وأنا طفل كنت فاكر إن المسيح اتولد يوم ١ / ١ سنة ١ ميلادية.
أمال اسمه “الميلادي” ليه يعني؟ وهو الهجري اتسمى هجري ليه غير علشان الهجرة؟
ده قادني لسؤال وجودي أكثر عمقا: ليه بنحتفل يوم ٧ مش ١ مع بداية السنة؟
كطفل كنت أسأل… وكطفل كانت الإجابات الطفولية الجميلة التي لا أساس لها من الصحة، وإنما خليط من البساطة والتسطيح والفتي الوراثي الأسمر الجميل…
النهاردة هنتكلم كلام ناس ناضجة شوية…
هنتكلم حسب “ما نعرف” وليس حسب “ما نعتقد”
المسيح مولود قبل الميلاد
دي مش جملة أدبية شعرية… دي حقيقة تاريخية…
فعليًا، نحن لا نعلم تاريخا دقيقًا ليوم ميلاد المسيح، ولا حتى سنة ميلاده، فتم استخدام الأحداث المذكورة في الإنجيل ومضاهاتها علي الأحداث التاريخية، ومن هنا توصلنا بالعلم لتاريخ تقريبي إن المسيح وٌلد من ٦ق.م إلى ٤ق.م تقريبًا. ثم بعدها استطاعت الدراسات الأكثر دِقَّة تحديد إنه شتاء عام ٤ق.م بنسبة خطأ عام واحد، ففي ناس بتحب تحط العام ده وتعتبره ٣ق.م.
إزاي حصل ده؟ ليه الناس استنوا ٣ أو ٤ سنين وبعدها ابتدوا يعدوا من رقم ١ ؟ ويبقي ميلادي ازاي كدا؟
مش ده اللي حصل… السنوات وحسابها بالتقويم الشمسي هو ابتكار روماني من قبل المسيح أساسًا، وأسماء الشهور مأخوذة من آلهة الرومان وأباطرتهم السابقين عليه… أهمية المسيح كتاريخ مظهرتش غير بعد انتشار المسيحية بعد قرون من ولادته… فتم ده بأثر رجعي لما بقيت المسيحية دين سياسي للدولة الرومانية… وطبعا لما بتمر سنين وقرون على حدث بتكون النتائج غير دقيقة.
طيب ده بالنسبة للسنة، فما بالك بتحديد يوم الميلاد؟
الناس اللي بتصوم وتفطر كل سنة دي، عرفت يوم الميلاد إزاي؟
اليوم ده ليه قصة طريفة عند الأوربيين، ومزعجة عند الأمريكيين، ولا يعلمها أكثرية الشرقيين نتيجة للانغلاق والقطيعة المعرفية!
في بداية انتشار المسيحية، كان معظم أوربا يتبع الديانة المانوية، والتي هي أشبه بديانة خليط من الوثنية الهلينية مع التوحيد الشمسي الإخناتوني، وفي نفس الوقت قصة ماني (مثرا في الفارسية) تتشابه مع قصة المسيح في الميلاد العذري… العوامل دي كلها خلت التحول للمسيحية سهل علي الأوربيين دول… وهما دول اللي وضعوا الاحتفال بعيد ميلاد المسيح في يوم “الانقلاب الكبير”.
يعني إيه “يوم الانقلاب الكبير” / عيد الشمس التي لا تقهر / Dies Natalis Solis Invicti ؟
عدد ساعات النهار مش نفس عدد ساعات الليل طول العام… يعني أكيد لاحظت إن “ليل الشتا طويل” من غير الأغنية إياها… ببساطة ساعات ظهور الشمس (النهار) في فصل الصيف أطول من فصل الشتاء.
نظرا لأهمية الشمس في العبادات المجوسية، وفي التقويم الشمسي عمومًا، كانوا بيحسبوا بدقة زمن ولادة الشمس الجديدة (أول يوم هتبتدي فيه زيادة النهار) واليوم ده اسمه الفلكي “الانقلاب الكبير”، وكان له عيد بيسموه عيد الشمس التي لا تُقهر.
الأوربيين حافظوا علي اليوم ده [ولادة الشمس] واعتبروه بشكل معنوي يوم معبر عن ميلاد المسيح، على أساس إن المسيح هو “شمس البر” وأنسب يوم لتذكره هو ولادة الشمس في كل عام.
دي قصة الاحتفال بعيد ميلاد المسيح… قصة بسيطة ولا ليها علاقة بدقة تقويم ولا بما يقابله في تقويم أجدادنا، ولا ليها علاقة بالبابا جريجوري وتعديله، وبالتأكيد لا صلة لها بأسقف النينچا بتاع مغاغة والعدوة، وكلامه عن التراث في مية البطيخ!
العيد ده تم استخدامه في الصراع الطائفي من زمان جدا…
نقدر نقول إنه كان عيد أوربي شعبي بامتياز، (زي “شم النسيم” عندنا مثلا) ثم بعد الانشقاق الأنچليكاني في بريطانيا استخدمه المتشددون منهم في الطعن على الكاثوليك، (تاريخيا هم أول من اعتبروه عادة وثنية، أو حاجة زي العودة للجاهلية الأولي في المكافئ الأصولي الإسلامي لكتابات “سيد قطب” مثلا)، وده خلى الكاثوليك يتمسكوا بيه أكتر واعتبروه صوم مسيحي مقدس… والتاريخ بيذكر حوادث شغب واضطرابات واعتصامات كان بيقوم بيها البروتستانت في توقيت العيد ده كنوع من الاعتراض عليه.
مع القرن ال١٩ ساهمت الكتابات الثقافية والتنويرية [العلمانية] في إخماد نيران التشدد والاحتراب الطائفي، ولعل أبرزها كان أعمالا فنية وأدبية مثل كتابات “تشارلز ديكنز” عن “ترنيمة عيد الميلاد”.
في العصر الحديث مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية (ذات الأغلبية البروتستانتية) فاليمين الديني تدخل لمنع الدولة من أي مظاهر دينية خلال الكريسماس استنادًا للدستور الأمريكي الذي يحظر انحياز الدولة لدين بعينه أيا كان.
القصة العقائدية في المسألة هي مختصرة جدا:
هل تؤمن أن المسيح “شمس البر”؟ إذن فيوم ميلاده سيكون عندك يوم ميلاد الشمس علي أي تقويم وفي أي مكان سواء كنت أوربي أو أمريكي أو مصري أو من كوكب مغاغة والعدوة… أي كلام تاني فده ديماجوجية وشعبوية وشغل حشد وتجييش لصراع أصولي تاريخي. فحاول إنك تكون ناضج ومتقعش في فخ اﻷصولية وأن يتم استخدامك في صراعات تاريخية تافهة القيمة اﻹيمانية وغرضها الوحيد هو تعزيز الانقسامات والعزلة.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟