إن الطريق لاكتشاف ومعرفة أسرار الهدف الأسمى الذي يملأ صفحات الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى الرؤيا، ألا وهو “ملكوت السموات” أو “ملكوت الله” الذي أصبح على الأرض، أو بالأحرى أصبح داخل كل مؤمن حقيقي منذ أن وطأت قدم الرب يسوع بالجسد على الأرض، كما يقول الرب نفسة؛ وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا ههُنَا، أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ
. [1]
هذا الطريق هو رحلة حياة المسيحي على الأرض، رحلة تأخذك من مرحلة إلى مرحلة، ومن نمو إلى نمو أعظم، ومن قوة في الإيمان والثبات في شخص الرب إلى إيمان أعظم، هذه الرحلة هي أسلوب حياة، إنها حياة السماء على الأرض كأيام السماء على الأرض
. [2]
وإن كان قد اختلط على البعض أحيانًا لفظ ملكوت السموات أو ملكوت الله، وأعتقد البعض أن هناك فرق ما، لكن ملكوت الله وملكوت السموات يحملان نفس المعني، ولم يأت لفظ ملكوت السموات إلا في إنجيل متى البشير، حيث إنه كتب إنجيله إلى اليهود وكان اليهود قد استبدلوا كلمة الله، يهوه!! إلى أدوناي أو السيد نتيجة خوفهم من يكتبوا اسم الله، وحفظًا وتقديسًا لهذا الاسم، واستنادًا إلى الآية لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلًا
. [3] أما باقي الأناجيل جاء فيها لفظ ملكوت الله، وكما قد عرفنا ملكوت الله في مقالات سابقة أنه مجال حكم وسلطان الله. أيضًا يتضح جليًا من الصلاة الوحيدة التي علمها الرب يسوع المسيح لتلاميذه حينما طلبوا منه أن يعلمهم أن يصلوا.
وإذ كان يصلي في موضع لما فرغ قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا أن نصلي كما علم يوحنا أيضا تلاميذه
[4] فقال لهم ما هو معروف لدينا بالصلاة الربانية «أبانا الذي… ليأت ملكوتك… كما في السماء، كذلك على الأرض»، والجميل أننا نصلي هذه الصلاة تقريبًا قبل وبعد كل صلاة، ونصليها في صلوات الإچبيّة، والقداس، وقبل الأكل وبعده، وفي كل مناسبة، وهكذا.
الكنيسة المسترشدة بالروح القدس وضعت لنا هذه الصلاة بشكل متكرر، وسواء صلينا هذه الصلاة بإدراك أو بعدم إدراك فهي صلاة محورية، أي إننا كل وقت نصلي أن يأتي ملكوت الله كما هو الحال في السماء كذلك يأتي على الأرض وكأن الرب يضع على عاتق وقلب أولاده أن يأتون بالملكوت على الأرض كما هو في السماء، كذلك على أرضنا، إذن مسؤولية كل مؤمن وكل شخص أن يأتي بالملكوت على الأرض.
وإذ كان العالم قد تباطأ في قَبُول الانضواء تحت رعاية ملكوت الله، فهذه هي مسؤوليتنا ككنيسة وكشعب عن إتيان الملكوت داخل قلوب الناس، إذ المسيح يدعو في هدوء وبغير قسر، ويلح في الدعوة للجميع بغير خوف أو اضطراب ويقنع بالحب، يظهر كأنه يلزم بالدخول آلية مع أنه واقف على الباب ويقرع منتظرًا من يفتح له، يتودد إلينا كمن هو في حاجة إلى خلاصنا ينادي ويقول أيها العطاش جميعا هلموا إلى المياه والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرا ولبنا
[5]
فالمسيح يعرض ملكوته من خلال كنيسته على العالم كله، ومن خلال قراءتنا المتأنية للبشاير يستطع القارئ الذي يقرأ كلمة الله ليس كحبر على ورق، ولا كأنها قصص ولكن كلمة الله هي أنفاس الله وكل ما كتب في الكتاب يريد الله توصيل رسالة لكل قارئ، كل حسبما اتسع قلبه ورؤيته وأعطى مساحة للكلمة أن تعمل بداخله، أقول بقراءتنا للكلمة والدخول في شركة حقيقية بواسطة أربع نقاط فيها تتجلى الشركة الحميمة Intimacy بينا وبين الروح القدس، أسردهم هنا في عجالة سريعة بدون إسهاب، إلا وهم المحبة، والمودة المتبادلة بينك والروح القدس، والثالث الامتياز الذي نلناه نحن بهذه الشراكة، كل هذا يقود إلى النقطة الرابعة وهي المسؤولية.
أولًا: المحبة، بادئ الأمر لابد أن أدرك أن الله احبني محبة أبدية، محبة غير مشروطة كما يقول رسول المحبة أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى
. [6] إذن محبة الله لنا تحتاج إلى إدراك وقلب يستقبل هذه المحبة، وشكرًا لله أن هذه المحبة قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا [7]، إذن حتى أن نبادل الرب محبته لنا ليس فضل منا ولكنها عطية وهبها لنا من خلال الروح القدس.
تقودنا المحبة المتبادلة إلى عمق المودة المتبادلة الوثيقة، إذ عندما ننفرد بالرب سواء في مخادعنا أو في اجتماع الصلاة أو في صلوات الكنيسة حينئذ كل ما في العالم يجب أن ينتظر خارج نفسي وكياني ولا يملأ عقلي وذهني إلا مشهد الملك يسوع وكما يقول الكتاب يملئ قلبي الفرح بالرب كمن وجد غنيمة وافرة
[8]، وتتحول العلاقة بيني وبينه إلى علاقة مودة وثيقة و معرفة شخصية ترتقي إلى شركة واتحاد وثيق، مع كل الأسف كثيرين التقوا بالرب علي قارعة الطريق لكنهم افتقدوا إلى هذا الشركة!
تقودنا حياة الشركة إلى الدخول في امتياز الثقة المتبادلة ويا له من امتياز أن ندخل في شركة محبة وثقة مع ملك الملوك ورب الأرباب، وهذه الثقة هي الذراع الذي استند عليه وقت التجارب أو الأزمات، هذه الثقة تعطيني جرأة وحق الدخول إلى العمق. الَّذِي بِهِ لَنَا جَرَاءَةٌ وَقُدُومٌ بِإِيمَانِهِ عَنْ ثِقَةٍ.
[9] إلى مكان أجد فيه راحة ويجد الرب أيضًا راحة فيه وَأَرَاحَهُمُ الرَّبُّ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.
[10]
كل هذا يقودنا إلي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا كأولاد منوطين بأن نحيا ملء الملكوت على الأرض، إذ أن الرب يبحث عن أولاد ناضجين يعملوا معه في حقله كفعلة وكخميرة تٔخمر العجين، وكنور وملح للعالم. إذن قصد الله لكنيسته وأولاده أن يخرجوا من أنفسهم ويدركوا حجم المسؤولية إلا وهي خلاص النفوس، وهذا أعظم وأهم هدف لوجودنا كمسيحيين ننتمي للمسيح أو بالأحرى يحيا المسيح فينا ويترائ للعالم من خلالنا.
صلي أن يعمل الرب فيك وبك عملا عظيمًا وضع ف قلبك أن كل عمل تعمله يحمل الـ intimacy بينك والرب الروح القدس، هو عند الرب كثير الثمن، وتكون هذا العبد الأمين الذي أقامه سيده، ووضع يده في يد السيد وعمل معه بكل أمانة.
فَقَالَ الرَّبُّ: فَمَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟
[11] إرادة الرب لي ولك أن نكون أبناء ناضجين، رجال ﴿وكلمة رجل في الكتاب المقدس لا تحمل المعنى الجنسي الحرفي لكنها تحمل معنى الحالة الروحية﴾؛ في تحمل المسؤولية ونتخلى عن كل طفولة روحية، كما قال الرسول: كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا
. [12]