وكالة RNS، ترجمة لتقرير استقصائي Coptic abbot's murder points to strains over ecumenism in Egypt، بتاريخ ٧ سبتمبر ٢٠١٨.
لا يزال المجتمع القبطي الأرثوذكسي في مصر يعاني من تداعيات قتل رئيس دير القديس مقاريوس (أبو مقار) من قبل المحافظين الملتصقين بنفس إيمانه، في الدير الذي اشتهر بالتأمل والمعرفة منذ القرن الرابع الميلادي، على بعد ٩٦ كيلومتر شمال غرب القاهرة. فالضحية، الأسقف أنبا إبيفانيوس، ٦٤ عامًا، كان الرجل المحوري في جهود البابا تواضروس الثاني للمصالحة بين كنيستهم والفاتيكان.
كان الباباوان، الروماني الكاثوليكي والقبطي الأرثوذكسي، قد استكشفا خطوات نحو الاعتراف المتبادل بمعمودية واحدة، ومواقع الحج إلى الأماكن المقدسة، وحتى التوفيق بين تقاويمهم الليتورجية.
في ٢٩ يوليو ٢٠١٨، توفي إبيفانيوس نتيجة ضربة على الرأس بجسم حاد.
حصل المحققون على اعتراف من الراهب وائل سعد، ٣٤ عامًا، بعد أن حاول عضو آخر في ترتيب الرهبنة، هو ريمون رسمي منصور، ٣٣ عامًا، الانتحار عن طريق شق معصميه وإلقاء نفسه من أعلى مبنى في الدير. [1]
ويواجه كلاهما المحاكمة في ٢٣ سبتمبر بتهمة قتل الأنبا إبيفانيوس. [2]
انتُخب إبيفانيوس رئيسًا لدير القديس مقاريوس في عام ٢٠١٣، وهو عام مضطرب شهد احتجاج مئات الآلاف من المصريين على الرئيس محمد مرسي، أحد زعماء جماعة الإخوان المسلمين.
وفي العام نفسه، أطاح الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي آنذاك، رئيس مصر الحالي، بمرسي.
حمَّل العديد من المسيحيين المصريين مرسي وأتباعه مسؤولية تصاعد أعمال العنف ضد كنائسهم وضد رجال الدين [3]، وتكثّفت تلك الهجمات عندما اختبأ الإسلاميون المسلحون بعد الإطاحة بمرسي.
وفي ٢٠١٧، تزايدت حدة الهجمات على المسيحيين، فشملت طعنًا قاتلًا أودى بحياة أب كاهن في أكتوبر، وقتل ٢٨ زائرًا مسيحيًا كانوا في طريقهم إلى دير بالقرب من مدينة المنيا في مايو [4]، وتفجيرات عيد الشعانين يوم أحد السعف في كنيستين بالإسكندرية وطنطا نجم عنها مقتل ٤٤ شخصًا في أبريل [5].
وكانت عمليات قتل ٧ مسيحيين في العريش على يد فرع تنظيم الدولة الإسلامية في مصر في فبراير قد أدت إلى نزوح جماعي لمئات المسيحيين من الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء.
كان رد فعل الفاتيكان على الهجمات الجهادية [6] هو التوجه إلى الأقباط بموجات متجددة من التضامن [7]، بلغت ذروتها بزيارة البابا فرانسيس [8] في عام ٢٠١٧ إلى القاهرة [9] والمجتمع الكاثوليكي في مصر، والذي يقدر تعداده بنحو ٢٠٠ ألف شخص [10]. ويُعتقد أن الأقباط، وهم طائفة مسيحية قديمة، يشكلون ما بين ١٠ إلى ١٥ في المائة من سكان مصر البالغ عددهم نحو ١٠٠ مليون نسمة.
خلال تلك الزيارة، قالت الكنيسة القبطية إنها لن تطلب من الكاثوليك الذين تزوجوا في كنيستهم أن تُعاد معموديتهم بصفتهم أقباطًا أرثوذكس. كما فتحت الكنيستان باب المناقشات حول قبول ٢٥ ديسمبر عيدًا للميلاد بدلًا من استخدام التقويم الجريجوري القديم لتحديد أيام الأعياد في الكنيسة.
إعادة المعمودية -ما يعني قبول أعضاء طائفة مسيحية واحدة في مجتمع كنسي جديد حتى لو تم تعميدهم في كنائسهم الخاصة- تثير عادةً اختلافاتٍ لاهوتية كبيرة بين الطوائف (المجامع).
لكن المحافظين من الأرثوذكس، انتقدوا تواضروس وإبيفانيوس، وهو عالم لاهوتي يحظى بالاحترام لترجماته العربية للمصادر المسيحية المبكرة المكتوبة باللغة اليونانية القديمة واللغة القبطية ما قبل الإسلام.
العديد من الأقباط يرفضون مفهوم الوحدة، ولا يخجلون من التعبير عن مشاعرهم على صفحة الفيسبوك الخاصة برابطة حماية الإيمان، وهي المجموعة التي نشطت في معارضة إصلاحات البابا تواضروس.
بدأ ما يسمى بالحماة في إنشاء ميلشييات على الإنترنت، لمهاجمة ومضايقة واتهام البابا وحلفائه بالهرطقة.(أيمن عريان، باحث قبطي بمعهد دراسات التنمية، جامعة ساسكس، إنجلترا)
نحن لدينا تراث لاهوتي وروحي ثري للغاية.
أسلوبنا الخاص في الترنيم والتسبيح مشتق من قدماء المصريين. ويجب الاحتفاظ بالتقويم القبطي واللغة القبطية حتى لا نذوب في الكنيسة الغربية.(سامي ميخائيل، طالب صيدلة، جامعة عين شمس)
الكاثوليكية الرومانية هي وافدة متأخرة نسبيًا إلى مصر، حيث وصلت في القرن التاسع عشر، عندما بنى المبشرون الكاثوليك الإيطاليون والفرنسيون المدارس وقدموا الرعاية الطبية الحديثة.
قال الأسقف سيرابيون، المطران القبطي لإيبارشية لوس أنجلوس وجنوب كاليفورنيا وهاواي، إن المعارضة للاعتراف بالمعمودية المتبادلة مع الكنيسة الرومانية يمكن أن تكون مسألة جغرافية أكثر من كونها مسألة عقيدة.
إن الأساقفة في صعيد مصر الذين يجدون أن الكنائس الكاثوليكية المحلية تبذّل جهودًا تبشيرية بين الأقباط في الريف، يميلون إلى أن تكون لهم وجهة نظر مختلفة عن تلك الموجودة بيننا نحن في الخارج.
من الأهمية أن يسعى البابا تواضروس إلى الوحدة، لكن قضية التبشير تُعيقنا عندما يتعلق الأمر بالاعتراف المتبادل بالأسرار والتقويم.(الأنبا سيرابيون، أسقف لوس أنجيلوس)
هكذا أضاف سيرابيون، الذي سافر إلى روما مع الأنبا تواضروس في أول اجتماع له مع البابا فرانسيس في سنة ٢٠١٣، وهو من مواليد أسيوط في صعيد مصر وتم تكريسه في دير السريان على بعد حوالي ١٦ كيلومترًا جنوب غرب دير القديس مقاريوس (أنبا مقار).
وجاء بالتقارير القضائية المقدّمة في الثالث من سبتمبر، أن النيابة العامة في الإسكندرية ذكرت إن الراهبين قتلا إبيفانيوس بسبب خلافات أيديولوجية ومالية.
وفقا للرهبان، كانت هناك صراعات مع رئيس الدير.
سيطر الشيطان على الراهب. من المستحيل بالنسبة لي المشاركة في قتل الأسقف إبيفانيوس.(أمير نصيف، محامي وائل سعد)
هكذا قال أمير نصيف، الذي استقال من صفته محامي وائل سعد بعد نشر نص اعتراف المتهمين أمام الشرطة.
تم تجريد وائل سعد من اسمه الرهباني؛ إشعياء المقاري [11]، لكن السلطات الكنسية لم تجرد أو تشلح من الرتبة الكهنوتية شريكه ريمون رسمي، المعروف باسم فلتاؤس المقاري [12].
شكّل الأنبا إبيفانيوس تهديدًا للأصوليين بعد أن استخدم مخطوطات من دير القديس مقاريوس لإثبات أن الكنيسة المصرية لم تُعِد معمودية الكاثوليك حتى القرن التاسع عشر.(باسم الجنوبي، ناشط قبطي ليبرالي)
قبل أربع أشهر من جريمة القتل، بدأ الرهبان المتشددون وغيرهم من الأصوليين في انتقاد إبيفانيوس، بعد أن قال في مؤتمر بالقاهرة حول المسيحية في الشرق الأوسط أن شرط إعادة المعمودية كان من مخلّفات المنافسة بين الكنيستين الرومانية والقبطية الأرثوذكسية التي بدأت فقط عندما وصل المبشرون الكاثوليك الأوروبيون إلى مصر في القرن التاسع عشر.
في أواخر يوليو، تعرض إشعياء المقاري (وائل سعد) لجزاءات تأديبية قبل قتل الأنبا إبيفانيوس لاستخدامه “غير اللائق” لوسائل التواصل الاجتماعي، ولكن رغم ذلك، لم يتم تجريده من الرهبنة والرتب الكنسية المقدسة، بعد أن وقّعت مجموعة من الرهبان على عريضة تعارض إبعاده.
وفي أعقاب جريمة القتل مباشرة، أمر البابا تواضروس الرهبان بتعطيل جميع حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه السلوكيات ليست صحيحة للحياة الرهبانية.(البابا تواضروس الثاني)
هكذا علّق البابا تواضروس الثاني، الذي فرض أيضًا تعليقًا لمدة سنة على قبول رهبان جدد.
في غضون ذلك، يلف الحزن الأقباط لفقدانهم لاهوتيًا مهمًا.
إنهم ضد البابا ويخشون مشروع الوحدة مع الكنائس الأخرى. ولكنني أقول أنه لا يوجد في مجمعنا المقدس من يُقارن بإبيفانيوس من حيث المعرفة والتقوى، ونياحته خسارة كبيرة للكنيسة.(أيمن عريان، باحث قبطي بمعهد دراسات التنمية، جامعة ساسكس، إنجلترا)