- التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح
- ☑ التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح [٢]
- التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح [٣]
في مصر استمر الاعتماد على التقويم القبطي، أما في الشرق واليونان وشرق أوروبا الأرثوذكسي فقد استمر الاعتماد على التقويم اليولياني كالمعتاد. وهو ما جعل في تلك السنة التي حدث فيها التعديل الجريجوري للتقويم (١٥٨٢) عندما حل يوم ٢٥ ديسمبر ١٥٨٢ كانت مصر ما زالت في يوم ١٨ كيهك! وعلى هذا أصبح عيد الميلاد الذي نحتفل به يوم ٢٩ كيهك موافقًا ليوم ٤ يناير في التقويم الجريجوري! بينما ظل العيد في دول شرق أوروبا ٢٥ ديسمبر (وفقًا للنظام القديم) الموافق كذلك ليوم ٤ يناير في التقويم الجريجوري الجديد.
لم نشعر في مصر بهذا الفرق إلا عندما تبنى الخديوي إسماعيل عام 1875 التقويم الجريجوري (الإفرنجي
كما كانوا يسمونه وقتها) في المعاملات الحكومية بدلًا من التقويم الهجري، وبديلًا عن التقويم القبطي في الزراعة. ووقتها أصبح يوم ٢٩ كيهك يوافق ٦ يناير نتيجة تراكم الفرق بين التقويمين. وبالمثل أصبح ٢٥ برمهات (الاعتدال الربيعي نظريًا والذي بناءًا عليه يحسب عيد القيامة) يوافق يوم ٢ أبريل!
ولأن عام ١٩٠٠ وفقا للتعديل الجريجوري ليس سنة كبيسة بينما في التقويم القبطي كل اربع سنوات هناك سنة كبيسة دون استثناءات، زاد بعدها يوم إضافي للتقويم القبطي، فتحرك عيد الميلاد إلى ٧ يناير بدلا من ٦ يناير. ولا ننسى أن في السنة القبطية الكبيسة يتحرك ٢٩ كيهك يومًا إضافيًا فيصبح العيد يوافق ٨ يناير، إلا أنه جرت العادة في السنوات الكبيسة أن يتم الاحتفال بعيد الميلاد يوم 28 كيهك حتى يبقى الفرق بين 29 برمهات [عيد البشارة] وعيد الميلاد 9 شهور بالضبط.
وهكذا أصبح جيلنا لا يعرف عن موعد عيد الميلاد سوى أنه ٧ يناير غير مدركين أنه عقب العام ٢١٠٠ سيصبح ٨ يناير وهكذا [1]. واصبح الاعتدال الربيعي النظري يوافق يوم ٣ أبريل، بما جعل عيد القيامة أحيانًا يجيء في شهر مايو، أي بعد قمرين مكتملين من الاعتدال الربيعي الحقيقي [٢١ مارس] بالمخالفة لقرار مجمع نيقية بموعد العيد.
موقف الكنائس الأرثوذكسية الشرقية Eastern Orthodox (الخلقدونية) من التقويم الجريجوري:
على مدى السنوات التالية لتبني التقويم الجريجوري من قبل الكنيسة الكاثوليكية، بدأت الدول في أوروبا والعالم في تبني التقويم تدريجيًا وكان آخرهم في أوروبا؛ روسيا عام 1917، ثم رومانيا ويوغوسلافيا في 1918، وأخيرًا اليونان عام 1923. ولكن رغم قبول هذه الدول بالتقويم واستخدامه، إلا أن الكنائس الأرثوذكسية الشرقية (أو كما نسميها نحن الخلقدونية) بهذه الدول رفضت تبني التقويم الجريجوري (لأنه في نظرهم كاثوليكي!).
ولحل هذه المشكلة، عُقد مجمع أرثوذكسي مسكوني (خلقدوني) في القسطنطينية عام 1923 لمناقشة التقويم. في هذا المجمع تم تبني اقتراح العالم الفلكي الصربي ملتين ملانكوفيتش بإصلاح التقويم اليولياني الذي تستخدمه هذه الكنائس، وإقرار تقويم يولياني مراجع revised Julian calendar أدق حسابيًا من التقويم الجريجوري عن طريق زيادة عدد السنوات القابلة للقسمة على 100 المستثناة من كونها سنوات كبيسة [2]، ووفقًا للتقويم الجديد، أصبحت التواريخ مطابقة مع تواريخ التقويم الجريجوري، وستستمر كذلك حتى العام 2800 حين يبدأ الفرق الحسابي الذي وضعه ميلانكوفيتش في الظهور.
أقرت هذا التعديل تباعًا كنائس القسطنطينية واليونان وأنطاكية وبلغاريا وبولندا ورومانيا وألبانيا والإسكندرية (للروم الأرثوذكس)، بينما رفضتها كنائس القدس وروسيا وصربيا وجورجيا وأوكرانيا [3] وأصروا على الاستمرار وفقا للتقويم اليولياني القديم.
وهكذا أصبحت اليونان ورومانيا على سبيل المثال تعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر مثل الغرب، بينما روسيا وصربيا ما زالت تعيده يوم 7 يناير مثلنا. ورغم تعديل التقويم وتحريك كافة الأعياد والمواسم لتوافق التقويم الجديد، إلا أن كل الكنائس الأرثوذكسية الشرقية ما زالت تحسب موعد عيد القيامة طبقا للتقويم اليولياني [4] قبل تعديله ومعه كل الأعياد المتغيرة الأخرى!
موقف الكنائس الأرثوذكسية المشرقية Oriental Orthodox (اللا خلقدونية) من التقويم الجريجوري:
استمرت الكنائس الأرثوذكسية المشرقية [5] في استخدام التقويم اليولياني، أو تقويمها الخاص المشابه للتقويم اليولياني، مثل التقويم القبطي في حالة الكنيسة القبطية والتقويم الإثيوبي في حالة كنيسة إثيوبيا، حتى الآن. ولكن بعد تبني معظم الكنائس الشرقية للتقويم الجريجوري في الأعياد الثابتة، بدأ هذا الموقف في التغير.
تبنت كنيسة الأرمن الأرثوذكس التقويم الجريجوري في عام ١٩٢٣، وكذلك كنيسة أنطاكية للسريان الأرثوذكس التي تبنته عام ١٩٥٤. ولهذا تختلف هذه الكنائس في موعد الاحتفال بعيد الميلاد بينما تتفق في موعد وطريقة حساب عيد القيامة.
وعلى هذا أصبحت الغالبية العظمى من كنائس العالم تتبع التقويم الجريجوري (أو اليولياني المعدل الشبيه به) في الأعياد الثابتة، وتحتفل بعيد الميلاد يوم ٢٥ ديسمبر. ولم يبق على التقويم القديم سوى كنائس؛ الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس، والكنيسة التوحيدية الإثيوبية، وكنيسة روسيا، وكنيسة صربيا، وكنيسة جورجيا.
هل تصحيح التقويم ضرورة؟ ولماذا؟
وإن كان ذلك ضروريًا، فبأي طريقة؟
قد يسأل أحدهم؛ هل هناك ضرورة لتعديل التقويم الذي نسير عليه منذ مئات الأعوام؟ الإجابة من وجهة نظري هي: نعم.
أولًا: أسباب علمية:
في التقويم القبطي الحالي، كما أسلفنا، أصبح الاعتدال الربيعي والانقلاب الصيفي والاعتدال الخريفي والانقلاب الشتوي، أي الفصول الأربعة التي تحدد بشكل كبير النشاط البشري من زراعة وعمل وغيرها، مُرحّلة عن موعدها المزمع في التقويم الأصلي بـ13 يومًا، وهذا الفرق يزداد يومًا إضافيًا كل 100 عام، وعلى هذا يزداد اغتراب التقويم عن الظواهر الطبيعية مع الوقت، وهو ما ينتفي معه الغرض من التقويم، إذ إن التقويم من الأصل وضع لمساعدة الناس على معرفة مواقيت الزراعة ومواعيد المواسم المختلفة، فإن انحرف التقويم عن ذلك، وجب تصحيحه.
ثانيًا: أسباب عقيدية:
وفقًا للأناجيل، فقد حدث صلب وقيامة المسيح في أسبوع الفصح اليهودي. فقد تناول المسيح العشاء مع تلاميذه ليلة اكتمال القمر، أي ليلة 14 نيسان في التقويم اليهودي [القمري/الشمسي]. ويأتي هذا العيد اليهودي دائمًا في فصل الربيع، متحركًا بين شهري مارس وأبريل، وذلك لأن التقويم اليهودي هو تقويم قمري/شمسي. ولهذا فقد وضع مجمع نيقية القاعدة التي تقول أن الاحتفال بالقيامة يجب أن يكون يوم الأحد التالي لاكتمال أول قمر بعد الاعتدال الربيعي [6]. ولهذا استمرت كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية في حساب عيد القيامة بهذه الطريقة: الأحد التالي لاكتمال أول قمر بعد الاعتدال الربيعي وفقًا للتقويم القبطي [25 برمهات]، وإن وقع اكتمال هذا القمر يوم أحد، يقع العيد في الأحد التالي له.
ولكن مع السنوات، لم يعد 25 برمهات يتفق مع الاعتدال الربيعي، وكذلك 21 مارس في التقويم اليولياني، وهو ما دفع كنيسة روما لتبني التقويم الجريجوري كما شرحنا قبلا. وهو ما أدى إلى أن 25 برمهات الآن أمسى يوافق 3 أبريل في التقويم الجريجوري الذي يستخدمه العالم كله. وهو ما يجعل في بعض الأعوام عيد القيامة يقع في شهر مايو، أي بعد قمرين كاملين بعد الاعتدال الربيعي الحقيقي [21 مارس] وبعد الفصح اليهودي بأكثر من شهر.
وهذا الفرق سيزداد مع مرور السنون، إذ إنه بعد ثلاثة الآف عام من الآن على سبيل التوضيح، سيكون 25 برمهات قد أصبح في نهاية أبريل، وبالتالي قد يأتي عيد القيامة في نهاية مايو أو بداية يونيو، أي بعد ثلاث أقمار مكتملة بعد الربيع، مبتعدًا تمامًا عن الموعد الطبيعي له! وهو ما يوجب تصحيحه للعودة للقاعدة الموضوعة في مجمع نيقية، والمتفقة مع نص الأناجيل. وإن كان هذا سيتطلب كذلك تصحيح الحساب الأبقطي الذي يتم حساب موعد العيد عن طريقه.
ثالثًا: أسباب عملية:
ضبط التقويم القبطي سيجعل موعد عيد الميلاد متفقًا مع موعد عيد الميلاد الغربي في 25 ديسمبر، وكذلك موعد عيد القيامة (في حالة تصحيح الحساب الأبقطي كذلك)، وهو ما سيجعل حياة مئات الآلاف من المنتمين للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في العالم كله أكثر سهولة. فأخيرًا أعيادهم القبطية ستكون متزامنة مع الإجازات الرسمية للبلاد التي يعيشون فيها. ولا يجب هنا أن نخلط بين ضبط التقويم وتوحيد الأعياد. فضبط التقويم سيجعل مواعيد الأعياد واحدة، ولكنه لا يعني أن الكنيسة القبطية ستتحد إيمانيًا أو طقسيًا مع الكنائس الغربية. وهو ما فعله عدد من الكنائس المتحدة معنا في الإيمان، إذ تبنوا التقويم الجريجوري في الأعياد الثابتة، ولم يؤثر ذلك على إيمانهم.
أي التقاويم أدق؟
دائمًا ما يكون السؤال عند إثارة موضوع ضبط التقويم هو عن أي التقاويم أدق،
هل هو التقويم المعتمد على السنة الفلكية النجمية (سنته متوسطها 365.256 يومًا)،
أم التقويم المعتمد على السنة المدارية الشمسية (سنته متوسطها 365.242 يومًا)؟
السؤال من وجهة نظري هو ليس أيا من التقويمين دقيق، لأن كل تقويم به نسبة تقريب ونسبة خطأ، ولكن هو أي تقويم يخدم الغرض من التقويم بصورة أفضل. الغرض من التقويم هو تنظيم الفصول والمواسم بطريقة تتفق مع الظواهر الطبيعية. وإذا قارنا بين التقاويم المختلفة من جهة الدقة سنجد أن نسبة الخطأ في تحديد الاعتدال الربيعي (الذي اتفق الجميع على أخذه معيارًا من البداية ومع اعتبار السنة المدارية الشمسية مرجعًا كونها الأنسب لتنظيم الأنشطة البشرية) كالاتي:
– التقويم المصري القديم [7] : الخطأ يوم كل أربع سنوات.
– التقويم اليولياني والتقويم القبطي السكندري [8] : الخطأ يوم كل 128 سنة.
– التقويم الجريجوري [9] : الخطأ يوم كل 3236 سنة.
– التقويم اليولياني المًراجع [10] : الخطأ يوم كل 31 ألف و250 سنة.
إذن لو كنا نبحث عن الأدق فالتقويم اليولياني المراجع المستخدم حصرا الآن ببعض الكنائس الأورثوذكسية الشرقية هو الأدق.
لماذا لا نعود لتقويم مبنى على السنة الفلكية النجمية؟
قد يطرح أحدهم أن ما يجب عمله ليس هو تصحيح التقويم القبطي ليسير وفقا للسنة الشمسية المدارية، بل العودة بالتقويم القبطي كي يتبع السنة الفلكة النجمية التي كانت أساس ابتكاره من البداية.
إن سرنا وراء هذا الاقتراح، سنجد أنه لكي يتبع التقويم القبطي الحالي السنة النجمية يجب أولا تحريك بداية العام القبطي ليكون 1 توت موافقًا للشروق النجمي للنجم سوبدت-سريوس وهو يوافق الآن الثالث من أغسطس في التقويم الحالي عند خط عرض 30 (أي كما تم ملاحظته قديمًا عند منف أو هليوبوليس). وهو ما سيجعل عيد الميلاد (29 كيهك) يوافق يوم 29 نوفمبر بدلا من يوم 7 يناير !
ولأن السنة النجمية متوسطها 365.256 يومًا (أي تزيد حوالي 9 دقائق عن السنة في التقويم القبطي وهي 365.25 يومًا)، يجب إضافة يوم للتقويم كل 166 عامًا ليبقى التقويم موافقًا للسنة الفلكية. وهو ما يعني أن التقويم سيتحرك نسبة للفصول المدارية كما تحرك التقويم الحالي.
أي سنصل لنفس النتيجة، وهي ابتعاد الأعياد، وخاصة عيد القيامة، عن مواعيدها الطبيعية باستمرار، كون عيد القيامة مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالاعتدال الربيعي وكذلك بالفصح اليهودي الذي دائمًا ما يقع في الربيع. أذن لا فائدة من الاعتماد على سنة فلكية في حين أن طريقة حساب عيد القيامة معتمدة على ظاهرة مرتبطة بالسنة المدارية، وليس الفلكية.