لا زالت أصداء الجدل حول سيمنار الأساقفة الذي تم تأجيله لوجود 2 من الأكاديميين العلمانيين يحاضرون فيه حول مجمع نيقية تلقي بظلالها على الكنيسة، وأخرها خبر تقديم الأنبا أبانوب الأسقف العام في منطقة المقطم لاستقالته/ إعفائه من الخدمة هناك وفقا لما صرح به البابا تواضروس الثاني، مساء الأربعاء 30 أكتوبر خلال زيارته لكنيسة الأنبا بيشوي بحي زهراء المعادي، فبعد البيان المسرب بتوقيع 17 أسقف يعترضون فيه على وجود أستاذ اللاهوت دكتور جوزيف موريس فلتس وأستاذ التاريخ سينوت دلوار شنودة، خرج الأنبا أبانوب وهو أحد الموقعين على البيان بتسجيل فيديو مثل الأنبا موسى أسقف الشباب ليبدي اعتراضه على وجود الأكاديميين.
ورد البابا تواضروس على ما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي قبل يوم من زيارته لإيبارشية المعادي بأنه “تم اجبار الأنبا أبانوب على الاستقالة والعودة إلى الدير” بأن هذا غير صحيح، والأنبا أبانوب هو من طلب إعفائه، وأشار البابا لوجود مشكلات و”ضعفات” تخص الأنبا أبانوب في الخدمة -لم يذكرها- وأوضح أن هذا الطلب لازال قيد الدراسة، وحذر البابا من الشائعات المنتشرة من قبل ما أسماهم “صفحات الإثارة أو السوداوية” على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن الكنيسة صاحبها المسيح، وكل الإكليروس خدام في يد المسيح، ويحكمهم أمانة العمل، وأضاف أن الأسقف العام رُسم دون تزكية من الشعب، ليؤدي دور معين وحدث به بعض الضعفات.
بعد هذه الإجراءات لدي عدة ملحوظات:
يقول المثل: “أن تأتي متأخرًا أفضل من ألا تأتي أبدًا”، هذا الإجراء تجاه أسقف المقطم تأخر كثيرًا، ليس معه فقط، بل مع أساقفة آخرين يسببون مشاكل وعثرات في الكنيسة، وكلما حدث تأخر في اتخاذ قرارات في وقتها وتم التروي والانتظار كثيرًا كلما كانت الفاتورة أفدح، وهذا ما قد ظهرت بوادره الآن.
اتسم عصر البابا شنودة الثالث بالمحاكمات الكنسية الجائرة وغير القانونية، سواء مع إكليروس أو علمانيين وقادها سكرتير مجمع الأساقفة في عهده الراحل الأنبا بيشوي مطران دمياط، وعانت الكنيسة بسبب إبعاد بعض الأساقفة مثل الأنبا أمونيوس أسقف الأقصر والأنبا تكلا أسقف دشنا والأنبا متياس أسقف المحلة، إضافة إلى عزل دكتور جورج حبيب بباوي بقرار دون محاكمة قانونية يدافع فيها عن نفسه وفق القوانين الكنسية، ولم يسمح لأحد أن يعارضه أو يطلق رأي مخالف لرأيه، حتى يتخيل البعض حتى الآن أن مواقف وآراء البابا الراحل شنودة الثالث هي جوهر إيمان وعقائد الكنيسة، ولعل عبارة “لا طلاق إلا لعلة الزنا” هي أكبر مثال.
في حين جاء البابا تواضروس ليأخذ الطرف النقيض تمامًا فلم تجر في عهده محاكمات كنسية كما كان يحدث سابقًا، يتعرض لهجوم مستمر من لجأن مأجورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويخرج بعض الأساقفة معدومي الثقافة والدراسة لمهاجمته والتعليق على قراراته وعظاته بطرق مباشرة وغير مباشرة ولم يتخذ إجراء واحد قانوني تجاههم رغم تصرفاتهم التي تؤهلهم للمحاكمة.
وللأسف التطرف في الاتجاهين مضر بشؤون الكنيسة وأحوالها فما فعله البابا شنودة سابقًا، أخفى أي صوت أو رأي من الكنيسة، وما يفعله البابا تواضروس حاليًا بتغليب روح المحبة دائمًا دون وقفة مع المتجاوزين يصل إلى حد السلبية، ولنا في مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار في 29 يوليو 2018 أكبر مثال، فقد تهاون الأسقف المغدور مع تجاوزات قاتله كثيرًا، وكانت النتيجة فقداته حياته على يد راهب فاسد كان يجب تجريده وطرده من الدير فور أول مشكلة افتعلها.
لذا أن يحقق البابا سواء بنفسه أو من خلال لجنة من أعضاء مجمع الأساقفة مع تجاوزات أي أسقف لهو أمر في غاية الأهمية، ويجب أن تشهد لائحة عمل الأساقفة بعض التعديلات الإدارية المهمة، فيما يخص تقديم الأساقفة لاستقالتهم أو إحالتهم للتقاعد/ المعاش عند سن محدد، فما حدث في نهايات عهد البابا شنودة مع كبر سنه واشتداد المرض عليه كان يستوجب وجود قانون للتقاعد، وهو ما تكرر مع الأنبا بسنتي أسقف حلوان السابق في نهاية أيامه، واضطر البابا للتدخل لوقف ما حدث في تلك الإيبارشية من تجاوزات ومراجعة كافة قرارات الأسقف الإدارية والمالية، ولنا في الفيديو الأخير الذي صدر عن الأنبا موسى أسقف عام الشباب خير مثال فالرجل قد كبر سنه، وتم الزج به في صراعات لا يدري بها، ويبدو أن من حوله طلبوا منه أن يفعل ذلك.
لذا فلماذا الإصرار على قواعد قديمة، ثبت اليوم إننا في حاجة لتغييرها؟ طبعا سيخرج علينا المستفيدين من الوضع الحالي برفض ذلك، بدعوى أنها قوانين الرسل، لكن هؤلاء يجورن على الروح القدس الذي وعد المسيح بأن يظل عامل في الكنيسة.
الأمر الآخر لا يصح أن يتم اختيار الأساقفة من الرهبان فقط، فإذا كان شرط البتولية أساسي في اختيار الراعي فيمكن اختيار ذلك من العلمانيين أيضًا، ولكن الشرط الأهم لاختيار الأساقفة والرعاة، هو الدراسة الأكاديمية وأن يكون الأسقف حاصل على دراسات أكاديمية ودكتوراه في إحدى فروع الدراسات اللاهوتية والرعوية والعلوم الإنسانية من جامعات دولية ومعترف بها أكاديميًا، حتى يتم اختياره أسقفًا، ولكي لا نكرر تجارب فاشلة مثل تجربة أسقف المقطم وغيره ممن لا يصلحون للأسقفية ولا الرعاية.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
باحث وكاتب صحفي ومتابع للشأن الكنسي وشئون الأقليات