تعامد المذبح واحدة من أكثر الخرافات القبطية شيوعًا مؤخرًا هي تعامد الشمس على مذبح كنيسة ما، في تاريخ محدد يرتبط بقديس هذه الكنيسة. وينتشر هذا الهراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُنشر صور ومقاطع فيديو تُظهر أشعة الشمس وهي تسقط بشكل مستقيم على المذبح، زاعمين أن هذا الحدث ﻻ يتكرر إلا في ذلك التاريخ المحدد فقط.

وقد تزامن صعود هذه الخرافة مع حدثين:

تعامد المذبح أولهما: تزايد الاهتمام السياحي بتعامد أشعة الشمس على وجه تمثال الملك في قدس أقداس معبده الكائن بمنطقة أبو سمبل جنوبًا.

وثانيهما: تزايد الأصوات المطالبة بإعادة ضبط ، بعد أن تراكم الخطأ السنوي (الفارق بين طول السنة الحقيقي والطول المعتبر في التقويم) لتزيح كل أحداثها إلى ما يقرب من أسبوعين.

تعامد المذبح و هو الأمر الذي يعتبر شديد الحساسية لأصوليي الأقباط، الذين يسبغون القداسة على كل ما لمسته أياديهم المباركة، وكل مقدس لا يمس، مهما كانت فجاعة الخطأ به.

ومع أن الأمر محسوم علميًا ومطروح من عدة عقود، حتى أنه لن يغري عنزان للتناطح بشأنه، إلا أن البعض وعلى رأسهم بعض الأساقفة لن يتورعوا عن تكفيرك إن أشرت للموضوع.

تعامد المذبح ولتدعيم موقفهم في مواجهة المنطق العلمي الباهر الذي لا يدحض، يتلمسون هراءات مضحكة من هذه النوعية، يسوقونها للعوام لترسيخ فكرة قدسية التقويم.

ولأننا وصفنا الأمر بالهراء، فسيلزمنا بعض المعلومات والشروحات الهندسية، واعتذر مقدمًا عن جفافها.

ما هو التعامد؟

التعامد هو أن يتلاقى محوران، يحصران عند التلاقي زاوية قائمة (عدد درجاتها 90 درجة).

تعامد الشمسفي الصورة المرفقة يسارًا، ستجد أن رأس الملك رمسيس الثاني المنتصب رأسيًا يستقبل أشعة الشمس الأفقية الساقطة عليه صانعة زاوية قائمة، فنستطيع -بكل أريحية- أن نصف هذا المشهد بالتعامد، تعامد أشعة الشمس على وجه الملك.

الأمر نفسه لا نستطيعه إذا كنت -مثلا- تمتلك حمامًا مشمسًا، تدخل أشعة الشمس إليه من نافذة مفتوحة، لتسقط على حوض الغسيل، فزاوية السقوط هنا ليست قائمة، ولن يكون تعامدًا إلا إذا كانت الأشعة تسقط رأسيًا تمامًا من فتحة أعلى الحوض المستقر أفقيًا، وكما انك لا تستطيع اعتبار كل قط تراه هو “م”، فكذلك ليس كل سقوط لأشعة الشمس على جسم ما، هو تعامد.

ما الفرادة في معبد رمسيس الثاني؟

تعامد لا شك أن الاهتمام بهذا الحدث لا يأتي من فراغ، فالحدث فريد وخلفه عقليات هندسية جبارة، صممت بدقة ارتفاعات الفتحات المتتالية المؤدية إلى القاعات المتعاقبة داخل المعبد، وصولًا إلى قدس الأقداس، وعلاقتها بمنسوب رؤوس التماثيل داخل هذه القاعة الأخيرة، فضلا عن تموضع الجميع على محور واحد بدقة متناهية.

الأمر المبهر، أنه مع تقطيع المعبد ونقله وإعادة تركيبه في موقع أخر، حماية له من الغمر بمياه بحيرة السد العالي -ناصر وقتها- وهو المشروع الذي قامت به مؤسسة “اليونسكو”، تم مراعاة هذه العلاقات بدقة تامة، ولا اعلم إن كانت الدراسات قبل الشروع في المشروع قد راعت هذا الانضباط، أم أن تصميم كتل المعبد لم تترك مجالًا للخطأ، على كل الأحوال هو مشروع مبهر أيضا.

تعامد وحتى نتصور الإبداع الهندسي تأمل الصورتين المرفقتين لمساقط المعبد، وقد قمت بتوقيع مسارات أشعة الشمس عليها، المسافة التي تقطعها الأشعة -الأفقية تمامًا- أفقيًا هي 60 مترا داخل المعبد، وعلى ارتفاع محدد من أرضيته، في هذه اللحظات فقط -مع لحظات أخرى يفصلها عن الأولى ستة اشهر بالتمام والكمال- تستطيع عيني التمثال رؤية “عين” الشمس.

التفسير العلمي للظاهرة

أي بقعة على الأرض معرضة للشمس تسقط عليها الأشعة طول العام، ولكنها لا تسقط بنفس الزاوية إلا مرتان فقط في العام -يفصلهما ستة اشهر- ولا تستمر زاوية السقوط هذه إلا لحظات معدودة نظرا للحركة النسبية بين الأرض والشمس التي لا تتوقف أبدا.

ويمكنك إجراء التجربة بنفسك. ففي أي منطقة مشمسة، قم بتثبيت ماسورة بقطر صغير نسبيًا (ليكن 10 سنتيمترات) وبطول مترين مثلًا، بحيث ترى “عين” الشمس خلالها وقت التثبيت. لن تستطيع أبدًا رؤية الشمس خلال الماسورة إلا بفاصل زمني قدره ست أشهر من نفس توقيت التثبيت، وعلى الرغم أن الشمس تغمر المنطقة كلها طول العام. سترى بالطبع ظلًا للماسورة (يطول ويقصر)، ولكنك لن تجد لها ظلًا مرتين فقط في العام. وفي هاتين المرتين، تكون زاوية سقوط الشمس على هذه البقعة هي نفس زاوية ميل الماسورة على سطح البقعة. وبكلمات أخرى، تكون أشعة الشمس موازية لمحور الماسورة ورواسمها، فلا تترك لها ظلًا.

ماذا عن تعامد الشمس على المذابح؟

أكاد لا أصدق كم الكذب الذي يغلف هذا الموضوع، وكم التضليل به، فبداية لا تعامد هناك كما أسلفنا، ثم وهو الـهم، كيف نصدق أن بقعة الشمس هذه لا تسقط على المذبح كل يوم!!!

الشمس في كبد السماء يوميًا وهناك فتحة في السقف تمرر أشعة الشمس، ومذبح بالأسفل بمساحة كبيرة أضعاف مساحة الفتحة، فما الذي يمنع أشعة الشمس من السقوط والتجول على سطح المذبح كل يوم؟؟ هل تخلفت الشمس أبدًا عن السقوط على حوض غسيل وجهك الذي أشرنا إليه سابقا!!

ألا تستحوا يا رجال الله!!!

إضاءات أخرى:

– في السنوات الكبيسة ستحدث إزاحة لموعد السقوط يوم كامل، لأن الشمس لا تفهم طريقتنا في ضبط التقاويم بإضافة يوم لبعض السنوات.

– لا تصدق شيئا عن ارتباط تعامد معبد أبو سمبل بمناسبات خاصة بالملك رمسيس الثاني.
أولًا: لأن المعبد شُرع في إنشائه في عهد الملك سيتي الأول، والد رمسيس الثاني.
وثانيًا: أية مناسبات مرتبطة بالملك رمسيس الثاني لا توجد مصادر إطلاقًا لمواقيتها.
ثالثًا: لأن المعبد نقل من مكانه وتموضع بموقع جديد، سيسفر بالتأكيد عن اختلاف مواقيت التعامد قبل النقل وبعده، والأمر كله إبداع هندسي فقط.

– هذه التقنية ستنقلك لجولة داخل المعبد.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

رجائي شنودة
[ + مقالات ]