إذ تخطينا مرحلة الصراع القائم داخل القديس بولس بل داخل كل من وُلد من الماء والروح وأصبح الإنسان الجديد داخله حسب تعبير بولس الرسول: وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ
. [1].
أو إنسان القلب الخفي حسب تعبير بطرس الرسول: بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ
. [2]، أقول إذ تخطينا مرحلة المخاض هذه وهي مرحلة تتسم بصراع داخلي ينبري بوضوح في الإصحاحين السابع والثامن من رسالة رومية، واستطعنا أن نعبر داخلنا من الإصحاح السابع إلى الثامن بنجاح سوف نختبر ما نصبو إليه إلا و هي جمله ذكرتها في مقال سابق، ألا وهي« القيادة بالروح القدس» أو النضوج في الحياة الروحية، أو بتعبير آخر، تٓسيد الإنسان الجديد داخلنا وهذا هو موضوع رومية ٨.
دعونا نناقش في هذا المقال واحدة من أهم أسباب عدم الوصول إلى مرحلة النضوج الروحي ألا وهو فهمنا للناموس مقابل النعمة، يشرح الكتاب المقدس بوضوح أنهما أسلوبان لا يمكن الجمع بينهما، فإن كنت تطلب وتبتغي الوصول للبر أو النضوج الروحي من خلال الناموس أو إن أردت أن تعيش جزءًا بالناموس وجزءًا بالنعمة فتفشل حتما.
لنعطي تعريف للناموس؛ الناموس هو القانون الجبري اللازم تنفيذه أو عبارة عن مجموعة من الشرائع والقواعد عليك أن تحفظها وتسلك فبها كل الوقت ليس لبعض الوقت بل أعني كل الوقت، إذن لكي تكون بارًا عليك أن تحفظ كل الناموس طوال الوقت، لكنك ستصطدم أيضًا عندما تعلم أنه إذ سقطت في قانون واحد من كل القوانين هذه ستصير مجرمًا في الكل حسب المكتوب لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ
. [3].
وكما أوضح الرسول يعقوب هذا الحق، أيضًا ذكر بولس الرسول حق إلهي لا يجب أن تعبر عليه دون أن تتأمل فيه ونضعه نصب أعيننا، ألا وهو إن عدم حفظك للناموس، وأقصد بها عدم السلوك كما هو مكتوب في الناموس، يضعك تحت لعنة، نعم تحت لعنة لأَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ النَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: “مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ
. [4]، لهذا إن أردت أن تتجنب اللعنة وتعيش تحت البركة فعليك أن تستمر طوال الوقت في فعل كل الأشياء المذكورة في الناموس، ليس بإمكانك أن تحفظ الوصايا التي تعتقد مهمة فقط و تترك الأخرى، عزيزي القارئ، لا يوجد شخص واحد أكمل الناموس أو نجح في حفظ الناموس كاملًا على الإطلاق بما فيهم كل رجال الله على مدار الكتاب المقدس كله بلا استثناء، الجميع فشلوا في حفظ الناموس، وهذه الحقيقة أوضحها بولس الرسول قال: الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ
. [5]
لذلك تجد بولس يصرخ صرخة مدوية في رومية ٧، وهذه الصرخة حال كل من هو مولود ولادة ثانية لكن لم يُعلن له الحق الكامل -رجاء اقرأ الآيات من عدد ٧ إلى العدد ٢٠ أكثر من مرة- لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ.فَإِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ، فَإِن……فَالآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذلِكَ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَه فِيَّ.فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ،_أَيْ فِي جَسَدِي_، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ.لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ
. [6].
إذن هنالك صراع يبدو مُرا وغير مْحتمل على ضمير الإنسان المـُخلص والمُجدد بالولادة الثانية وعلى فكره أو ذهنه أيضًا بسبب إمكانية السقوط في الشر مع وجود روح القداسة في ذات الوقت داخله، وهذا الصراع العنيف إشارة جيدة جدا لكل من وُلد من الروح وذلك دليل قوي وواضح بأن روح القداسة والنعمة بدأ يأخذا طريقهما داخل الإنسان، هنا ينبري لنا دور النعمة في تجديد الذهن، لكن قد يسأل سائل لماذا الناموس إذن؟! سأجيبك عزيزي على هذا السؤال في مقالي المقبل، ولكن قبل أن اختم هنا يجب أن أشير إلى النعمة وأعطي تعريف النعمة أنها صلاح الله المُعطي مجانًا لمن لا يستحقه أو بتعريف أكثر عمقًا أنها القوة المُعطاة لكل من يقبلها مجانًا وهذه القوة قادرة أن تحفظ من يعيش تحت مظلتها في المشيئة الإلهية بل تــٌُخلص أيضا لأنه مكتوب لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ
. [7]. بل تعطيك حق الإقامة فيها أيضا الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ
. [8].
عزيزي القارئ أنت لست تحت الناموس بل تحت النعمة (رومية ٦-١٤)، أنت في المسيح لست تحت الناموس، لست تحت وصايا وشرائع ونصوص وقوانين فشل كل الذين سمعوها أن يثبتوا فيها بل استعفوا من أن تزاد لهم كلمه (عبرانين 12)، بل أنت مًُقيم ومغموس في النعمة القادرة أن تحفظك هي بل كما يذكر بطرس هنالك عمل كامل للنعمة، هنالك أربعه أفعال يذكرها الرسول هنا وَإِلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ
. [9]
فالنعمة قادرة أن:
١- تُكملكم. تُكمل كل عمل خلاصي قدمه لك الرب مجانًا على الصليب.
٢- تُثبتكم. تثبت ما يزرعه الروح القدس داخلك، لكي لا تُحمل بكل روح تعليم غريب كما يقول كاتب العبرانيين، لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ، لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ الْقَلْبُ بِالنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الَّذِينَ تَعَاطَوْهَا
. [10]
٣- تُقويكم. تعطيك القوة والقدرة [11] أن تسلك حسب الناموس الملوكي حسب تعبير القديس يعقوب [12] وليس حسب ناموس الوصايا والشرائع، وأخيرًا وليس أخرا -حيث عمل النعمة لا ينتهي.
٤- تُمكنكم. أي كأنها -أي النعمة الإلهية – تُمكنك أي وكأنها هنا تشبه عمل الـ « screw driver». لتُمكن وتُثبت كل وديعة سماوية داخلك.
لتغطى أيها القارئ الحبيب بالنعمة، اطلب نعمة فوق نعمة كل الوقت من إله كل نعمة.
يتبع بنعمة الرب.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟