بمناسبة حلول عيد القيامة المجيد هذا العام للكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية وغير الخلقيدونية في اليوم نفسه مع باقي العالم المسيحي من كاثوليك وبروتستانت، صرح البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية، بأنه مستعد لقبول اليوم الذي يتفق عليه الجميع لتوحيد الأعياد [1].
وفور إعلان هذا التصريح، قامت كتائب النقد القبطية الأرثوذكسية بمحاربة الرجل. وكان أول من تكلم، كالعادة، نيافة الأنبا أغاثون، الأسقف المغاغي الذي يبحث عن أي دور يضع صورته وأحاديثه في الإعلام.
لن تتكرر هذه الفرصة كثيرًا، خاصة مع سن بابا الفاتيكان الحالي، ولا نعلم اتجاهات من يأتي بعده. وإذا لم نستغل هذه الفرصة، سيذكر التاريخ أن تعنت الأقباط كان سببًا في عدم توحيد الأعياد.
أرى أن توحيد الأعياد أصبح ضرورة رعوية، خصوصًا بعد انتشار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في جميع أنحاء العالم. وأصبح لدينا أجيال جديدة وُلدت وتربت في بلاد المهجر وتزوجت من أبنائها وبناتها، وتكمن هذه الضرورة الرعوية الملحة في الأسباب الآتية:
١. الظهور بمظهر متحضر وقوي أمام العالم غير المسيحي، وغلق باب الأسئلة عن اختلاف مواعيد الأعياد في بعض الكنائس عن باقي الكنائس المسيحية، مؤكدين أن مسيحنا القدوس واحد حتى وإن اختلفت العقائد وطرق التفسير والآراء من كنيسة إلى أخرى.
٢. نحن في بلاد المهجر نعاني كثيرًا بسبب عدم توحيد الأعياد. أولادنا من الجيل الجديد الذي وُلد في بلاد المهجر، مهما حاولت الكنيسة معهم لإقناعهم، فهم ضد الخلافات المسيحية خصوصًا في توحيد الأعياد، ولأنهم تعلموا في مجتمعات مختلفة من حيث حرية الرأي والانفتاح الفكري مع بعض الاستنارة الروحية، لا تستطيع خداعهم بأن موعد العيد هو إيمان وعقيدة. كلنا نؤمن بأن الرب يسوع الكلمة المتجسد وُلد في بيت لحم، ونؤمن أنه صُلب وقُبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث، فما الذي يمنع من أن نحتفل سويًا حتى لو هناك نقاط خلاف وعدم اتفاق؟
٣. في كل بلاد المهجر، يأخذ الأولاد والشباب إجازة من المدارس والجامعات في فترة الكريسماس لمدة أسبوعين، وبعدها تبدأ الامتحانات في يوم 3 يناير من كل عام. هل نستطيع أن نجبر الجيل الجديد على قبول هذا الوضع ونحن في بلاد مسيحية؟ نفس الوضع في عيد القيامة المجيد، يأخذون إجازة تنتهي قبل أن يحتفل الأقباط الأرثوذكس بالعيد، ويفرح الجميع حينما يأتي العيد سويًا، مما يشجعهم على حضور أسبوع الآلام بدلًا من أن تكون الكنائس خالية إلا من بعض كبار السن والمعاشات، أثناء انشغال الجميع في المدارس والجامعات والأعمال. واختلاف مواعيد الأعياد جعلنا نفقد غالبية شباب الجيل الجديد واهتمامهم بالامتحانات، واصفين أهلهم بأنهم منغلقون أو كما نقول بالعامية “دقة قديمة”.
٤. ما هو الحل الأسري في حالات الزواج المختلط الجنسيات؟ مثل أن يتزوج أي شاب أجنبي من شابة من أصل مصري، أو أن يتزوج شاب من أصل مصري من فتاة أجنية، هل ينقسم البيت في الأعياد؟ حتى من يقبلون سر العماد في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية يرفضون تغيير موعد العيد حتى لا ينفصلوا عن عائلاتهم وعن غالبية العالم المسيحي، فيضطر الشاب القبطي أو الفتاة القبطية إلى الانضمام إلى كنيسة الطرف الآخر دون رجعة حتى يتكيفوا مع مجتمعهم الذي وُلدوا فيه.
٥. هل السبت من أجل الإنسان أم الإنسان من أجل السبت؟ هل الرب يسوع له المجد تجسد فقط من أجل العشرين أو الثلاثين مليون قبطي؟ أم جاء لكل العالم؟ أين البعد الرعوي؟ ألم يقل يوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء بشهادة رب المجد: هوذا حمل الله الذي يحمل خطية العالم
[2]؟
٦. عندما يحكم القاضي في أي قضية، يطلب المحامون تطبيق روح القانون. ونحن نطالب بتطبيق روح الكتاب المقدس، أي روح تعاليم الرب يسوع المسيح له المجد، وخصوصًا في الصلاة الوداعية مخاطبًا الآب: ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك. ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني
[3].
٧. أليست هذه فريسية العبادة التي لعنها ونهانا عنها الرب يسوع المسيح له المجد حين قال: ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون
[4]؟ ما دخل مواعيد الأعياد في الإيمان والعقيدة؟ لماذا هذا التحجر الفكري؟
٨. غالبية الكنائس الأرثوذكسية، مثل السريان الأرثوذكس والكنيسة اليونانية، غيرت مواعيد الأعياد دون اتحاد في الإيمان. ولكل كنيسة تقاليدها وتراثها وعقائدها، وقد وحدت بعض الكنائس الأعياد في بلاد المهجر فقط.
٩. جميع المعارضين ليس لديهم حجة واضحة سوى قوانين مجمع نيقية. فهل لو اتحد العالم المسيحي في مواعيد الأعياد، ألن يكون ذلك مجمعًا مسكونيًا من حقه أن يصحح وضعًا أصبح خاطئًا بمرور الزمن؟ لقد ضم مجمع نيقية ٣١٨ أسقفًا، وأنا واثق أنه لو عُقد مجمع مسكوني حاليًا، لكان العدد أضعاف من عدد الحاضرين في مجمع نيقية.
١٠. دائمًا ما نقول إننا والسريان الأرثوذكس إيمان واحد وعقيدة واحدة في كل شيء، ونستطيع أن نشترك سويًا ونتناول معًا في سر الإفخارستيا. حاليًا، تحتفل الكنيسة السريانية بعيد الميلاد في ٢٥ ديسمبر. لماذا لا نشاركهم؟ أم نحن نعتقد أننا الفرقة الناجية من النار؟
ملاحظة أخيرة: في فترة انتشار وباء كوفيد-19، شهدنا عاصفة من المعارضة بشأن استخدام الماستير في التناول. كانت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تُعطي المتناول الذخيرة المقدسة في يده. هل يعلم بذلك أسقف مغاغة وتلميذه النجيب؟ ربما قد يطالب بالانفصال عن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة. هذه الممارسات لا تمس الإيمان أو العقيدة؛ فنحن جميعًا نؤمن بالثالوث الأقدس وتجسد الابن الكلمة ربنا يسوع المسيح له المجد، والباقي تفاصيل.
نتمنى أن يستمع قداسة البابا تواضروس إلى هذا النداء والاحتياج الرعوي دون الالتفات إلى المعترضين على أي شيء يفعله قداسته. كما نناشد أصحاب النيافة المطارنة والأساقفة المتنورين والمتعلمين والمثقفين مساندة قداسة البابا في هذا القرار، أما باقي الأساقفة المتعنتين دون فهم للبعد الرعوي، وخصوصًا الأسقف المغاغي وأتباعه، فيمتنعون. ليس منوطًا بهم قيادة كل شيء في الكنيسة خارجًا عن قريتهم أو إيبارشياتهم.