المقال رقم 15 من 16 في سلسلة ملكوت الله سيمتد

غاية الدين الوصول إلى الله، أما المسيحية فهي تبدأ من الله وتنتهي إليه.
مقولة تحتاج إلى توضيح أكثر، وهي أيضًا في صميم سلسلة ملكوت الله… سيمتد.

سأبدأ حديثي اليوم بسؤال يقودنا إلى صلب مسيحيتنا: ما هو هدف الإنسان في الحياة وما هي غاية وجوده؟

إذ كانت الإجابة أن نسعى في الأرض لكي نصل إلى الله أو أن حياة الإنسان على الأرض هي غاية وجوده، فلا فرق إذن بين الإنسان في المسيح والإنسان بدون المسيح، لأن الكتاب يقول: إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح، فإننا أشقى جميع الناس [1]. إذن فنحن نعبث إن نمارس دينًا. أيضًا إذا عشت بإدراك أن هذه الحياة هي غاية وجودي، حينئذ لا فرق بين الإنسان والحيوان، لأن هذا يقودنا إلى المبدأ القائل: نأكل ونشرب لأن غدًا نموت.

وبذلك نكون قد فقدنا الهدف الذي لأجله خلق الله منذ البداية، كما تعلمنا ال الأرثوذكسية في صلواتها [2] إذ نقول:

وخلق آدم في اليوم السادس على صورته وستره بالبهاء، ونفسًا وعقلًا ولسانًا ينطق ويعرف كل شيء حقًا وظلمًا، وجعله كاهنًا وملكًا ونبيًا، وسلّطه على كل المسكونة.

(ثيؤطوكيّة الإثنين، لُبش آدم 2)

يقول الكتاب المقدس في خلق آدم و: «وباركهم الله وقال لهم: أثمروا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض [3].

الله خلق الإنسان على صورته ليكون الإنسان شاهدًا بذاته لوجود ذات الله، بمعنى لكي يحقق الإنسان وجوده ويحيا في الغرض الذي خُلق لأجله، لابد أن يحيا في انسجامٍ وشركةٍ مع الله للغرض الذي من أجله خُلق، وبالتالي في انسجامٍ مع نفسه.

وعندما سقط آدم وأدرك أن سترة البهاء الإلهي الذي كان مستورًا به قد نُزعت منه، نتيجةً حتمية للسقوط وهي انفصاله عن الشركة الحميمة مع الله، وجد نفسه عاريًا وأدرك عريه. ونتيجةً لفقدانه سلطان الملك والكاهن والنبي على الخليقة، أصبح مختبئًا.

وللأسف، ممن اختبأت يا آدم؟ وممن نختبئ نحن وقت سقوطنا في الخطية؟ هل من الله؟! كما فكر يونان أن يختبئ من الله إله البر والبحر، فأهداه ذهنه الساقط أن يختبئ في البحر؟ هكذا أنا وأنت عزيزي القارئ، من ممن نختبئ وأين نختبئ وقت سقوطنا؟ إنه من الغباء أن نفكر أن نختبئ ممن يقول عنه الكتاب في مزمور ١٣٩ [4]:

يا رب، قد اختبرتني وعرفتني. أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد. […] من خلف ومن قدام حاصرتني، وجعلت عليّ يدك. […] أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السماوات فأنت هناك، وإن فرشت في الهاوية فها أنت.

(مزمور ١٣٩: ١-٢، ٥، ٧-٨)

لٰكن لنا إله يفوق كل تصور بشري، ففي الوقت الذي اختبأ فيه آدم وحواء من وجه الرب، جاء أول سؤال في الكتاب المقدس بأكمله، وليس اعتباطًا أن يكون هو السؤال الأول في الكتاب المقدس على الإطلاق، وهو: فنادى الرب الإله آدم وقال له: «أين أنت؟» [5]. إذًن، الله دائم البحث عن الإنسان، بل الله هو المبادر دائمًا وأبدًا في البحث عن الإنسان، كما نصلي في القداس الغريغوري [6].

الذي من أجل الصلاح وحده، مما لم يكن، كوّنت الإنسان وجعلته في فردوس النعيم. وعندما سقط بغواية العدو ومخالفة وصيتك المقدسة، وأردت أن تجدده وترده إلى رتبته الأولى، لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا رئيس آباء ولا نبيّ ائتمنته على خلاصنا، بل أنت، بغير استحالة، تجسدت وتأنست وشابهتنا في كل شيء ما خلا الخطيئة وحدها.

(القداس الغريغوري، صلاة القسمة للابن)

فالله إذن هو المبادر، وهو الغاية. لذلك فمن الذي هو صورة الله غير المنظور نستمد سر خلقتنا في الله وغايتنا منه، لأنه هو نموذج الإنسان الأعلى، إذ هو الأول والآخر أي التعبير الكامل عن حياة الله في الإنسان.

وهو البداية والنهاية، أي القوة الخالقة التي تحرِّكنا نحو الله وتنتهي بنا إلى الله. والمسيح هو الألف والياء، أي النموذج الإلهي المُعلن الذي ليس قبله ولا بعده شيء. الكامل بذاته كما يقول الكتاب: فإنه فيه خُلِقَ الكل: ما في السماوات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى، سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خُلِق [7].

لذلك، إذا كنت لا تزال تعتقد، عزيزي القارئ، أنك تفعل أشياء لكي تصل إلى الله، فإنك لا تزال تمارس الدين، وليس المسيحية.

وحينئذ تحتاج إلى إعادة فحص إيمانك، وأدعوك أن تقرأ الكتاب المقدس كمسيحي وليس كيهودي. وأيضًا أدعوك أن تتصفح كتابك المقدس من منظور الله وليس من منظورك الشخصي!! وأعط الكلمة المقدسة المساحة لكي تجدد ذهنك وليس العكس. وهذا رجائي ألا تعمل إسقاطًا لما في ذهنك على كلمة الله، وتتبع وصية الرب نفسه حينما قال: انظر كيف تقرأ!! فقال له: «ما هو مكتوب في . كيف تقرأ؟» [8].

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. رسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ١٥: ١٩ [🡁]
  2. لُبش آدم 2 على ثيؤطوكيّة يوم الإثنين: احفظني يا رب، لأني عليك توكلت. [🡁]
  3. سفر التكوين ١: ٢٨ [🡁]
  4. سفر المزامير، مزمور ١٣٩: ١-٢، ٥، ٧-٨ [🡁]
  5. سفر التكوين ٣: ٩ [🡁]
  6. القداس الغريغوري، صلاة القسمة للابن [🡁]
  7. رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي ١: ١٦ [🡁]
  8. إنجيل لوقا ١٠: ٢٦ [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ ملكوت الله سيمتد[الجزء السابق] 🠼 لنأتِ بالملكوت على الأرض[الجزء التالي] 🠼 جهلنا بالحق لا يلغي الحق
عاطف حنا
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎