في قديم الأزمان، كانت البلاد متباعدة عن بعضها بسبب اختلاف اللغات فيما بينها. لذلك كانت الملمات حين تصير في إحدى البلدان، لا تسمع بها البلد الأخرى إلا بعد فترة ما حتى تأتي لنجدتها.

فكانت مدينة تسمى “سو” قليلة السكان وفقيرة الحال وشعبها متواضع الموارد، إنما كانت أرضها خصبة، فكان الشعب يزرع من الأرض ما يكفي لقوت بنيه وكفى. 

أما جارتها المسماة “مي” فكان اكتشاف الحديد فيها قد أثر على نشاط شعبها، فبدأوا في صنع أدوات تفيد في الحياة اليومية، مثل رماح الصيد إذ كانت الغزلان والطيور قريبة المنال، وأدوات الزراعة المتنوعة مثل الفؤوس وما إلى ذلك.

وسارت الأيام كما تسير في كل زمان ومكان، حتى جدَّ أمر خطير، وهو أن سكان البلدة الأولى “سو” بدأوا في تركها وهجرها، فقلَّ عدد سكانها ولم يعُد أحد يهتم بما تحتاجه أرضها. بينما كانت البلدة الأخرى “مي” في عمل مستمر وناجحة في عملها وتعدادها يزيد باستمرار مما جعل الموارد لا تكفي شعبها. ومع طول الوقت والزمان ضاقت أحوال البلاد واحتار الناس فيما يفعلون.

هنا جاءت وتحتمت الضرورة أن تلجأ “مي” إلى “سو”!! ماذا حدث؟ ذهب عدد من حكماء البلدة الأولى إلى الثانية، وتكلموا معهم قائلين: إن وضعنا هكذا لا يؤدي إلى خير الشعب في البلدتين. فلنبحث معًا في نهضة شعبينا لخيرنا جميعًا. الأرض لدينا والإمكانيات لديكم، والأيدي العاملة في بلدينا. فلنشترك في زراعة مساحة كبيرة من الأرض تكفي لشعبينا وللخير الأمة كلها. فاتفقوا على زراعة 10 مليون فدان من الأرض، 5 ملايين لكل بلدة. ولأن الزراعة تحتاج إلى طقس معتدل، فقد استعملوا أوراق النخيل لتظلل على الزراعات [1].

وهكذا بدأت الزراعة في أراضي البلدة “سو”، بهمة ونشاط البلدة الثانية “مي”. وفي غضون ثلاث سنوات أثمر المحصول أربعة أضعاف ما كان ينتجه في أية بلدة أخرى.

وهكذا استقرت الأحوال في البلدتين وصارت المنطقة المتوسطة التي بينهما نموذجًا للشعوب المجاورة، للتعاون البناء بين الشعوب، فقد فهموا الدرس إن التعاون في المجالات التي تخص الشعوب فيما بينها يؤول إلى نهضتها جميعًا.

وكتبوا على حجرٍ ضخم جملة العهد الذي أخذوه على شعوبهم، كتبوا هكذا:

هذه الأرض زرعناها لخير بلدينا “سو” و”مي”، لا يقل أحد إنها تخصه هو؛ بل هي أرض “سو” واهتم بزراعتها “مي” و”سو” لخير بلدينا.

واستمرت الأرض هكذا في نمو وازدهار أثرى كلا الشعبين، وتوالت شعوب وراء شعوب، وكوارث وأحداث كثيرة لم يتمكن التاريخ من رصدها ونقلها إلينا إلا شفويًّّا على أفواه الأقاصيص التي كانوا يروونها فيما بينهم ولأولادهم وأحفادهم.

ولكن، لا زالت الدروس المستفادة حتى الآن نسمعها تتردد بين أقاويل الشيوخ، مثل “الاتحاد قوة”، وقصة العصي التي إذا جمعت كثرة منها يصعب كسرها، وقصص أخرى لا تفوت على فطنة القارئ.

يا أيها القارئ اللبيب، إن الوقت مقصر والأيام تمر سريعًا، وأحوال البلدان تحتاج إلى نهضتها، فيا من تستطيع أن تزرع شجرة، لا تتركها لئلا تذبل فيصعب زراعتها. بادر بخطوة مباركة واشترك مع أخيك لينهض كلٌّّ منكما ببيته، والله يعين كل من يعمل خيرًا أن يجد أمثاله، ليس فقط سبع أضعاف، بل سبع وسبعون ضعفًا.

 

هوامش ومصادر:
  1. أي ما نسميه الآن بزراعة الصوب، ولكن بطريقة بدائية [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

برتي المقاري
راهب في دير القديس الأنبا مقار الكبير  [ + مقالات ]