المقال رقم 8 من 12 في سلسلة ملكوت الله سيمتد

عندما بدأت في كتابة سلسلة “ملكوت الله سيمتد”، خيل لي أنني سأتتبع الخاص باستعلان ملكوت الله من سفر التكوين للرؤيا في غضون أسابيع قليلة. ولكن ما هو حادث الآن هو إنني ما زلت في جملة عٓرضية توقفت عندها قليلًا في مقال سابق “المسحة بالروح القدس“، ومن الواضح إنني سأتوقف عندها كثيرًا، وذلك لعدة أسباب؛ منها أن كلنا بلا استثناء نحتاج أن ندع نور ومصباح كلمة الله يُسلط بقوة على هذا الحق الإلهي لتجديد أذهاننا، وأيضًا هذا التعليم هو الصخر والأساس الذي لابد أن نبني عليه بيتنا الروحي ليصبح بيتًا مؤسسًا على الصخر. كما قال الرب.

فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ.

(إنجيل متى ٧ : ٢٤)

لأنه من المستحيل أن نبني بيتًا دون أن نضع أساسًا لذلك البيت وإلا سيسقط حتما، عزيزي القارئ الأيام المقبلة في عمر العالم ستشهد تحديات كبيرة خاصة لأولاد الرب، فلابد أن نكون مؤسسين على صخر غير قابل للسقوط، لذا لزامًا على كل ابن حقيقي للرب أن يعلن بوق الحق.

لذا سنواصل سويًا هنا، أنهيت مقال “المسحة بالروح القدس” بجملة “أن الولادة الثانية تحول الخطاة إلى أبناء لله ولكن القيادة بالروح القدس تجعل منا رجال ناضجين”، إذن بمجرد إدراكنا إننا ولدنا ثانيًة يجب أن نكون باستمرار منقادين بروح الله كما يقول الكتاب: لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. [1]

لكن الحقيقة المحزنة هي أن كثيرين من اعتمدوا ووُلدوا ثانية وقبلوا عطية و شركة الروح القدس لم ينقادوا بالروح، بالتالي لم يصلوا إلى حالة النضج ولم تظهر عليهم ملامح المؤمن الكامل حسب قلب الله حسب المكتوب لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ. [2]، هنا يظهر أمامنا السؤال لماذا؟! واحذر يا صديقي أن تقول كلمات استسغنا أن نقولها ونرضي ضمائرنا الشريرة للأسف، مثال إننا بشر، طبيعتي خاطئة، نحن تراب ورماد، وأمثال ذلك من خدع إبليس الذي يتشكل لنا في هيئه ملاك نور ليصطادنا في الفخ، فالحق الكتابي واضح و قد حان الوقت لكي ما ننفض من على أذهاننا وأرواحنا تراب السنين الذي التصق بنا وصار هو الحق مع أنه الباطل وصار الحق الإلهي باهت يصل إلى حد الباطل في أذهاننا.

صديقي العزيز أنت خليقة جديدة، أنت مُطالب أن تُقاد بالروح القدس كل لحظة هذا هو الحق وخلاف ذلك هو تعاليم الناس! وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَني وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ. [3]

عودة إلى سؤالي لماذا؟

بادئ ذي بدء كون إنك ابن للرب واعتمدت وقبلت الروح القدس هذا لا يعني مطلقًا أنك لا تخطئ وإن أخطأت تفقد خلاصك في الحال وتفقد أبديتك، هذه كذبه إبليس، لان يوحنا الرسول يكتب لمؤمنين قبلوا الخلاص وشركة الروح القدس قائلًا: إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ. [4]، نعم نحن مطالبين أن تكون ثيابنا بيضاء {بلا خطيئة} في كل حين ولا يعوز رأسنا الدهن ﴿رمز لمسحه الروح القدس﴾ كما يقول سفر الجامعة ٩-٨.

إن كان الأمر كذلك إذن لماذا لا نُقاد بالروح القدس؟ ولماذا نصدق في الخطيئة ونضخمها أكثر من أن أصدق في الهبة السماوية والنعمة؟ ولماذا أعيش في العالم غير منتصر رغم أن الإعلان الإلهي يقول، يجب أن نكون أعظم من منتصرين.. وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. [5].

لماذا تبدو لي بعض آيات الكتاب المقدس غامضة؟! وكيف أسمع لصوت الله؟ كيف نقرأ العهد القديم من خلال العهد الجديد وكيف استمتع بقراءة العهد القديم بالرغم من غموضه أحيانًا كثيرة؟

أسئلة حائرة كثيرة بين المؤمنين في الكنائس، كل هذه الأسئلة وأخرى لا نستطيع أن نجيب عليها ونحن ما زلنا مثقلين بفكر أو تعليم يقودنا فقط إلى تعظيم الخطيئة وإخفاء النعمة؛ فكر يلقي الضوء على أكثر من النعمة؛ فكر يغذي فينا ضمير الخطايا أكثر بكثير من أن يطعمنا بكلمة الحق التي تغسل وتطهر هذا الضمير وتحوله إلى ضمير صالح، فكر يخفي حقيقة أن ابن الله الأزلي الأبدي أصبح إنسانًا لينتج فينا غًله ومحصولًا جديدًا من نفس نوع البَذْرَة أعطاه الرسول العظيم بولس اسم الإنسان الجديد أو الإنسان الداخلي وهذا ما صاغوه الآباء الشرقيين والغربيين معا.

ففي صلوات الكنيسة الأرثوذكسية القبطية نقول في إبصالية الاثنين: -وكلمة إبصالية تعني ترنيمة موسيقية للرب- فليكن اسم الرب فينا ليضئ علينا في إنساننا الداخلي، وأيضا نقول في إبصالية الأربعاء: فلنا الجوهرة اللؤلؤة كثيرة الثمن، الاسم الحلو المملوء مجدًا، الذي لربنا يسوع المسيح، الذي إذ ما لازمناه في إنساننا الداخلي فهو يجعلنا أغنياء حتى نعطي آخرين.

وهذا صاغه أيضًا في كتابه “ما وراء الشخصية” وقال:

الفداء والتجسد ليس مجرد وسيلة لتقدم وتطور الإنسان بالرغم أنه من الطبع يؤدي إلى ذلك في كل زمان و مكان… لكن الرب صار إنسانًا ليحول كل إنسان ابنا له، ليس لمجرد أن يصنع انسانا أفضل من نفس النوع القديم لكن ليصنع انسانا جديداً من نوع جديد

(سي. اس. لويس، ما وراء الشخصية)

وإذ تتبعت معي في المقالات المقبلة عزيزي القارئ جواهر وكنوز تعليم ال والقديس وهما أعمدة تعليم كنيستنا الأرثوذكسية في هذا الحق المُعلن بقوة في الإعلان الإلهي سوف تزلزل ثوابت فينا استقيناها من تعليم خاطئ أو من مجتمعنا بالفطرة.

إذن داخلك يا صديقي إنسان جديد، لكن هذا الإنسان الجديد مولود كطفل يحتاج إلى النمو كما قال القديس بطرس وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ [6].

إذن النمو والنضوج في إنساننا الداخلي هما أسلحتنا وبهما نُملك وننتصر في الملكوت. وهما ما اُطُلق عليهما الجهاد في حياتنا الروحية.

نستكمل العدد القادم بنعمه الرب.

هوامش ومصادر:
  1. رومية ٨: ١٤ [🡁]
  2. يعقوب ١: ٤ [🡁]
  3. إنجيل متى ١٥: ٩ [🡁]
  4. ١يوحنا ١: ٩ [🡁]
  5. رومية ٨: ٣٧ [🡁]
  6. ١بط ٢: ٢ [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: ملكوت الله سيمتد[الجزء السابق] 🠼 الخلقة الجديدة[الجزء التالي] 🠼 النضوج الروحي
عاطف حنا
[ + مقالات ]