرفاته، ولذلك يجب ألا يبحث الإنسان عمَّا يبرِّر تصرفاته من أسباب خارجية، بل عليه أن يعرف أن الشرّ مصدره سقطات الإنسان الإرادية، ذلك أنه لو لم تكن سقطات الإنسان إرادية لمَّا كان تطبيق القانون مرعبًا للخطأة المدانون.(باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة)
يُناقِش ق. باسيليوس ماهية الشرّ والخطية، فيُشبِّه خطية الإلحاد مثلًا إنها مرض نسيان الله، ويُشبِّه مَنْ يدَّعي أنَّ الله هو علة الشرور، بأنه لا يملك عقل ولا حكمة. الإنسان هو المتسبِّب في فعل الخطية أو رفضها، كما يشير إلى انخداع الخطاة بطعم لذة الخطية، الخطايا هي تلويث للنفس المخلوقة على صورة الله خالقنا، هناك شرور تتوقف علينا نحن مثل: القتل، والحسد، والانحلال الخلقيّ، والظلم… إلخ. الشر هو كل أمر مُتعِب كالمرض الجسديّ، والجروح، والعار، والفضيحة. الشرّ الحقيقيّ هو الخطية، وارتكابها يتوقف على إرادتنا، والخطية هي بالحق شرًا، ونستطيع بإرادتنا الابتعاد عن الشرّ أو فعل الشر كالتالي: [3]
الشرّ الحقيقيّ فهو الخطية، وإرتكابها يتوقف على إرادتنا، وهي تُدعَى بالحق شرًا، وبإرادتنا نستطيع أن نبتعد عن الشرّ أو نفعل الشرّ.(باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور)
ويؤكد ق. باسيليوس على أن الشر ليس له وجود خاص به؛ لأنَّ الشر ليس شيئًا موجودًا مثل أيّ كائن حي. الشر ليس له جوهر، الشر هو غياب الصلاح، كما أن العمى هو غياب الإبصار نتيجة تلف العينين، هكذا الشر ليس له وجود خاص به، لكنه يأتي بعد مرض النفس. لم يكن الشر غير مولود كما يُنادِي الغنوسيون جاعلين طبيعة الشر وطبيعة الصلاح على نفس المستوى. لا يأتي السوء من الصلاح، ولا الشر من الفضيلة، الشر غير مخلوق مع الصلاح في آنٍ واحدٍ، ولم تكن الأرواح المخلوقة مُمتزجةً بالشرور، عندما خلقها الله وآتى بها إلى الوجود، لأنه إنْ كانت الأجساد المادية ليس لها طبيعة شريرة بداخلها، فكم بالأولى الأرواح التي تتميَّز جدًا بالنقاوة والقداسة ليس لها وجود مُشترك مع الشر كالتالي: [4]
كذلك لا تظن أن الشر له وجود خاص به. لأن الشر ليس شيئًا موجودًا، مثلما نقول ذلك عن حيوان ما [كائن ما]. الشر ليس له جوهر، فالشر هو غياب الصلاح، كما أن العمى يحدث نتيجة تلف يصيب العينين، هكذا الشر ليس له وجود خاص، لكنه يأتي عندما تمرض النفس. والشر أيضًا ليس بغير مولودٍ كما ينادي الفجَّار [الغنوسيون وغيرهم] جاعلين هكذا طبيعة الصلاح وطبيعة الشر على نفس المستوى في التقدير. […] إذًا، الشر لم يُخلَق مع الصلاح في آنٍ واحدٍ. ولم تكن الأرواح المخلوقة ممتزجةً بالشرور عندما خلقها الله وأتى بها إلى الوجود. لأنه إذَا كانت الأجساد المادية لم تكن لها طبيعة شريرة بداخلها، فكم بالأولى الأرواح التي تتميَّز جدًا بالنقاوة والقداسة، لم تكن لها وجود مشترك مع الشر؟.(باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور)
الخطية الجدية هي جرح الطبيعة البشرية
يُشبِّه ق. باسيليوس الكبير الخطية الجدية بأنها مثل جرح أصاب الطبيعة البشرية حينما خالف آدم أمر الربّ في مبادئ الخليقة، ويؤكد على أنه لا دواء يشفي الإنسان من الخطيئة سوى التوبة والعودة إلى الله. ويتفق تعليم ق. باسيليوس الكبير في هذا الصدد مع تعليم ق. أثناسيوس الرسوليّ، الذي أكَّد في كتابه ”تجسُّد الكلمة“ [5] على أنه لو كانت مشكلة الإنسان الوحيدة هي الخطية، فالتوبة كانت كافية لمحو هذه الخطية، ولكن المشكلة الكبيرة هي توغل وتغلغُّل الفساد والموت في طبيعة الإنسان داخليًا، وصار بحاجة إلى تجديد طبيعته الفاسدة والمائتة من جديد عن طريق الكلمة خالقه، لكي تتَّحد به النعمة داخليًا، ولا ينال النعمة خارجيًا فقط. حيث يقول ق. باسيليوس الكبير التالي: [6]
فالصوم هو دواء النفس للتخلص من الخطيئة. إن الخطيئة هي الجرح الذي أصاب الطبيعة البشرية حين خالف آدم أمر الربّ في مبادئ الخليقة. ولا دواء يشفي الإنسان من الخطيئة إلا التوبة والعودة إلى الله. لكن يا ترى ما معنى التوبة دون صوم؟.(القديس باسيليوس الكبير، لإلياس كويتر المخلصي)
الخطية هي مرض الروح
يرى ق. باسيليوس أن الفضائل موجودة فينا بالطبيعة، والروح عنده مصاهرة للفضائل، ويشير ق. باسيليوس إلى أن كل رذيلة هي مرض للروح كما الفضيلة هي صحة. ويدحض بذلك ق. باسيليوس التعليم الأوغسطينيّ بالإرادة المقيَّدة والمستعبَدة للشر، والتعليم عن الفساد الكليّ والتام للطبيعة البشرية، فكل رذيلة هي مرض دخيل على الروح، وليس ذنب أو فعل موروث في الطبيعة البشرية، بل الأصل في الطبيعة البشرية هو الفضائل كالتالي: [7]
الفضائل موجودة فينا أيضًا بالطبيعة، والروح عنده مصاهرة للفضائل ليس بالتعليم، بل بالطبيعة نفسها. لا نحتاج دروس لنكره المرض، لكن بأنفسنا نطرد ما ينتابنا، والروح لا يحتاج إلى مُعلِّم ليُعلِّمنا أن نتفادى الرذيلة. الآن، كل رذيلة هي مرض للروح كما الفضيلة فهي صحة. الذين قالوا أن الصحة هي نظام في إظهار الوظائف الطبيعية، قالوا حسن هذا التعريف، يمكن أن يُقَال بدون خوف لصحة الروح. إذًا، بدون درس، الروح تستطيع أن تعرف بنفسها ما يليق أو ما يطابق الطبيعة. إذًا، نرى أن الاعتدال في كل مكان يُمجَّد، والعدل مُكرَّم والشجاعة يُعجَب بها، والتعقُّل هو هدف الكل. الفضيلة هي الروح أكثر ما الصحة هي للجسد.(باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة)
الخطية الجدية هي اختطاف الموت بالخطية
يرى ق. باسيليوس أن وطننا الأول كان السماء، ولكن عندما قاتل الشيطان الإنسان وأغراه بالعبودية التي تسبَّبت في طردنا من هذه المدينة، أختطف الإنسان الأول الموت الفوريّ له بالخطيئة، وهكذا بدأت الولادة الأولى لروح الشرّ كالتالي: [8]
وطننا الأول كان في هذه المدينة العظيمة، عندما قاتل الشيطان الإنسان وأغراه بالعبودية التي تسبَّبت في طردنا. في هذه المدينة سترى الأصل الأول للإنسان واختطافه الفوريّ بالموت عن طريق الخطيئة، سترى الولادة الأولى لروح الشرّ.(باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة)
صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]